العدد 2345 - الخميس 05 فبراير 2009م الموافق 09 صفر 1430هـ

تساؤلات في معنى الانتصار

كل هذا الدمار الذي أصاب غزة، الإبادة الجماعية، الجحيم، تهديم البيوت على رؤوس ساكنيها، تقطيع الأطفال إلى أشلاء، كل هذا لا يعني لأصحاب الثورية والإيديولوجية شيئا طالما القيادة والسلطة الحاكمة بخير. فمعيار النصر والهزيمة عندهم يختلف حتى لو أبيد جميع أطفال غزة والمقاومة باقية فهذا يعني انتصار. الحياة عندهم لا قيمة لها، والمقاومة التي وجدت من أجل حماية هذا الإنسان وهذه الأرض لا يعنيها هذه الإبادة وبالتالي لا تعني لهم هزيمة. الهزيمة فقط تعني لهم عندما تقتل القيادة وتنتهي المقاومة. هذه نظرة غريبة وعجيبة ومأساوية في آن واحد. ألا يعد قرار حماس إنهاء التهدئة والدخول في مواجهة غير متكافئة مع العدو مغامرة وانتحار واستخفاف بدماء الشعب الفلسطيني؟ كيف تدخل حماس حربا معروفة نتائجها سلفا؟ متى نحس بقيمة الحياة؟ متى نرتقي إلى مستوى المسئولية في الحفاظ على سلامة هذا الإنسان بعيدا عن أحلامنا وتطلعاتنا الإيديولوجية والسياسية؟ متى نعي ضرورة الوحدة الوطنية لتحقيق أهدافنا المشتركة؟ متى نخلع نضارتنا السوداء عن عيوننا ونبعد الغمامة التي تحول بيننا وبين القراءة الموضوعية للواقع بعيدا عن الثورية النصوص الجاهزة المكتوبة سلفا؟ متى ندرك أن الواقع هو الذي يحدد النصر لا النصر الذي يحدد الواقع وأن أوروبا أقامت حضارتها على أساس قراءتها الموضوعية للواقع لا الاعتماد على النصر. لماذا لا نحاول الاستفادة من تجارب الشعوب في صراعها من أجل الحرية والكرامة؟ لماذا لا نقرأ تجربة شعب جنوب إفريقيا في مقاومته لسياسة الفصل العنصري؟ فعلى رغم الخلافات بين الفصائل المناضلة وتباين رؤيتها الإيديولوجية فإنهم استطاعوا التغلب على كل خلافاتهم والسير قدما نحو الأمام من أجل الهدف المنشود. كيف نرتقي بوعي شعوبنا العربية من النظرة السطحية للأمور والتبعية العمياء للقيادة الثورية إلى الاعتماد على نفسها في الرؤية العلمية المستقلة للواقع. كيف نرتقي بشعوبنا في التخلص من العاطفة الموسومة بها ونجعلها تتخذ العقل سبيلا في تعاملها مع قضاياها. كم من الوقت نحتاج لنعرف أن تغيير واقعنا هو الأساس في تحقيق أحلام شعوبنا وتطلعاتها لا التمسك بما أنتجه وعي أسلافنا بناء على واقعهم المعاش وبذلك نحدو حدو الشعوب التي سبقتنا في هذا المضمار بعد ما كنا نحن السباقون. أين نحن من عصر معاوية بن أبي سفيان وعبدالملك بن أبي مروان والمأمون وهارون الرشيد مما أضافوه من تغيير خالقين واقعا جديدا ونهضة يعتز بها كل من ينتمي لهذه الأمة. لا شيء في العالم العربي يبعث على التفاؤل ومواطن الإحباط كثيرة ومتعددة وعلى جميع المستويات الثقافية والاجتماعية والسياسية وهي ترجع جميعها لعنصر واحد هو العنصر الثقافي وعموده الفقري القراءة بالمستوى الثقافي متدني عند أمة إقرأ لأنها لا تقرأ وإن قرأت قراءة بالأذنين في أحسن الأحوال، قراءة مبتورة، قراءة أحادية الجانب، تقتصر على لون واحد ووجهة نظر واحدة. إن المرء يصاب بالألم والمرارة عندما يقرأ تقارير اليونسكو عن قراءة في الوطن العربي حيث تشير التقارير إلى أن المواطن العربي يقرأ 6 دقائق في السنة بينما العدو الأسرائيلي 7 كتب في السنة، أنظروا ماذا لدينا وماذا لديهم. المشكلة الكبرى في عالمنا العربي هي أمية أصحاب الشهادات الجامعية قبل العوام فهم يطلقون القراءة والكتاب في الوقت نفسه لتخريجهم وحصولهم على الشهادة الجامعية وتكتشف أنهم لا يعرفون حتى تاريخهم بمجرد الحديث معهم وعلى سبيل المثال لا الحصر لا يعرفون أيهما قبل الحروب الصليبية من فتح إسبانيا إذا صح التعبير. في نهاية الستينيات من القرن العشرين قال زعيم إسرائيلي في إحدى الاجتماعات مع لفيف من أنصاره: مادام العرب لا يقرأون من خطر حقيقي يهدد دولة (إسرائيل). وأضاف آخر وإذا قرأ العرب لا يفهمون، وإذا فهموا لا يفعلون، وعليه فسنبقى نحن المسيطرون المهيمنون في المنطقة على رغم قلة عددنا. عودة أخرى مع تقرير اليونسكو إذ يذكر التقرير ان ما يطبع سنويا من كتب في اسبانيا يوازي ما طبعه العرب مند عهد عهد المأمون إلى عام 2008، والنتيجة ذاتها تتجلى في استطلاعات مستويات الجامعات في العالم حيث مكان الجامعات العربية محفوظ في ذيل القائمة الطويلة. وثمة مقارنة محبطة تبين أن عدد الاختراعات الإسرائيلية سنويا تزيد عن ما يتم اختراعه في جميع الدول العربية. كيف نحلم بالانتصار على العدو وعنصر وأداة الانتصار غائبة عنا؟ كيف ندعي التحضر ودلالة الحضارة وعلامة التحضر يملكها العدو من دوننا؟ متى يأتي اليوم الذي يصبح فيه قول الشاعر حقيقة: إذا بلغ الفطام لنا رضيعٌ تخر له الجبابرُ ساجدينا. ومتى ينتفي قول الشاعر: يا أمة ضحكت من جهلها الأمم.

السيد أحمد إبراهيم فاخر الوداعي

العدد 2345 - الخميس 05 فبراير 2009م الموافق 09 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً