العدد 506 - السبت 24 يناير 2004م الموافق 01 ذي الحجة 1424هـ

سجل مفزع لمعاناة النساء تحت نظام صدام

القاضي يحكم بشنق الطفلة الرضيعة أيضا!

كانت وجوه النساء منقبة. غالبيتهن شابات من المسلمين الشيعة العراقيين. وفرض عليهن قدرهن المفزع تسجيل قتلاهن - تعذيبهن القاسي وحالات الإعدام الوحشية المتعمدة - على قائمة الأعمال الوحشية التي سيحاكم صدام حسين بناء عليها - على رغم أن كل حالات الموت تقريبا حدثت عندما كانت الولايات المتحدة تدعم نظام صدام.

ويقوم الآن «مركز توثيق شهيدات الحركة الإسلامية» الذي أسس حديثا، بإعداد سجل شامل لمعاناة النساء. وهو ليس للجبناء الأميركيين. وقد أجبرت الزوجات على مشاهدة أزواجهن يشنقون قبل أن يوضعن على الكرسي الكهربائي، ويحرقن بالمواد الحمضية، ويربطن عاريات إلى مراوح السقف، وتنتهك أعراضهن. وفي كثير من الحالات، كان يجري تسميم النساء أو يستخدمن كحقل تجارب للمواد الكيماوية في مصنع بالقرب من سامراء يعتقد أنه ينتج أسلحة كيماوية.

وتم التعرف على أسمائهن أخيرا، إلى جانب أسماء من قاموا بتعذبيهن وإعدامهن. وافتخر رجل يدعي أبووداد ذات مرة بأنه شنق نحو 70 سجينة في ليلة واحدة في سجن أبوغريب خارج بغداد. وفي كثير من الحالات تعدم النساء دون جريمة سوى كونهن أخوات أو زوجات لرجال مطلوبين. وكثيرات منهن كن ينتمين إلى حزب الدعوة المحظور الذي اعتادت حكومة البعثيين على تعذيب أعضائه وقتلهم. بشكل روتيني.

هنا مدخل نموذجي إلى ذكريات سجينة: «صفحات حمراء من تاريخ منسي» جمع وإعداد علي العراقي في مدينة قم الإيرانية - جاء فيه «سميرة عودة المنصوري (أم إيمان)، تاريخ الميلاد 1951، البصرة، مدرّسة في مدرسة الحارثة المتوسطة... متزوجة من الشهيد عبدالأمير، أحد كوادر الحركة الإسلامية، الجناح العسكري، عضو حزب الدعوة. معذبوها: الرائد مهدي الديلمي الذي يمارس التعذيب وهو سكران، الملازم أول حسين التكريتي المتخصص في كسر أضلع ضحاياه بالوطء عليها... الملازم أول ابراهيم اللامي الذي يضرب الضحايا على أخمص اقدامهم، فقد ضربت أم إيمان... وعلقت من شعرها في مروحة السقف وتعرضت للتعذيب بالكهرباء. وبعد أن قضت شهرين في زنزانات السجن في البصرة دون مجال للفسحة، أوصى الديلمي بإعدامها لحملها أسلحة غير مرخص بها وانتمائها إلى حزب الدعوة».

وفي الواقع ان أم إيمان نقلت إلى قسم الأمن العام في بغداد، إذ خضعت لمزيد من التعذيب لمدة أحد عشر شهرا. ومثلت لاحقا أمام محكمة الأمن العسكري «الثورية» التي حكمت عليها بالموت شنقا. وقضت ستة شهور أخرى في سجن الرشيد غرب بغداد حتى نقلت عشية يوم أحد إلى أبوغريب ليقوم أبووداد بإعدامها.

هناك روايات متكررة عن أطفال ونساء عذبن أمام الأزواج والآباء. في العام 1982، مثلا، أحضر الملازم أول كريم في البصرة زوجة متمرد كما زعم إلى السجن، وجرى تعريتها وتعذيبها أمام زوجها، ومن ثم هدد الزوجان بقتل طفلهما الرضيع. وعندما رفضا التحدث «رمى رجل الأمن الطفل الرضيع بعرض الحائط وقتله».

واعتقلت أحلام العياشي في العام 1982، (عشرون عاما)، لأنها متزوجة بعضو حزب الدعوة البارز، عماد الكيراوي. وعندما رفض اعطاء معلومات للمخابرات، هاجم جلادان محترفان - ذكر اسمهما في التقرير بأنهما فضل حميدي الزرقاني وفيصل الهلالي - أحلام أمام السجين وطفله، وقاما بتعذيبها حتى الموت. ودفنت جثتها في الصحراء خارج البصرة وليس لها قبر معروف. وتم اعدام ثلاثة من إخوة احلام الخمسة إلى جانب أبيها، وقتل أخ لها آخر في الانتفاضة التي أعقبت تحرير الكويت في العام 1991. لكن طفلتها علا، التي شهدت تعذيبها، أخذت إلى إيران إذ تزوجت هناك وهي الآن على وشك دخول الجامعة.


