هل يمكن لمدمن على مشاهدة أفلام محمد عبدالوهاب، أو على تصور الأجواء التي صورت فيها أغانيه السينمائية، أن يتذكر أغنية «بلاش تبوسني في عينيّ» من دون أن يتذكر ذلك الوجه الصبوح بعينيه الرائعتين وبشرته السمراء الحقيقية، والذي غنى له عبدالوهاب جزءا من الأغنية؟
كان ذلك وجه فاتنة اتت جديدة على السينما. وكان عليها، على رغم جمالها البديع وتعبير وجهها الرائع أن تكتفي في ذلك الحين بذلك المشهد وبأن يغني موسيقار الاجيال لعينيها. لكنها منذ تلك اللحظة عرفت كيف تدخل أفئدة الناس...
وعرف اسمها المستعار: مديحة يسري، كيف يصبح جزءا أساسيا من راهن عصر النجوم في السينما المصرية. ولفترة طويلة من الزمن ظل الملايين يظنون ان مديحة يسري، ذات المظهر الارستقراطي الأنيق، انما هي متحدرة من أوساط شعبية وان اسمها الحقيقي هنومة حسين. ولكن هل كان هذا يهم حقا؟
ان ما هم الناس وعشاق السينما ومحبي النجوم، هو أن تلك الفاتنة عرفت كيف تفرض حضورها طوال نصف قرن وأكثر بوصفها منتمية «إلى الجيل الرائد من نجمات السينما المصرية الخالصات» كما يقول بيان أصدره مهرجان السينما العربية في باريس، يتحدث عن تخصيص تظاهرة لتكريم مديحة يسري في المهرجان. بمعنى ان نجمات الجيل السابق لجيل مديحة يسري، كن يأتين من عالم الغناء أو المسرح، أما مديحة فأتت إلى السينما مباشرة، مثلها في هذا مثل رفيقاتها فاتن حمامة وماجدة وايمان ثم هند رستم، وربما أيضا سميرة أحمد. طوال مسارها السينمائي بعد ذلك، والذي مازال متواصلا إلى اليوم، لعبت مديحة يسري أنواعا كثيرة من الأدوار،«من الفتاة الشعبية إلى الحبيبة والزوجة والعاشقة، إلى أدوار الأم بكل الوانها، كما أنها لم تتردد في لعب دور الجدة» وكذلك لعبت الدراما والكوميديا والأدوار الرومنطيقية... اضافة إلى أدوار أكثر جدية تعبر عن طموحات المرأة المصرية وتطلعاتها خلال الخمسينات والستينات...
هذا كله، ستختصره، خلال المهرجان الباريسي، الذي حمل ملصقه الرئيسي صورة رائعة لمديحة يسري، سبعة أفلام قامت مديحة يسري ببطولتها بين العام 1950 والعام 1962، أي خلال فترة عصرها الذهبي، التي ربما يصح أيضا اعتبارها حقبة العصر الذهبي لنوع شعبي طيب من السينما المصرية. وهذه الأفلام هي «الأفوكاتو مديحة» ليوسف وهبي، و«لحن الخلود» لهنري بركات و«بنات حواء» لنيازي مصطفى، و«حياة أو موت» لكمال الشيخ و«اني راحلة» لعز الدين ذوالفقار و«أرض الأحلام» لكمال الشيخ و«وفاء إلى الأبد» لأحمد ضياء الدين.
فما الذي ستكشفه لنا هذه الافلام؟
شخصية قوية لفنانة «أخلصت للسينما في غالبية أوقات حياتها ممثلة ومنتجة ومسئولة عن هوية الفيلم الذي تشارك فيه» وكذلك امرأة «وضعت حياتها العائلية، غالبا، في خدمة حياتها المهنية وعشقها للسينما». أي بكل اختصار، فنانة حقيقية من نوع بات اليوم نادر الوجود، وسيدة لاتزال حتى اليوم لا تعرف عيشا الا أمام الكاميرا، سواء أكانت كاميرا سينمائية أو تلفزيونية، هي التي تقول إن لا شيء سيبعدها عن التمثيل سوى الموت
العدد 653 - السبت 19 يونيو 2004م الموافق 01 جمادى الأولى 1425هـ