العدد 497 - الخميس 15 يناير 2004م الموافق 22 ذي القعدة 1424هـ

أفغانستان: الحرب المنسية تعود إلى الأضواء

حاول مالانج ظفرخان الهروب من نقطة تفتيش الشرطة في كابول، فقاد شاحنته الصغيرة مباشرة باتجاه فوهات بنادق الجنود البريطانيين. وكان الجنود بانتظار الرجل الذي أرسل لتفجير اللويا جيرغا، الجمعية الوطنية التي تبدأ جلستها في ذلك اليوم.

وفي الأيام القليلة التالية قتل الأميركيون 15 طفلا في غارتين اثناء محاولتهم تصفية أحد أمراء الحرب والتخلص من مخزون الأسلحة. وأرسلوا نحو 2000 جندي إلى سفوح الجبال في أكبر عملية برية على الاطلاق ضد حركة طالبان وتنظيم القاعدة.

مثل هذه الحوادث تعطي لمحة للنزاع المستمر في افغانستان، فهي حرب استنزاف تجري خلف الكواليس بينما يركز الإعلام العالمي بشدة على العراق.

وطبعا، كانت الحرب الافغانية هي الفصل الأول من حرب جورج بوش على الارهاب التي انطلقت بعد 11 سبتمبر. وبعد حملة عسكرية سريعة وخالية نسبيا من الخسائر بالنسبة للجيش الاميركي، أعلنت واشنطن النصر وانتقلت إلى الاستعدادات للاطاحة بصدام حسين. وبينما عمّت الفوضى العراق في أعقاب إعلان انتهاء العمليات الرئيسية، استؤنف النزاع مرة أخرى في افغانستان. وبلغت الفاتورة العسكرية لوزارة الدفاع الاميركية حتى الآن 50 مليار دولار تقريبا.

وهناك نقاط شبه أخرى، إذ بدأت الهجمات في افغانستان تحاكي تلك التي تقع في العراق: عمليات تفجير انتحارية، لم تكن طريقة افغانية تقليدية، وأنواع ممتشابهة من المتفجرات تستخدم عبر أجهزة التحكم عن بعد، وهجمات صاروخية واستهداف منظمات الاغاثة والأمم المتحدة.

وكما اطلق العراقيون صاروخا على فندق الرشيد في عندما كان نائب وزير الدفاع الأميركي بول فولفيتز مقيما فيه، كذلك اطلق الافغان صواريخ على السفارة الاميركية في كابول اثناء زيارة ولفويز، ودونالد رامسفيلد.

أحد أهم التطورات المقلقة كان القتل المنظم لعمال الاغاثة الذين بلغ عددهم الآن 15 عاملا. قائد القوات البريطانية في افغانستان، العقيد مايك جريفيش قال لي: «ليس هناك شك بأن هناك الآن مؤشرات على انتقال المنهج من العراق. فبعض العمليات التي رأيناها في العراق، بدأنا نشاهدها هنا».

بعد 18 شهرا من سقوط الطالبان، نهض حلفاؤهم وتنظيم القاعدة بينما تتراجع قوات حكومة كابول إلى الاحراش الواسعة جنوب وشرق البلاد.

واعترف نائب حاكم زابول ان غالبية محافظته الأن في ايدي طالبان، وقال مسئولون إن الوضع هو نفسه في اوروزجان المجاورة، بينما نصف المناطق تقريبا في إقليم قندهار خرجت عن سيطرة الحكومة. ويمكنك مشاهدة الاعلام الخضراء والسوداء ترفرف مؤذنة بانبعاث الحركة في بلدة لسبين بولداك في الشرق، إذ نشأت حركة طالبان.

وأصبحت القوات الاميركية في افغانستان وقوات الأمن الدولية متعددة الجنسيات (ايساف)، أكثر عرضة للنيران في الشهور الأخيرة. وقتل في العام 2003 ما لا يققل عن 25 جنديا اميركيا وآخرين من الايساف، بينما جرح 28 آخرون. وبلغ عدد الافغان القتلى سواء من التحالف أو المعارضة، «آلافا كثيرة» وفقا للجيش الاميركي. وذكر عن مقتل أكثر من 400 مقاتل طالباني في سبتمبر/ ايلول وحده.

وبقيت الشخصيتان اللتان تم دمغهما كنماذج للشر، اسامة بن لادن والملا محمد عمر طليقين: الأول يعتقد انه موجود في الاقليم الغربي النائي لباكستان، اما الثاني فموجود في افغانستان. وقد أصدر نداء قبل شهرين لانتفاضة شعبية ضد القوات المحتلة.

وهناك الان العدو الثالث للرئيس قرضاي وحلفائه: قلب الدين حكمتيار، الذي رعته المخابرات الباكستانية، كزعيم للمجاهدين ضد الروس، وكانت الاستخبارات المركزية الاميركية تفضله في الماضي عند تقديم المساعدات. وهو الآن لاعب نشط بشكل متزايد في التحالف المناهض للغربيين.

ولقد اعتقل مالانج ظفر خان، وهو رئيس عملياته ومتهم بتنظيم تفجير حافلة ملغومة منتصف العام الماضي ادى إلى مقتل أربعة جنود ألمان. وهو ثامن عضو في تنظيم حكمتيار يعتقل منذ سبتمبر/ أيلول.

ووفقا لمصادر استخبارات عسكرية، تنسق طالبان والقاعدة وحكمتيار فيما بينها الهجمات، وهناك أدلة متزايدة أن مقاتلين اجانب - خصوصاَ عرب من شمال إفريقيا، وشيشان وباكستانيون - يشاركون فيها. وبدأت المدارس الدينية في غرب باكستان، التي كانت منذ فترة طويلة مصدر المجندين في طالبان والقاعدة، بتخريج طلاب من افغانستان مرة أخرى.

واعترف المقاتلون الاسلاميون الأسرى انه لم يكن هناك نقص في الأسلحة والمعدات لديهم عبر الحدود. ويأتي تمويل التسلح من تدفق أموال المساعدة، بالاضافة إلى تمويل من الشرق الأوسط.

لكن ليست الصورة كئيبة بكاملها. اذ تبدو حكومة كابول تحرز تقدما في نزع سلاح جنرالات الحرب في التحالف الذين تورطوا في قتال طائفي. فقد سبق أن وافق الجنرال عبد الرشيد دستم - أقوى أمراء الحرب - مبدئيا على تسليم أسلحة حركته للقوات البريطانية والبعثة الدبلوماسية البريطانية في مزار الشريف في الشمال.

وارسلت 12 بعثة مماثلة - فرق اعادة البناء الاقليمية - إلى جنرالات حرب آخرين. وبعد ضغط دولي ومحلي وافقت الادارة الاميركية على تقديم أموال اضافية للمساعدة.

ومع ذلك، مازالت حكومة قرضاي تواجه أزمة نقدية حادة. ففي الصيف الماضي، نشر مجلس العلاقات الخارجية الاميركي تقريرا مفصلا عن افغانستان بعنوان «هل فقدنا السلام؟» وكان الاستنتاج انه ما لم تتخذ خطوات عاجلة وصارمة فإن الاجابة ستكون «نعم»

العدد 497 - الخميس 15 يناير 2004م الموافق 22 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً