العدد 413 - الخميس 23 أكتوبر 2003م الموافق 26 شعبان 1424هـ

أموال البترودولار العربية تصب في خزائن المستشفيات الألمانية

يعمل المريض الذي جلس يؤدي تدريبات العلاج الطبيعي وقد خلع قميصه وجلس نصف عارٍ، في تدريس الدين في واحدة من مدارس الرياض. وبدا على الرجل البالغ 38 عاما من العمر حماسه وهو يشعر أنه يحقق تقدما مذ أصيب بشلل جزئي أدى إلى إضعاف حركة اليدين. وقال إنه منذ إصابته بالمرض يشعر أن أصابع يديه تسمرت مثل الخشب، وأنه يحتاج إلى بعض الوقت حتى يعود إلى مواصلة عمله. وحتى ذلك الوقت فإنه يعتمد على خبرة الأطباء وخبراء العلاج الطبيعي وقال: أشعر بتحسن والحمد لله.

لم يعد الأذان شيئا غريبا داخل عدد متزايد من مستشفيات ألمانيا وبالنسبة إلى الأطباء والممرضات، فالتعامل مع المرضى العرب أصبح مسألة روتينية، وتم التغلب على كل الأحكام المسبقة والصعوبات في تعامل الألمان مع مرضى ينتمون إلى حضارة ينظر الألمان إليها نظرة حذر. وقالت خبيرة العلاج الطبيعي في مستشفى براندنبورج كاترين بروزوفسكي: «كنا في البداية نشعر بحيرة إذا ما كان بوسعنا لمس هؤلاء المرضى. وقد ساعدت جهود المترجمين في تبديد جميع أشكال المخاوف». والآن تعمل هذه الخبيرة من دون الشعور بخجل في تدريب المرضى والإمساك بأيديهم وأرجلهم ومساعدتهم في استعادة لياقتهم.

وهناك ما يقرب عشرة آلاف مريض ينتمون إلى بلدان عربية خليجية تلقوا العلاج في مستشفيات ومصحات بألمانيا خلال العام الماضي، وهو ضعف عددهم في العام السابق. ويعتقد المراقبون أن عدد المرضى العرب الذين سيتوافدون على ألمانيا في العام المقبل سيتضاعف. وأبرز المستشفيات والمصحات المحببة عندهم هي مستشفيات الجامعات ومراكز زراعة الأعضاء التي تحظى بسمعة جيدة وخصوصا الموجودة في ميونيخ وبرلين وهايدلبيرغ وفرايبورغ وهامبورغ وآخن. وقال خبير زراعة الأعضاء في هامبورغ كسافير روجيرز العامل في مستشفى الجامعة في لإيبندورف: «لقد اكتشف العرب ألمانيا كما اكتشفت ألمانيا المرضى العرب، وينبغي أن نستعد لتحمل أعداد كبيرة من المرضى».

مصائب قومٍ!

ولعب الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول العام 2001 دورا مهما في هذا التطور. فبعد هذا الهجوم توقفت السعودية عن إرسال مرضى لتلقي العلاج في مستشفيات أميركية، وكان عددهم يصل إلى 90 ألف مريض سنويا. وساهمت حرب العراق في وقف إرساليات المرضى بصورة نهائية إلى الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي. وأصبح من الصعب حصول المرضى من بلدان عربية خليجية على تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة. كما ان مشاعر العداء للعرب والخوف من تنامي العنصرية جعلت العرب يتوقفون عن التفكير بالسفر إلى الولايات المتحدة. وقال يواخيم كامراد من شركة بمدينة مانهايم تعمل في تقديم الخدمات للمرضى العرب: «إن من كان يقوم بزيارات متواصلة للولايات المتحدة لإجراء فحوص طبية، لا يرغب في تلقي معاملة مهينة أو يجبر على أخذ بصمات أصابعه عند وصوله إليها. ومنذ توقف المرضى العرب عن السفر إلى الولايات المتحدة تراجعت أرباح المستشفيات والمصحات الخاصة على الساحل الشرقي، بنسبة ثمانين في المئة. وينطبق هذا الأمر أيضا على الفنادق الفخمة التي كانت تعتمد كثيرا على الزوار العرب.

فتح أنبوب الأموال

وتعمل المستشفيات والمصحات الألمانية نيابة عن المستشفيات والمصحات الأميركية في استقبال المرضى العرب مستفيدة من إصلاح قوانين الصحة الألمانية إذ أصبح بإمكان المستشفيات والمصحات الألمانية استقبال مرضى من الخارج. واكتشفت المستشفيات والمصحات أنه تم فتح أنبوب من المال على خزائنها التي كانت تشكو من الكساد بسبب القوانين المشددة في مجال الصحة. ويعتبر المرضى العرب حاليا أهم مورد مالي لكبار الأطباء في المستشفيات والمصحات التي ينزلون فيها. وقال مدير شركة خدمة المرضى في مدينة كولون أكسيل هولاندر: «أنا واثق أن هناك أطباء يتقاضون من المرضى العرب عشرة أضعاف ما ينص عليه قانون الصحة الألماني».

ولا يرغب أحد من الأطباء أو إدارات المستشفيات في الحديث عن العمل الجديد، ويخشون أن يؤدي نقاش موضوع المرضى العرب إلى انتشار الشعور بأنه يتم تفضيل المرضى العرب على المرضى الألمان، وأن هؤلاء سيحلون مكانهم على قائمة منتظري العمليات وخصوصا زراعة الأعضاء. ونفى مدير القسم الإداري في مستشفى الجامعة في إيبندورف كارل هاينز إيبيلنيغ أن تكون هذه المخاوف في محلها، ويجد أن توافد المرضى العرب يساعد المستشفيات والمصحات في شراء أجهزة حديثة وتعيين موظفين جدد بينهم موظفون مهمتهم رعاية المرضى خلال فترة الإقامة بالبلاد ما يسهم في تعزيز الأهمية الاقتصادية لألمانيا.

وتعتمد شركات خدمات المرضى على المرضى العرب الذين يشكلون نسبة ثمانين في المئة من عدد زبائنها. وتعد هذه الشركات الزبائن العرب بتوفير برنامج كامل لإقامتهم في المانيا، والحصول على عروض كلفة العلاج لكل حالة في المستشفى المناسب وتشرف على تأمين تأشيرات الدخول للمريض وأقاربه أو مرافقيه، ويتم استقبالهم في المطار ونقلهم إلى الفنادق أو السكن في شقق مفروشة وتأمين مترجم لهم، كما يتم تنظيم جولات سياحية وزيارة المسجد يوم الجمعة. ومن يكتب له الموت في ألمانيا تهتم شركات خدمة المرضى بنقل جثمانه إلى بلده الأصلي ويجري العمل مع مؤسسات دفن الموتى تعمل حسب أصول الشريعة الإسلامية.

كما فكرت شركات الخدمة في الحالات الطارئة فإذا تقرر نقل مريض عربي على الفور لتلقي العلاج في ألمانيا فإنه يجري تخصيص سرير له في القسم الذي يشرف عليه رئيس أطباء المستشفى وينقل بطائرة خاصة مجهزة بفريق طبي وبقيادة طبيب مختص. تقول غودولا ريمان من شركة رعاية الصحة الألمانية: «لقد قمنا بمهمات صعبة للغاية». وذكرت أن شيخا عربيا نقل على عجل لألمانيا بطائرة خاصة، لكن لم يكن من الممكن إسعافه وفارق الحياة. لكن هناك كثيرين يستفيدون من رحلة العلاج، كما أوضحت ريمان: «كثيرا ما يصحب الشيوخ والأمراء في رحلاتهم العلاجية مجموعة كبيرة من الأقارب والمرافقين بينهم فرقة صغيرة من الحرس الشخصي، وأحيانا معلمون للإشراف على الأطفال وخدم. وبعض الأثرياء العرب معتادون على أن يصدروا أوامرهم بتحريك أصابع اليد. أحيانا يقرر المرضى نوع العملية والأطباء الألمان على أتم الاستعداد لعمل كل شيء مقابل المبالغ السخية. وشكا ثري عربي كان يزور أحد مستشفيات برلين أن إحدى بناته تشكو من ألم في القدم وقال إنه يفكر في إخضاعها لجراحة كي يسهل تزويجها في المستقبل».

وإلى جانب المستشفيات والمصحات، تستفيد الفنادق الفخمة من وفود المرضى العرب ويجري في الغالب حجز طبقة بكاملها وتبذل إدارات الفنادق قصارى جهدها كي يطيل الضيوف العرب فترة إقامتهم فيها. وفي فندق بارك هيلتون في مدينة ميونيخ أقيمت خيمة بدوية كغرفة استقبال للزوار العرب تقدم فيها القهوة العربية والنارجيلة. وفي مطبخ الفندق يعمل طباخون عرب في إعداد مأكولات خليجية يجري تقديمها على الأرض.

