تمثل الملكية الفكرية أحد التحديات الكبيرة امام السلطات التجارية والإعلامية في كل بلدان العالم وخصوصا في منطقتنا العربية. اذ ان الملكية الفكرية تتعلق بالإبداع الفني والثقافي والفكري وهو الإبداع الذي بات من السهل السطو عليه بحكم انتشاره الواسع كالمنتجات الفنية مثل الافلام والموسيقى، والإبداعات الثقافية مثل الكتب، والاهم الاختراعات والابتكارات العينية التي تخرج كل يوم في عالم أصبح يعتمد على التقنيات بشكل واسع واصبح قرية صغيرة.
وقد اتخذت البحرين خطوات ملموسة لحماية الملكية الفكرية سواء عبر انضمامها الى المنظمات الدولية المختصة (المنظمة العالمية لحماية الملكية الفكرية) في اواخر التسعينات بالإضافة الى إصدارها الكثير من التشريعات لحماية الملكية الفكرية في البحرين. ولكن حماية الملكية الفكرية تبقى مشكلة وتحديا قائما امام السلطات في كل الدول نظرا لتداخلها مع الانتاج التجاري والتشريعي. من هذا المنطلق حاورت «الوسط» مجموعة من المختصين في هذا المجال تزامنا مع ندوة حماية الملكية الفكرية وبالتزامن مع اليوم العالمي للملكية الفكرية الذي يصادف اليوم 26 ابريل/ نيسان الجاري.
وكيل وزارة الاعلام محمود المحمود يرى ان استضافة البحرين لهذه الندوة يأتي لتأكيد البحرين التزامها بقرارات الامم المتحدة بشأن حقوق الملكية الفكرية وحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، والتزاما من وزارة الاعلام من خلال قطاع المطبوعات والنشر بما جاء في هذا الاتفاق وتأكيد الالتزام به.
ويقول المحمود: «هناك اهداف اخرى وراء المؤتمر وهي جذب الانظار الى مملكة البحرين لما تقدمه المؤتمرات الترويجية - سواء السياحية او الثقافية - من فرص ايجابية للمملكة. لذلك وجدنا ان من واجبنا الالتقاء بمن هم اصحاب الاختصاص لكي يلقي الضوء على اهمية حماية الملكية الفكرية».
وفي سؤال عما اذا كانت البحرين تسعى بشكل مستمر لتطبيق قرارات الاتفاقات المختصة بالملكية الفكرية يقول المحمود: «لا يوجد تطبيق لاي اتفاق بنسبة 100 في المئة وحتى في الدول المتقدمة نفسها. ولكن ما نستطيع ان نقوله ان البحرين استطاعت خلال فترة بسيطة حماية أصحاب الحقوق من الخروقات التقليدية للملكية الفكرية. ومن خلال الاجراءات التي تم اتخاذها من قبل وزارة الاعلام استطعنا ان نحافظ على التزامنا بما يضمن حقوق الآخرين. وكما أشرتُ فإن هناك من يحاول الالتفاف على النظام بين الحين والآخر. ولكن اجهزتنا الرقابية دائما تعمل للحد من هذه الخروقات وفقا للقوانين والأنظمة المعمول بها في المملكة».
وفيما اذا كانت وزارة الاعلام تنوي اعادة النظر في بعض القوانين والمراسم تماشيا مع التطورات ومواكبة التحديات الجديدة نظرا للتغيرات التي تطرأ على الاسواق بين الحين والآخر قال المحمود: «القوانين الدولية المختصة لا يمكن تغييرها من قبل دولة واحدة، ولكن ما هو متعارف عليه دوليا ان هناك اجتماعا او اجتماعين في كل عام يتم من خلالهما تطوير هذه القوانين بحيث تتم إضافة بعض المواد الى القوانين الموجودة وهذا يحدث عادة بعد الاتفاق بين جميع الدول الموقعة والملتزمة بالاتفاقات».
اما مدير إدارة الرقابة والمطبوعات والنشر جمال داوود فيرى ان هذه المؤتمرات تتيح الفرصة للنظر في الحلول المناسبة لتحقيق الاهداف المرجوة من وراء تطبيقات وحماية الملكية الفكرية .
ويقول داوود: «هذا المؤتمر ليس الأول من نوعة فمنذ أكثر من خمس سنوات وبصورة سنوية تقوم البحرين باستضافة مؤتمرات بالتنسيق مع المنظمات الدولية وخصوصا المنظمة العالمية للملكية الفكرية بحيث يكون هناك على الأقل مؤتمران سنويا. وجميعها تأتي في إطار النهوض بالوعي والمفاهيم بمجالات الملكية الفكرية وفي اطار التحرك الدولي. بالتأكيد ان هذه المؤتمرات تتيح الفرصة للنظر في الحلول المناسبة لتحقيق الأهداف المرجوة من وراء تطبيقات وحماية الملكية الفكرية بصفة عامة».
ويشير داوود الى اهمية تطوير المفاهيم العلمية تبعا لتطورات المجتمعات، والملكية الفكرية هي واحدة من الجوانب العلمية التي تخضع لمفاهيم الحداثة والتطور.
ويقول داوود: «بالتأكيد لابد من تطوير المفاهيم العلمية تبعا لتطورات المجتمعات. والملكية الفكرية هي واحدة من المفاهيم العلمية المتبعة في عالم اليوم. وخلال السنوات الخمس الماضية استطاعت البحرين ان تحدث نقلة نوعية في حجم الوعي بأهمية الملكية الفكرية. واكبر دليل على ذلك ان عدد الإيداعات في مكتب حماية حقوق المؤلف بإدارة المطبوعات والنشر بلغ اكثر من الف مصنّف تم تسجيلها. وهذا الرقم يترجم حجم الوعي وإدراك مدى اهمية حقوق المؤلف».
ويضيف داوود: «لابد من الاشارة الى دور حركة الاستثمار وتداول المصنفات في الأسواق نفسها. فالكثير من المؤسسات اليوم تشهد نقلة نوعية مقارنة بما كان عليه الوضع قبل خمس سنوات من حيث نوعية البضائع وحجم المعروض منها في الاسواق، وبالتالي أصبحت المفاهيم ترتقي بمستوى المصنف الذي يباع. ونجد ان الكثير من الناس يرفضون التعامل مع المصنفات غير الأصلية بعدما اكتُشف ان المصنف غير الاصلي لا يتمتع بمواصفات المصنف الاصلي. هذه كلها تعبر عن حقيقة مستوى فكر المجتمع البحريني في التعامل مع حماية حقوق الملكية الفكرية».
ويشير داوود إلى اهمية النهوض بالوعي لدى المستهلك المحلي لطبيعة المتغيرات التي تطرأ على الاسواق، ويقول «بالتأكيد نحن نركز على اهمية الوعي لدى المستهلك، ونود النهوض بحجم هذا الوعي وذلك للحد من القرصنة ولحماية حقوق صاحب المنتَج او الابداع وهذا امر يتطلب تضافر جهود عدة وقد تلعب الصحافة المحلية دورا كبيرا في هذا المسار».
وعن المجالات التي تكثر بها الخروقات او ما يمكن تسميته «السطو على الملكية الفكرية» يقول داوود: «بالتأكيد لا توجد دولة مثالية في هذا الجانب، فالعملية تبدو أكثر نسبية. وهنا أودّ الاشارة الى أن البحرين تعتبر من الدول التي يحتذى بها في مجال مكافحة القرصنة والالتزام بقوانين الملكية الفكرية وتنفيذها، بحيث ان المنظمات الدولية نفسها صنفت البحرين ضمن الدول المتقدمة في هذا المجال؛ نظرا لتميزها من خلال الاساليب التي تتبع لمكافحة القرصنة، وهذه شهادة نعتز بها في ادارة المطبوعات والنشر بوزارة الاعلام. واذا كان هناك ما يمكن ان نسميه مخالفة للملكية الفكرية فهو لا يعدو النسبة الطبيعية التي قد توجد في اكثر الدول تقدما ومراعاة لحقوق الملكية الفكرية، وهذا ما يقودنا الى الاعتقاد بان عملية القضاء على القرصنة بصورة تامة امر لا يمكن ان يتحقق في أي بلد من بلدان العالم، ولكن هناك ما يمكن السعي اليه وهو المحافظة على النسبة الطبيعية لحالات خروقات القوانين المختصة بالملكية الفكرية. وبلاشك ان هناك تفاوت في هذه النسب، ولكن تبقى البحرين الاقل بين الكثير من دول العالم من حيث القرصنة على الملكية الفكرية. وكون البحرين من الدول التي تحاول ان تهيئ مناخا مناسبا لاستقطاب الاستثمارات الاجنبية ما يضعنا امام تحد كبير للحد من أية خروقات تتعلق بالملكية الفكرية».
وعن دور الاجهزة الرقابية للحد من انتشار السطو على الملكية الفكرية يقول داوود: «هناك عدة اساليب يتم اتباعها لمكافحة القرصنة، ولا ننسى اننا نتعامل مع سوق وهناك عرض وطلب والامور تختلف بشكل يومي. لذلك وضعت ادارة المطبوعات والنشر بوزارة الاعلام آلية لتحقيق الاستمرارية في المتابعة سواء من خلال الجولات التفتيشية وتلقي البلاغات وغيرها».
وفي سؤال عن اكثر المجالات عرضة في البحرين للقرصنة يقول داوود: «كل منتَج فكري قد يتعرض للقرصنة. والشكاوى التي تتلقاها الوزارة متنوعة سواء كانت افلاما او اقراصا مدمجة وحتى الصور. نتلقى احيانا بلاغات عن الاعتداء على ملكية فكرية لحساب مؤسسة او افراد وعلى ملكية صور فوتوغرافية، ونحن بالتالي نتعامل مع المخالفة حسب حجمها ونوعها وفقا للانظمة التي بحوزتنا».
اما المحامي عبدالله هاشم فيرى ان اكثر المجالات عرضة للسطو والقرصنة على الملكية الفكرية في البحرين هي المجالات الفنية باشكالها المختلفة.
ويقول هاشم: «أعتقد ان اكثر المجالات عرضة للسطو على الملكية الفكرية هو القطاع الفني المتعلق بالانتاج المسرحي والاغاني والمسلسلات التلفزيونية. هذه اكثر المجالات عرضة للقرصنة على الملكية الفكرية في البحرين، منها على وجه المثال سرقة الاغاني او تسجيل عمل فني على شريط فيديو وبيعه بشكل غير قانوني في بعض المحلات التجارية وهذا يترتب عليه اعتداء على حقوق صاحب الانتاج».
وعن وضع الملكية الفكرية بشكل عام في البحرين يقول هاشم: «اعتقد ان الملكية الفكرية في البحرين وحمايتها مرتبط بدرجة كبيرة بتقدم المجتمع، ونحن نعتبر من المجتمعات الحديثة جدا في إضفاء الحماية القانونية على حق المؤلف او المبدع وهذه العملية تحتاج لنوع من التطور الذي يشمل الكثير من المجالات، منها الادارة التي تعمل على حماية المنتج الفكري وبالتالي نحتاج لتطوير آلية الجهاز الذي يمارس الدور الرقابي كبداية من حيث الاهتمام به بشكل اكبر وزيادة عدد الكوادر العاملة فيه وملاحقة الشكاوى وابراز اهمية عملية التسجيل للفكرة او العمل الابداعي».
ويضيف هاشم: «لابد من الاشارة الى حداثة تعامل الجهاز القضائي في البحرين مع النزاعات التي قد تنشأ بسبب ملكية فكرية او ابداعٍ ما، فالكثير من الاحكام تصدر وهي تحتوي على كيفيات قد لا ترتقي الى اضفاء حماية قوية على الابداع وبالتالي يجب ان يكون هناك نوع من التشدد في حماية الابداع».
وعن اهمية النهوض بمستوى الوعي لدى المستهلك المحلي يقول هاشم: «مازلنا في مراحل مبكرة من الوعي بالنسبة لاهمية الملكية الفكرية. حتى المبدعين هنا يتوجهون نحو الحماية من جانب الحقوق المادية اكثر من ان يكون الهدف هو حماية الحق الأدبي وهذا يشير الى بدائية مراحل تطور الوعي بشأن اهمية حماية الملكية الفكرية».
وفيما اذا كان هاشم يعتقد باهمية وجود مركز بحريني متخصص لحماية الملكية الفكرية على غرار مراكز متخصصة في هذا المجال في دول أخرى قال: «بالتأكيد... لقد كانت لنا محاولة تاريخية في هذا الصدد، والحقيقة ان الفكرة جاءت من قبل الفنان البحريني خالد الشيخ وأتذكر اننا قُمنا بإعداد بعض الوثائق لعملية تجمّع من الفنانين والأدباء لخلق نوع من التجمع الاهلي للقيام بدور جماعي لحماية حق المؤلف او المبدع سواء كان اديبا او فنانا تشكيليا او موسيقيا وكانت هذه الخطوة قادرة على حماية حقوقهم فيما لو كتب لها النجاح ولكننا نجد الآن أن مؤسسات الابداع تتركز في تجمعات صغيرة تتركز جهودها حسب الاختصاص مثل اسرة الادباء وجمعيات الفن التشكيلي وكان يمكن ان يأتلفوا بشكل جماعي في مؤسسة اهلية تكون قادرة على حماية حقوقهم على اختلاف ابداعاتهم»
العدد 598 - الأحد 25 أبريل 2004م الموافق 05 ربيع الاول 1425هـ