من المتوقع أن يرتفع الإنفاق على البنى التحتية في دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 44 في المئة في العقد الجاري، مقارنة بالعقد الماضي؛ مما سيكون له انعكاسات كبيرة على النمو الاقتصادي والصناعي في دول المجلس.
وتقف على رأس هذه التوجهات، مشاريع شبكة الطرق والمواصلات والتي يأتي في مقدمتها القطار الخليجي الممتد من الكويت شمالا وحتى عُمان جنوبا بكلفة 25 مليار دولار؛ إذ من المتوقع أن يتم ربط شبكة السكة الحديد الخليجية مع الشبكة اليمنية بكلفة 3.5 مليارات دولار؛ ما سيؤدي إلى زيادة دمج الاقتصاد اليمني بالاقتصاد الخليجي.
واستندت التنمية الصناعية في دول مجلس التعاون الخليجي في العقود الثلاثة الماضية على ما حققته دول المجلس من تقدم ملحوظ في إقامة البنى التحتية التي اعتمد عليها البناء الاقتصادي والصناعي في هذه البلدان.
وشملت هذه البنى التحتية أهم المقومات التي يتطلبها النمو الصناعي، كمصادر الطاقة والمياه ومراكز الاستيراد والتصدير وشبكة الاتصالات والمواصلات بأنواعها كافة.
وتشير هذه التقديرات التي احتسبت بناء على المشاريع التي نفذت في العقد الماضي والمشاريع التي أعلنت كمشاريع مستقبلية للعقد الجاي، وذلك إضافة إلى النسب المعتمدة في الموازنات الخليجية لمشاريع البنى التحتية.
وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن تنفذ شبكة مماثلة للسكك الحديد في العراق بكلفة ثلاثة مليارات دولار؛ ما سيؤدي إلى تكامل هذه الشبكات الثلاث وإحداث نقلة نوعية في مستوى التبادل التجاري بين بلدان الخليج وشبه الجزيرة العربية ويتيح إمكان ربط هذه السكك ببقية البلدان العربية وتركيا ومن ثم أوروبا؛ ما سيقلل كثيرا من تكاليف النقل ويفتح آفاقا جديدة للصادرات الخليجية.
وبجانب ذلك، هناك جسر البحرين وقطر الذي سيعد في حال إنجازه في العام 2014 أكبر جسر في العالم بكلفة أولية تقدر بثلاثة مليارات دولار؛ ما سيضيف الكثير لعملية التنمية بين البلدين خصوصا، وبين دول مجلس التعاون عموما، وخاصة، أنه تمت إضافة مسارات جديدة لهذا المشروع لتشمل مسارات لشبكة القطار الخليجي المتوقع تنفيذه مع حلول العام 2017.
يشار إلى أن الإنفاق على مشاريع البنى التحتية في دول المجلس في العقود الماضية اقتصر بصورة أساسية على تطوير البنى الأساسية داخل كل دولة على حدة، وذلك إذا ما استثنينا جسر الملك فهد بين السعودية والبحرين، أما المرحلة الحالية، فإن مشاريع البنى التحتية الخليجية المشتركة تحتل مكانة بارزة بين المشاريع المعلن تنفيذها في السنوات العشر المقبلة؛ ما يعني أن هناك تطورا نوعيا في عملية التكامل الاقتصادي الخليجي.
وبالتأكيد، فإن مثل هذا التغير النوعي سيؤدي إلى حل الكثير من العقبات اللوجستية التي أعاقت انسياب الاستثمارات الخليجية بين دول المجلس في الفترة السابقة، وخاصة تكاليف النقل المرتفعة بين دول المنطقة والتي تعتبر واحدة من أعلى معدلات كُلَف النقل البري في العالم.
ويتزامن هذا التحول مع استكمال متطلبات الاتحاد الجمركي الخليجي في العام المقبل 2011 والتوقعات الخاصة باستكمال مقومات السوق الخليجية المشتركة؛ ما سيؤدي عمليا إلى قيام سوق إقليمية موحدة كبيرة نسبيا؛ الأمر الذي يتطلب من اللجان المختصة في الأمانة العامة لدول المجلس استكمال القضايا المعلقة كافة فيما يتعلق بالاتحاد الجمركي والسوق المشتركة تمهيدا لاعتمادها بصورة نهائية.
وفي الوقت نفسه، فإن مثل هذه التغيرات في البنى التحتية الخليجية المشتركة ستتيح فرصا وإمكانات كبيرة أمام تطور القطاعات الاقتصادية كافة في دول المجلس، وخاصة قطاع الصناعات التحويلية الذي ستتوافر لمنتجاته تسهيلات لوجستية وتسويقية يمكن استغلالها لدعم عملية التنمية الصناعية لخدمة الأهداف الاستراتيجية لدول المجلس والمتمثلة في تنويع مصادر الدخل في هذه البلدان.
لذلك، فإن استكمال هذه المشاريع الخليجية سيساعد على زيادة مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي من خلال زيادة الاستثمارات الحكومية والخاصة في الصناعات التحويلية ومرافق الإنتاج والخدمات المرتبطة بها؛ إذ يمكن للقطاع الخاص الخليجي الاستفادة من شبكة الطرق والمواصلات الخليجية المزمع تنفيذها حتى العام 2020 من خلال الانتقال من الاستثمار الصناعي المحلي إلى الاستثمار الصناعي الخليجي المشترك، بما في ذلك إقامة شركات صناعية خليجية مساهمة عامة.
وحتى الآن، فإن مثل هذا الاستثمار الصناعي لا يمثل نسبة تذكر من بين الشركات المساهمة المدرجة في أسواق المال الخليجية؛ ما يتطلب استثمار الفرص المتاحة من خلال مشاريع البنى التحتية الخليجية المشتركة في إقامة مثل هذه الشركات والتي تتوافر لها مقومات النجاح من مواد خام أولية ومصادر تمويل وخدمات متطورة في المجالات كافة.
ولإضفاء المزيد من الأهمية لشبكة الطرق والمواصلات الخليجية المشتركة ولزيادة جدواها الاقتصادية، فإنه من الضرورة بمكان ربطها بشبكة الطرق والمواصلات من خارج دول المجلس، وخاصة تلك الشبكات المؤدية إلى الأسواق الكبيرة في أوروبا وآسيا وإفريقيا؛ ما ستفتح قنوات تسويقية مهمة وبتكاليف أقل من تلك التي يتحملها المصدر والمستورد الخليجي في الوقت الحاضر.
ويبدو أن دول مجلس التعاون الخليجي تملك من خلال تجاربها السابقة خبرات في استثمار مشاريع البنى التحتية لتنمية القطاعات الاقتصادية وخاصة قطاع الصناعات التحويلية؛ ما سيؤدي إلى أن تتبوأ دول المجلس مكانة اقتصادية متقدمة في عصر العولمة والمنافسة الدولية في ظل الأسواق المفتوحة؛ إذ تسعى مختلف بلدان العالم إلى تخفيض التكاليف لزيادة قدراتها التنافسية؛ إذ تعتبر كلف النقل إحدى أهم الأساليب التي يمكن من خلالها رفع القدرة التنافسية للمنتجات الخليجية في الأسواق العالمية.
العدد 2727 - الإثنين 22 فبراير 2010م الموافق 08 ربيع الاول 1431هـ