الأطباء الأغلى أوروبيا

ويتم التركيز على ميونيخ بصورة وخصوصا على رغم أنها المدينة الأكثر غلاء في ألمانيا وربما في أوروبا. وقالت صاحبة بوتيك في المدينة: «النساء العربيات لا يسألن عادة عن الأسعار وكل واحدة منهن تنفق ألف يورو على الأقل في عملية تسوق واحدة. وتستفيد المنطقة التي تقع فيها المستشفيات والمصحات من الأموال الإضافية التي يتركها الضيوف العرب في مراكز التبضع». ويقول صلاح عطانة أحد العاملين العرب في خدمة المرضى العرب بمدينة ميونيخ: «إن اهتمام المرضى العرب بالحضور للعلاج في ألمانيا كبير للغاية. هذا الاهتمام الذي يدفع بعدد من كبار الأطباء الألمان إلى ترك عياداتهم فترة من الوقت والتجول في بلدان عربية خليجية لإجراء فحوص وعمليات والحصول على أموال طائلة لا تخضع لقانون الضريبة في ألمانيا. ويتذرع هؤلاء الأطباء في العادة بأنهم يقضون إجازة في الخارج، فيما يعملون فترة تزيد عن خمسة عشر ساعة يوميا. ويجري الإعلان في صحف عربية محلية عن وصول هؤلاء الأطباء.

هدايا و«مچبوس»!

ويشد اهتمام المرضى العرب على الأكثر الحصول على كلية جديدة أو كبد جديد. ويلاحظ شتيفان كونراد المختص في زراعة الأعضاء بإحدى مستشفيات مدينة هامبورغ كيف يتنافس أقارب المريض وخصوصا أولاده على التبرع بكلية لوالدهم أو والدتهم ما يعتبر فخرا كبيرا عندهم. وتبلغ كلفة زراعة الكلية 125 ألف يورو، فيما تكلف زراعة الكبد 220 ألف يورو. وهذه المبالغ أقل مما كانت تطالب به مستشفيات أميركية. لكن السؤال إلى متى تبقى ألمانيا محطة للمرضى العرب؟ ففي منتصف السبعينات وحتى نهاية الثمانينات كانت لندن محطة رئيسية للمرضى العرب، ثم الولايات المتحدة.. وحاليا ألمانيا التي وضعت في مستشفياتها صحون استقبال برامج التلفزة العربية عبر الأقمار الاصطناعية للترفيه عن المرضى، وأصبح الطباخون في المستشفيات والمصحات يعدون أكلات عربية، ويضع كبار الأطباء أيديهم على قلوبهم عند دخول غرف مرضاهم العرب ويتلقون الهدايا وعبارات المديح، وهذا لم يعتده الأطباء الألمان من المرضى المحليين.

لكن على رغم عبارات المديح والجهود التي يقوم بها الأطباء والممرضون الألمان فإن هذا لا يمنع ظهور سوء فهم. وعلى رغم وجود ملاحظات تنبيه من التدخين في غرف المستشفيات فإن كثيرين لا يمتثلون لها. حتى شركات خدمة المرضى تشعر بالتعب في حال قيامها بالإشراف على علاج خمسة مرضى، وكل واحد يمكن أن يتصل في أية ساعة طلبا لتحقيق رغبة ما. وعلى الدوام يطلب تحقيق رغبته على وجه السرعة ثم يعيد الاتصال بعد دقائق ليكرر طلبه.

لكن القوانين الصارمة والمزاج الألماني الصعب والنظرات المحرجة التي تواجه الزوار العرب حين يغادرون المستشفيات والمصحات تضيق الخناق عليهم. وهم يتحدثون منذ الآن عن الحياة السهلة والبرامج السياحية الجذابة على الساحل الشرقي من الولايات المتحدة والخدمات الممتازة التي كانت الفنادق الأميركية توفرها لهم. ويقول المراقبون ان قطاع خدمات الصحة في ألمانيا لا يملك فرصة في التعويض عن الخدمات التي كان الأميركيون يوفرونها للمرضى العرب. ويقول أحد موظفي شركة لخدمة المرضى العرب: «إذا لم يحدث شيء خلال العامين المقبلين ستخسر ألمانيا هؤلاء المرضى»

العدد 413 - الخميس 23 أكتوبر 2003م الموافق 26 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً