العدد 490 - الخميس 08 يناير 2004م الموافق 15 ذي القعدة 1424هـ

«الولاء الإسلامية» تكسر الجمود وتقتحم الممنوع

على كرسي بسيط بين كتل بشرية تنوعت مشاربهم وتوجهاتهم، وحتى اهتماماتهم، كنت قاعدا في الصف الثالث - وليتني كنت في المقعد الأمامي المواجه للمنصة - كنت جالسا وجواري والد إحدى الزهرات الصغيرات المشاركات: «الآن تظهر ابنتي على خشبة المسرح... ها هي البنت التي تقف في الصف الثاني ابنتي ذات الشعر الأسود المنثور» نعم ها هي تلوح بيديها... نسيت دورها واستجابت لعاطفتها أخذت تلوح بكلتا يديها ببراءة الأطفال.

كنت هناك مجردا من الاعتبارات الإدارية، وكنت مشاركا بصفتي فردا من أفراد الجمهور، أتذوق وأستمتع، أقيم لنفسي لا لأعطي حكما...

هذه الكتل البشرية تجتمع كأسرة واحدة، تحت سقف واحد، اختلفت دوافعهم - وإن كان السواد الأعظم جاء ليشاهد فنانه الصغير على خشبة المسرح يعرب عن وجوده، وكيانه ليقول قولته الأولى في عالم الإبداع...

على خشبة نادي طيران الخليج، وتحت عيون زمرة من العلماء الأفذاذ والمثقفين والمتابعين، وقف أطفال من مجموعة من رياض الأطفال يقدمون (أوبريتات) إنشادية استعراضية، وكأنهم نحل تتمثل قول النحلة الولائية التي طرقت مسمعي أكثر من مرة: «يا نحل هيا نطير نتنقل بين الأزهار». شرعت تتنقل بين أزهار العطاء والإبداع...

وراء كل ذلك تقف فرقة الولاء الإسلامية تحمل هذا الهم، تقدم خطابا مغايرا، وباستراتيجية مغايرة لما هو مألوف وقار...

تقدم فنا، أدبا، جديدا يقتحم الساحة في نسخته الثانية، ولكن هذه المرة أبطاله الحقيقيون أطفال الرياض، البراءة التي تتمثل بسجيتها وصفائها، واتقادها...

نعم إنهم يقدمون فنا ينتهك القواعد الضمنية لما قر وثبت في عالم الفن الإنشادي المحلي، وهل الإبداع يولد إلا من رحم القواعد الضمنية عند انتهاكها؟ كما يقول يوري لتمان: «كثير من القواعد تظل ضمنية إلى أن تنتهك».

سيرسخ يوما ما فن يسمى «الأوبريت الإسلامي» له أصوله، وقواعده، وأعرافه، وتقاليده الفنية، وسيكون على النقاد أن يؤسسوا لذلك وفق نماذج الإبداع المتقنة؛ ليرسخ الفن الجديد حتى يجيء من ينتهك ما يقر بعد ذلك ويرسخ، وهكذا تسير عجلة الإبداع قوانينينها تكمن في إبداعاتها النموذجية...

تمنيت أن يكون قارئي سعد معي بلحظات إبداع الطفولة التي كان فيها أطفالنا يشعرون بعالم من الحفاوة، تحسدهم عليه فراشات الجنان وهم يحلقون، والأيدي ما تفتأ تصفق وتصفق، والأعناق ممتدة، نحو خشبة المسرح، والعيون لا تتحول عن هؤلاء الممثلين الصغار ترسل إعجابها، بفرحة وتفاعل، وربما تسيل دمعات اختلطت فيها مشاعر متنوعة بين الفرحة والإعجاب، وربما التأثر والبكاء.

أجساد صغيرة، وأعمال عظيمة، يوما ما ستغدو قامات بارزة في هذا الفن إن نحن احتضناها، بأفق إسلامي منفتح.

كان لابد من أن نتجاوز بعض ما رسخناه في أذهان العامة (مجالس لهو - كلام بلا هدف) لنؤسس لخطاب إسلامي يرتدي حلة عصرية في أطر شرعية، ربما تصور البعض أنه انفلات، وتمهيد لأمر أعظم، أعتقد أنه لابد لنا من أن نفتح أعيننا لما يدور في أفق الفن والثقافة، وإن نحن سلكنا دروب الانزواء سنفاجأ يوما - رضينا أم أبينا - أن أبناءنا وبناتنا يدوسون قيمهم، لتتلقفهم أوساط لا يعلم مكنونها إلا الله، فلابد مما ليس منه بد وإلا وقع ما لا يحمد عقباه.

وما قامت به فرقة الولاء الإسلامية - وتقوم به منذ تأسيسها - هو التأسيس لعطاء مغاير وخطاب مختلف، ولكأني أبصرها تحمل الراية في عالم يعج بالمتغيرات ثابتة الخطى، لا تأبه بالمعوقات.

ولكم كنت سعيدا حينما شاهدت تلك الأنامل الصغيرة تقبض بنواصي الإبداع هازئة بكل عين تستخف بالطفولة، نعم شاهدتهم وفي أعينهم أمل أجيال سرقوا السعادة، ومنعوا من التعبير، شاهدتهم فاختلجت نفسي بأنفسهم، وبراءتي ببراءتهم، تمنيت أني طفل صغير فوق خشبة المسرح أحمل رشاشا أو وردة أو غصن زيتون...

تمنيت أنكم بجواري تشاهدون ما أشاهد وتترنمون بترانيم الصغار البريئة.

أملي أن يرسخ فن الأوبريت الإسلامي بخطابه المميز، وتقاليده الفنية التي ترسخ الأصالة، وتستجيب للعصرنة والإبداع.

علي فرحان

العدد 490 - الخميس 08 يناير 2004م الموافق 15 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً