مع بداية شهر ذي الحجة تنشط في المغرب وعلى غرار الكثير من البلدان العربية والإسلامية تجارة بيع المواشي وخصوصا الأكباش والخرفان، استعدادا لعيد الأضحى الذي يطلق عليه المغاربة اسم «العيد الكبير» باعتبار أن العيد الصغير هو عيد الفطر، واستعدادا لعودة حجاج بيت الله. ولارتفاع الطلب فإن المضاربين في أسواق المواشي المسماة بـ «رحبة الغنم» يلجأون إلى الرفع من ثمنها الذي يصل في بعض الأحيان إلى 400 دولار، وهو ما يؤثر سلبا على موازنة الكثير من الأسر المغربية وخصوصا المنتمية للأوساط الشعبية.
ولتجاوز هذا المعطى لجأت الجهات الحكومية في المغرب إلى ضخ الآلاف من رؤوس الأغنام في الأسواق المتخصصة، وجعلت من ثمن الكبش لا يتجاوز 4 دولارات للكيلوغرام الواحد. وبحسب وزارة الفلاحة المغربية فإن عرض هذه السنة يبلغ 5,64 ملايين رأس وهو حجم كاف لتلبية طلبات السوق. ولتلمس ما تحبل به الأسواق المغربية هذا العام قامت «الوسط» بزيارة أحدها والموجود بمدينة الدار البيضاء ورجعت بهذا التحقيق.
الأغنام... عرض وطلب ولصوصية
كانت عقارب الساعة تشير إلى الساعة الرابعة والنصف مساء حينما توجهنا إلى «سوق إفريقيا» وخلال تجولنا بين الباعة والمشترين وحتى السماسرة الذين يطلق عليهم المغاربة مصطلح «الشناقة» الذي يظهرون في هذا الوقت من كل سنة، قمنا برصد مجموعة من الآراء.
عند بوابة السوق ترى المتسوقين يأتون من كل فج عميق، فرادى وجماعات رجالا ونساء، أطفالا وشيوخا، وكأنهم ضربوا موعدا مسبقا للقاء هنا، غايتهم في ذلك إما الرغبة في شراء الأضحية، أو تفقد السوق أو بالأحرى الأثمان هل هي مرتفعة أم منخفضة.
كان الحاج إبراهيم ولد البخاري من بادية محافظة سطات المجاورة لمدينة الدار البيضاء، وهو فلاح و«كساب» يمتهن مهنة تربية وتسمين المواشي والمتاجرة فيها، أتى كعادته كل عام وبرفقته هذه المرة 30 رأسا من الغنم، وقال: «نأتي كالعادة إلى هنا، لنبيع أغنامنا بهذه المناسبة التي ننتظرها طوال أشهر العام، فعلى رغم أن المصروفات كثيرة فإننا تعودنا على هذا الأمر الذي قد يعيننا على كلفة الحياة، بالنظر إلى صعوبة الحياة في الريف باعتبار أن تربية الماشية باتت كالقمار، فهي مرتبطة بالأحوال المناخية، هل السنة ماطرة أم عكس ذلك». أما عن طريقة تربية هذه الأغنام فيقول « قبل ثمانية أشهر من العيد الكبير (الأضحى) نبدأ في شراء الخرفان الصغيرة، لنعكف بعد ذلك على تربيتها وتسمينها حتى يحين موعد عيد الأضحى، لنجلبها إلى الأسواق المخصصة لذلك».
وعن الصعوبات التي يواجهها خلال فترة البيع قال ولد البخاري «أكثر شيء نعاني منه هو تربص اللصوص الذين تنشط حركتهم أيضا في مثل هذه المناسبة، ما يدفعنا إلى المبيت وسط القطيع». وفيما يخص المتغيرات التي عرفها مجال بيع المواشي هذه السنة، وخصوصا تلك المرتبطة بالأضحية قال ولد البخاري «المشترون هذه السنة وعلى رغم أن يوم العيد بات على الأبواب، فإنهم مازالوا مترددين، على عكس السنة الماضية إذ تمكنا خلالها من بيع جميع الأغنام التي أتينا بها للسوق».
بائع آخر ما إن علم بصفتنا المهنية حتى باشرنا بالقول ومن دون أي سؤال «الأغنام موجودة بكثرة، والحمد لله العام فلاحيا كان جيدا والتساقطات المطرية كانت مهمة، لذلك الرزق موجود، ونأمل أن تستمر السوق هكذا حتى ليلة العيد» الذي يوافق يوم الأحد المقبل في المغرب.
لكن ما رد الفئة الأخرى المتمثلة في المشترين الذين يعاني الغالبية منهم من أجل توفير الأضحية لعوائلهم، وخصوصا فلذات أكبادهم.
يقول إبراهيم الذي يبدو أن عمره جاوز العقد الخامس «هؤلاء الباعة لا يحمدون الله، ولا يعترفون بأنهم يربحون. فمثلا السنة الماضية، باعوا كل الأغنام حتى أنه عشية يوم العيد لم يجد الكثير من الناس ما يشترونه من أضاحي». وعن رأيه في ثمن الأضحية لهذه السنة رد بالقول «في رأيي أن الأثمان ربما ستعرف انخفاضا ملحوظا خلال الأيام المقبلة نظرا إلى كثرة الأغنام المتوافرة، لأن من مصلحة الفلاح بيع كل ما لديه وإلا عرض نفسه للخسارة».
حتى المرائيب...
خلال السنوات الأخيرة لم تعد الأسواق لوحدها المكان المخصص لبيع الأضاحي، بل انضافت إليها ظاهرة جديدة تجسدت في تخصيص الكثير من التجار مرائيب بيوتهم للانتفاع بها وتخصيصها خلال هذا الوقت من السنة لهذا النوع من التجارة.
عبدالمجيد موظف في الأربعين من عمره التقيناه هناك في أحد مرائيب كان حائرا في اختيار الخروف الذي يناسبه، إذ أخبرنا «أنه لحد الآن الأثمان جد مناسبة، كما أنه من المتوقع أن تنخفض الأثمان أكثر من هذا وذلك بسبب كثرة الأغنام وتوافرها» وأضاف: «لا أستطيع أن أدفع أكثر من ألفي درهم (220 دولارا)، كما أنني أكره أن يحتال عليّ أحد الباعة لذلك أتريث كثيرا وأسأل وأجوب جميع الأسواق حتى أجد ما أريده».
خلال وجودنا بالمحل بدا لنا أن البائع إلى حد ما لا يشبه الباعة الآخرين وخصوصا فيما يخص مظهره، لنسأله عن سبب امتهانه هذا النوع من التجارة، إذ رد علينا بالقول «ربما ستستغرب جوابي، ولكن أود أن أخبرك أني شاب حاصل على شهادة الإجازة في الرياضيات، جربت جميع الطرق لحصولي على وظيفة ما لأضمن بها قوت يومي، وأعزز بها مكانتي في المجتمع، لكن من دون جدوى، انتظرت وانتظرت إلى أن قررت في الأخير أن آتي لمدينة الدار البيضاء واعمل بائعا متجولا للفواكه. وبين مطاردات السلطات ومضايقات اللصوص، تعودت على طريقة عيشي واستسلمت لواقعي، لألجأ بعد ذلك وبعد تحصيل مبلغ لا بأس به لشراء بعض الأغنام وأعمل على تدجينها في منزل العائلة الكائن بأحد دواوير منطقة دكالة الفلاحية، وعندما يحين عيد الأضحى أجلبها إلى هنا لأبيعها، والحمد لله على أي حال».
مهن موسمية في الأضحى
مع اقتراب موعد «العيد الكبير» يعرف المغرب كباقي البلدان العربية والاسلامية استعدادات كبيرة وشاملة ليس فقط في أسواق الأغنام التي يكثر فيها الرواج، بل أيضا في أسواق الخضراوات والتوابل والمكسرات والأواني ومستلزمات الذبح والشواء.
المتاجر الممتازة والعملاقة هي الأخرى وبهذه المناسبة تعرف الكثير من التحولات المتمثلة بالأساس في تخفيضات مهمة وخصوصا أسعار الأفران والثلاجات. هذه الأخيرة اختار بعض منتجيها صورا إعلانية مثيرة كان أغربها وأشدها إثارة صورة كبش يهم بذبح مشتريه إن لم يشتروا له ثلاجة تناسبه.
ومن بين المظاهر التي باتت تميز الأحياء المغربية في مثل هذا الوقت من السنة، ظهور خيام مخصصة لبيع «التبن وكلأ المواشي»، فما إن يشرف شهر ذي القعدة على الانتهاء حتى يبادر بعض الشباب المغربي إلى نصب خيام أو أشباه خيام مملوءة عن آخرها بـالكلأ والفحم اللذين يكثر عليهما الطلب بمناسبة عيد الأضحى المبارك.
التقينا أحد هؤلاء ويسمى «الجيلالي» لا يتجاوز عمره العقد الثاني، والذي قال لنا «نفرح كثيرا لهذه المناسبة، وما إن يبقى أسبوع على عيد الأضحى، حتى انصب خيمتي هنا، وأبدأ في بيع الفحم والكلأ لزبائني الذين هم أصلا يعرفوني لأني من أبناء هذا الحي»، أما عن الأوراق القانونية التي يحتاجها مزاولو هذه المهنة، فقد أخبرنا بأن «السلطات الوصية تعرف أن هذه المهنة موسمية ولا تستمر لأكثر من أسبوع واحد، لذلك هم يتساهلون معنا ولا يطالبوننا إلا بنسخة من هوية التعريف توضع لدى السلطات خوفا من وقوع أشياء لا تحمد عقباها».
سيدة التقيناها خلال وجودها بخيمة «الجيلالي» التي أثثتها بجهاز تلفزيون قصد متابعة كأس الأمم الإفريقية التي يشارك فيها «أسود الأطلس» قالت لنا بالمناسبة، «العيد الكبير هو عيد للشخص الكبير وحتى الصغير، والفرحة تعمنا جميعا»، لتبدأ بعدها في ترديد مجموعة من الأدعية الموجهة لأمتنا الإسلامية، قبل أن تقول «أشعر بفرحة غامرة حين أرى مثل هذه الخيام التي تملأ بالتبن والفحم، لان ذلك يجعلني أحس بأن العيد الكبير قد اقترب أو حان، فعلى رغم انه مكلف إذ لا يجد البعض منا ما يشتري به أضحية يفرح بها أولاده وخصوصا الصغار منهم، ما يضطر معه الكثيرين إلى بيع بعض المستلزمات الخاصة حتى يتسنى لهم شراء أضحية... وعلى رغم ذلك يظل العيد عزيزا على قلوب المغاربة».
هكذا تكون الأيام التي تسبق عيد الأضحى وهكذا تكون الأجواء في الأحياء والمدن المغربية استعدادا لهاته المناسبة، التي أهم ما يميزها هرولة الصغار خلف سيارات «البيك اب» والعربات المجرورة وصيحاتهم تتعالى «الحاولي الكبش باللهجة المغربية... ماع... ماع»، وبين هذا الصياح وتكلف الوالدين في شراء الأضحية مهما كان الثمن، تختلف معاني وتصورات كل واحد منهم لمناسبة إحياء ذكرى سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام
العدد 514 - الأحد 01 فبراير 2004م الموافق 09 ذي الحجة 1424هـ