شنق الرضيعة

كثير من القصص مأسوية جدا. على سبيل المثال، وقعت عواطف نور الحمداني (21 عاما) في الفخ بعد أن ذكر زوجها - - تحت ضغط التعذيب القاسي - اسم زوجته وزملاء آخرين كمهربين للأسلحة. وكانت عواطف حبلى، مع ذلك هاجمها رجل يدعى الرائد أمير وأخذ يضربها بكرسي معدني واعتدى عليها جنسيا. وفي محاكمتها، اقترح القاضي مُسلّم الجبوري أن توجد مشنقة صغيرة لطفلتها الرضيعة لأنها رضعت حليب أمها المليء بالحقد.

وأخذت عواطف لتعدم لأول مرة مع زمليتين وأجبرت على مشاهدة شنق حوالي 150 رجلا، عشرة منهم في آن واحد، وبينما أخذوا بعيدا أدركت أن أحدهم هو زوجها.

ثم أعيدت بعد ذلك إلى زنزانتها، وأعدمت أخيرا على كرسي كهربائي. وقتل كثير من النزلاء على الكرسي نفسه في أبوغريب، من ضمنهم امرأتان أخريان هما فضيلة الحداد في العام 1982 ورضا العويناتي في السنة التالية.

وعندما اعتقلت ميسون السعدي كانت طالبة جامعية في الثامنة عشرة من عمرها بسبب عضويتها في منظمة إسلامية محظورة. وأثناء استجوابها، علقت من شعرها وضربت على أخمص قدميها ومن ثم حكم عليها القاضي عوض محمد أمين البندر بالشنق.

وكانت أمنيتها الأخيرة التي منحت لها أن تقول وداعا لخطيبها. ولكن أثناء وداعها للسجناء الآخرين، تحدثت بحديث يدين قيادة النظام العراقي فقرر مدير السجن اعدامها ببطء، لذلك ربطت في الكرسي الكهربائي واستغرق موتها ساعتين.

وتم القبض على سلوى البحراني، أم الصبي الصغير، أثناء توزيعها أسلحة على مقاتلين إسلاميين في العام 1980. ذكر أنها سممت باللبن أثناء استجوابها من قبل فهد الدانوك المتخصص في السموم التي ربما استخدمت لاحقا ضد القوات الإيرانية. واستخدم مئات المقاتلين «المجاهدين» في حزب الدعوة، وفقا للتقرير، كفئران تجارب للمواد الكيماوية السامة في سلمان باك جنوب بغداد. وتوفيت سلوى البحراني في المنزل بعد 45 يوما من اجبارها على تناول اللبن.

واتهمت فاطمة الحسيني (20 عاما) باخفاء أسلحة للدعوة واعتقلت في بغداد في العام 1982. وضربت بكابلات بلاستيكية، وعلقت في السقف من يديها اللتين ربطتا خلف ظهرها وعذبت بالكهرباء وصب الحمض على ساقيها. ورفضت التحدث فأمر معذبها باعدامها، و شنقت في أبوغريب في العام 1982 ودفنها أهلها في النجف.

هذا التقرير الذي يقع في 550 صفحة سجّل المعاناة المفزعة لسجينات من الشيعة تحت حكم نظام صدام، وهو لم يكن عملا أدبيا. وبعض ما جاء في التقرير من نثرٍ مزخرف كان يصف من حين لآخر مصير النساء المستشهدات.

والتقرير ليس عملا سهل القراءة للأميركيين المتلهفين لاستخدامه دليلا ضد صدام، إذ يشير الكتاب مرارا إلى أن الكيماويات المستخدمة ضد السجينات تم شراؤها أصلا من دول غربية. ولكن التفاصيل شيقة - أسماء ومصائر 50 امرأة على الأقل كانت مدونة، إلى جانب أسماء معذبيهن، وأنشطة «وحش أبوغريب» أبووداد، تم تأكيدها من قبل قلة من السجينات اللاتي نجين من المعتقل. وكان هذا الوحش ينفذ الاعدامات بين الساعة الثامنة مساء والرابعة صباحا. وكان يضرب الرجال والنساء على قفاهم بفأس، إذا مدحوا إماما مقتولا كالحسين مثلا، قبل أن يشنقوا.

والغريب انه في النهاية قبض على أبووداد (41 عاما) متلبسا بقبول رشوة من أجل وضع سجين أرجيء إعدامه بدلا عن آخر كان مطلوبا إعدامه في الحال، وأعدم أخيرا بالمشنقة ذاتها في العام 1985

العدد 506 - السبت 24 يناير 2004م الموافق 01 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً