وبَيْنَما يُبَعْثِرُ الماءَ بعكَّازيْهِ
قالَ يا بُنيَّ: ادْفنْ أباكَ
قَبْلَ أنْ يأفلَ نجْمُ البَحْرِ
يا بُنَيَّ قَدْ طَعَنْتُ في السنِّ
وفي الحزْنِ
وأقرنتُ يديَّ عَنْ عناقيدِ
النَّخيلِ
(لكِنْ يا أبي...)
قاطَعَني
وأسْبَلَ الجرَّةَ يسقيني عذاري
ويقول لا أريدُ أنْ تموتَ
مرَّتينِ
(لكنْ يا أبي...)
قاطَعَني
هلا تَسَرَّعْتَ قليلا
قَبْلَ أنْ تَقْضُمَ ريحُ الليلِ
أعشاشَ العصافيرِ
وتُدْمى حبَّةُ الأرْزِ
فقلتُ باكيا
قدْ نكأتْ جراحنا
حتى إذا مرَّت عليْنا...
فَرَسٌ أوجفَها السَّرابْ!
وريَّشَتْ قدْحَ الظنونِ
واستحمَّتْ ذهبا
قال أبي وهو يشبُّ النارَ
في السَّحابْ
إيَّاكَ أنْ تُسكبَ ماءَ الوردِ للزعرور
أو ما أكَلَ السبع
ولا ترمسْ أناشيدكَ في التُراب
وكلَّما فَكَّرْتَ بالخنجرِ كُنْتَ صائبا!
يا ولدي...
إيَّاكَ أنْ تَجْزَع
لو رأيتَ في الهباءِ ما يُقَبِّحُ الشَّمْسَ
ولا تسالمِ البلادَ
لو أنَّ خريرَ الماءِ قَدْ أزْعَجَها
راحَ أبي ذو اللحية
الكثَّةِ يَرْمي سِقْطَ أحلامه
في البحر
أبي...؟ ماذا فَعَلْنَ بَعْدَ أن
هربْنَ مِنْ قَصْرٍ
ليرقدنَ على كثيب رمْل
تَحْتَ أضواء قَمَرْ ؟
قال ولمَّا أسْفَرَ الصُّبْحُ
حَمَلْنَ الزُّبُلَ الصُّفْرَ ورحْنَ
في الطوابيرِ التي لا تنتهي
لربَّما تَحْسَبُهنَّ سَبْعُ ألوانٍ
فَرَشْنَ في السَّماءِ
موطنا ليْسَ هنا
لكنَّهُ يَبْزغُ بَعْدَ لعنةِ المَطَرْ
وقال يا بنيَّ لا تسنم
قواريرَ الأياسِ
كلَّما تَصَخَّرتْ قلوبُهمْ
وادفن أباكَ قبل أنْ ينقلبَ
التُرْبُ إلى زبرجدٍ
وتٌحْرَق البَشَرْ
عادل فضل
العدد 2366 - الخميس 26 فبراير 2009م الموافق 01 ربيع الاول 1430هـ