العدد 488 - الثلثاء 06 يناير 2004م الموافق 13 ذي القعدة 1424هـ

إدارة بوش وجنون الارتياب

جاء إلغاء رحلة الخطوط الجوية البريطانية إلى واشنطن يوم العطلة المزدحم وسط مفاجآت أخرى بإلغاء ثلاث رحلات للخطوط الفرنسية عشية عيد الميلاد، بسبب خطأ مكتب التحقيقات الفيدرالي بشأن سيدة صينية مسنة وطفل ويلزي لا يتجاوز العاشرة، إذ شخَّصهما بأنهما من أعضاء تنظيم القاعدة. وفي الوقت ذاته أعلن مكتب الرئيس المكسيكي ان الاستخبارات الاميركية التي ألغت رحلتين لم تكن «مقنعة». وهو ما قاد إلى اتهامات متوقعة من جانب إدارة بوش لردود الفعل العنيفة. فبعد عامين وحربين منذ الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، استمر الاميركيون في القفز على الظلال وهم يتوهمون وجود الارهابيين في كل مكان! وهكذا أعرب البريطانيون الذين اعتادوا الانبطاح دائما، عن استعدادهم للاستسلام لجنون الشك الأميركي، ورضخوا بسهولة للمطالب المتمثلة في تعيين مرافقين مسلحين في الرحلات، فيما ترك الخيار للدنماركيين والسويديين الشجعان لمقاومة المطالب الاميركية بالأسلحة على متن الطائرات.

عموما وجهة النظر هذه بسيطة للغاية، ففي المناخ الامني الحالي يتم تفضيل رد الفعل الأمني العنيف على رد الفعل الأقل عنفا، إذ تعتبر المخاطرة عالية جدا. ولم تكن الرسالة التي وجهها الجيش الجمهوري الايرلندي إلى مارجريت ثاتشر بعد تفجير برايتون ذات علاقة حين قالت: «لقد كنت محظوظة في كل الأوقات، ولكننا كنا محظوظين مرة واحدة» حتى وإن جاء التهديد من جهة أخرى.

وكما يظهر تحقيق هاتن، ان هناك خلافات داخل الاستخبارات عن كيفية تفسير معلومات التجسس. ولكن التهديد الحالي لم يكن في الحسبان، فخلال الشهر الماضي التقطت الاستخبارات الموجودة في الغرب وآسيا والعالم العربي مكالمة عن حدوث هجوم. وجاءت القصاصات الاخرى من عمليات اعتراض المكالمات على يد مقر الاتصالات الحكومي في بريطانيا ووكالة الأمن القومي في الولايات المتحدة، إضافة إلى مواقع تنصت أخرى ومصادر بشرية. ومثل هذه «الثرثرة» سبقت وقوع التفجيرات في تركيا والرياض وتونس وبالي، بل والحادي عشر من سبتمبر أيضا. وعلى رغم ان الجماعات أصبحت أكثر مهارة في التقنية المضادة للمراقبة، فإن العملية تتطلب مقدارا معينا من التسريب. ومن خلال تجميعها من دول عدة أمكن الحصول على إشارة على وجود نية في الهجوم باستخدام الطائرات، وبحسب قول الأميركيين ان الرحلات إلى واشنطن ولوس أنجليس ولندن كانت مستهدفة بالذات. كما جاء إغلاق السفارة البريطانية في ليما وتوجيه المواطنين لعدم السفر إلى السعودية عقب معلومات عن وجود مخاطر محتملة. إذ ساد اعتقاد بأن المجموعة التي فجرت مرتين مجمعات سكنية في الرياض العام الماضي مستعدة لتفجير آخر.

واعلن وزير الامن الداخلي الأميركي توم ريدج ان القاعدة تنوي شن هجوم مماثل أو يفوق هجمات سبتمبر، محاولة لتبرير الاجراءات التي تزعج الجمهور في حياته اليومية. ولكن المشكلة الآن هي انه عقب حرب افغانستان أصبح النمط السائد للعمليات في أوقات ومناطق معينة، وتترك تفاصيل التنفيذ إلى الجماعات المحلية.

والمشكلة الاخرى التي يواجهها الأميركان هي عدم وجود قائمة حديثة بأسماء الارهابيين، ما يضطرهم للاعتماد على 12 قاعدة معلومات مختلفة، بعضها غير صالح تاريخيا، وغير متوافق مع بعضها تقنيا. وعلى رغم قيامهم بتأسيس مركز للتدقيق على الارهاب لدمج القوائم، فإن العملية ستأخذ وقتا قد يستغرق سنوات. لكن مهما كانت عيوب النظام الحالي، فليس هناك بديل عملي افضل منه. ووقوف بلير إلى جانب الاميركيين يعني ان البريطاني سيصبح هدفا ارهابيا ممتازا. في الوقت الذي جعل معارضة فرنسا للحرب في منأى عن خط النار

العدد 488 - الثلثاء 06 يناير 2004م الموافق 13 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً