العدد 763 - الخميس 07 أكتوبر 2004م الموافق 22 شعبان 1425هـ

المخدرات في العراق... سوق رائجة تجتذب العاطلين

لم يشهد العراق انتشاراً لظاهرة تعاطي المخدرات والاتجار بها كما يشهده الآن، إذ تشير المعلومات الى أن كميات كبيرة من المخدرات عبرت الحدود العراقية خلال الأشهر التي تلت احتلال القوات الاميركية والبريطانية للعراق، ووصلت كميات منها الى المواطن العراقي الذي تشجعه الظروف التي تعيشها بلاده وغياب السلطات الرسمية التي تحاسب وتمنع تعاطي المخدرات، على الاقبال عليها للتجربة في المرة الاولى كمقدمة لحال ادمان تجهز على ما تبقى من صحته التي انهكتها سنوات الحصار وشهور الاحتلال.

وتعاني مناطق كثيرة في العراق من انتشار ملحوظ في تعاطي المخدرات وتجارتها والادمان على الكحوليات وانتشار الدعارة في سابقة يقول الاختصاصيون انها تهدد النسيج الاجتماعي والفكري في العراق. وأصبح مشهد اشخاص مخدرين أو «مكبسلين»، كما يوصفون، أمرا معتادا في بغداد، ومدن أخرى بينها مدن دينية مقدسة مثل كربلاء والنجف.

وتقول سلطات الشرطة العراقية إن هذه الظاهرة تنتشر بسرعة كبيرة لرواج تجارة المخدرات القادمة من ايران، ويمارسها تجار ايرانيون يدخلون البلاد تحت ستار الزيارة الدينية، وخصوصاً أن الحدود العراقية بقيت مشاعة دون رقابة لفترة طويلة منذ انهيار النظام السابق في شهر ابريل/ نيسان من العام الماضي.

الصيدلانية سعاد البربوتي التي كانت تتولى سكرتارية لجنة مكافحة المخدرات في وزارة الصحة العراقية قبل سقوط النظام ترى ان المشهد العراقي تغير بسرعة كبيرة وان هذا التسارع في تعاطي المخدرات والادمان والدعارة يعود الى اسباب نفسية وسياسية واجتماعية واقتصادية. وتوضح البربوتي «ان أهم الاسباب تعود الى الصدمة الناجمة عن الحرب والتجربة المريرة التي واجهها الناس فلجأوا الى تعاطي المخدرات كوسيلة للهروب من حالهم ودفن مشاعرهم الغاضبة والمستاءة، والى الفراغ الناجم عن غياب السلطات والرادع الاجتماعي والقانوني بسقوط النظام، والى ازدياد حال اليأس والقلق والحالات النفسية العميقة كالاكتئاب الشديد والبطالة المفاجئة الواسعة».

وتقول ان «الغياب المفاجئ للخدمات وشعور الناس بالاضطهاد وعدم توافر متنفس او علاج ناجع أو رعاية فورية والتدهور المعيشي وعدم القدرة على مواجهة الانهيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتغير طبقات المجتمع الجذري، ووجود عناصر اجنبية مسيطرة على مقدرات الناس وحياتهم اليومية، أصاب توازن الناس بالخلل الشديد فاصبحوا لقمة سائغة أمام اغراء الهروب من الواقع».

وتشير البربوتي الى أنه بعد الحرب العراقية الايرانية كانت الصدمة أقل وقعاً، غير انه بعد حرب الخليج الثانية العام 1991، لجأ الناس الى الدين لوجود سلطات وردع قانوني واجتماعي وخدمات صحية توفر أدوية مهدئة أو علاجية ولو بنزر يسير، «ولكن الحال الراهنة الشديدة عطلت قدرة الناس على السيطرة فلجأ البعض الى التدين فيما سقط آخرون في براثن المخدرات والكحوليات».

وتؤكد الخبيرة الصيدلانية انه «قبل احتلال العراق كان البلد خالياً من امراض المخدرات التي تعرف بـ (الحشيشة) وكان المدمنون الذين يصابون بهذا المرض فقط من الذين يفرطون في تناول المشروبات الكحولية، ولكن الأمر اختلف الآن، إذ باتت بعض المناطق في بغداد مرتعاً لـ (الحشيشة) التي اخذت بالانتشار بشكل سريع»، والسبب كما تراه البربوتي انفتاح الحدود امام مهربي هذه المخدرات وغياب الرقابة عليها نتيجة الأوضاع الامنية غير المستتبة، ولكن الوضع قد يصبح أفضل اذا ما قامت الشرطة بحملة مداهمات للمناطق التي تعد «بؤراً» لترويج وتعاطي المخدرات.

ويتفق لطيف يحيى (دكتوراه في القانون الدولي) مع الخبيرة بمكافحة المخدرات على ان العراق هو البلد الوحيد من دول المنطقة لم يشهد تعاطي أبنائه لأي من أنواع المخدرات الاّ لنفر قليل أيام الحرب العراقية الايرانية، وفي بغداد وتحديداً منطقة المربعة في شارع الرشيد والتي كانت تعيش فيه الجالية المصرية وتم احتواؤها بسبب الرقابة المشددة، «ولكن اليوم بدأ كثير من الشباب العراقي بإدمان هذه السموم التي قدمت له في البداية مجاناً ومن ثم يسألوه عن ثمنها الذي لا يملكه ولهذا كثير من الشباب العراقي الذي أدمن هذه السموم تحولوا الى (عبيد) لدى من عرض عليه هذه السموم مجاناً مقابل تنفيذ عمليات هنا وهناك لأسباب شخصية أو سياسية».

سوق تجتذب المجرمين

بات على أصحاب المحلات ان يتقاسموا بشكل متزايد الشوارع الضيقة مع تجار المخدرات والمقامرين. وسط بغداد وخارج شارع الجمهورية الصاخب، تقع سوق الغزل مباشرة خلف جامع قديم من العصر العباسي في منطقة مكتظة بالشوارع الملتوية المليئة بالمحلات التي تبيع الطيور والحيوانات الحية. في يوم الجمعة، وبينما تكون الأسواق مقفلة، فان ممرات سوق الغزل الضيقة تكون مزدحمة. ومنذ الحرب وجد أصحاب المحلات انفسهم يتقاسمون الشوارع الضيقة مع تجار المخدرات والمقامرين الذين يتجمعون أمام محلاتهم، فقد أصبح سوق الغزل أيضاً مكاناً مركزياً لبيع وشراء المخدرات. ويقول حامد عمران (صاحب محل للطيور في سوق الغزل): «هذا الوضع ليس جيدا، وله تأثير سيئ على المجتمع ويشوه سمعة العراق». ان تهريب المخدرات والمقامرة كانا محرمين في عهد صدام حسين ويخضعان بشكل محكم لسيطرة قوى الأمن والشرطة. ولكن وفي ظل المجتمع المنفلت وغياب القانون، فان متعاطي المخدرات، والتجار والمقامرين يشعرون بحرية في العمل علانية».

ويتبجح زيد عبدالأمير، احد الرؤوس في سوق المخدرات المحلية، قائلاً «نحن الوحيدون الذين نبيع المخدرات. نحن لا نسمح لأي أحد بممارسة هذه التجارة». وعلى كل شخص يريد ان يبيع في السوق ان يدفع له أولاً. وتجري التجارة في الغالب على شكل حبوب: امفيتامينز، والمهدئات المخدرة والعقاقير الأخرى التي يمكن اخفاؤها بسهولة في الجيوب.

يقول البغداديون ان المخدرات مثل الأفيون والحشيشة لا تباع في سوق الغزل، لكنها متوافرة في أماكن أخرى من المدينة اذ ان احد أكثر المخدرات رواجاً هو (الموجادون): مزيل الألم القوي الذي يستخدمه الجنود بانتظام وحبوب (آرتين) التي لها تأثيرات في الهلوسة، وهي مخدر رائج أيضاً، كما هي حبوب «الصلبان البيضاء».

وترفض الصيدلانية ماجدة جبار مقررة لجنة مكافحة المخدرات في وزارة الصحة العراقية ان تتحمل الصحة وحدها مسئولية تفشي المخدرات بين الشباب العراقي، وتتساءل عن اسباب سكوت السلطات الأمنية والقوات الاميركية حول حدود العراق المفتوحة، لكنها تعترف «ان بعض العقاقير ذات الاستخدام المزدوج والتي تحدث الهلوسة قد تكون تسربت من المؤسسات الصحية». وتشير الى ان صيدليات الرصيف التي كان لها دور في انتشار المخدرات التي أصبحت في متناول يد الجميع وحتى الاطفال. وكشفت المسئولة الصحية عن نية لجنة مكافحة المخدرات اقرار تشريع جديد بقولها «ان التشريعات السابقة تتعامل مع المدمنين كمجرمين وليس مرضى يتطلبون المعالجة، وهو برأيها أمر خاطئ».

لكن هاشم حميد زيني (مدير مستشفى ابن رشد لمعالجة الادمان) لا يرى في تفشي تعاطي وترويج المخدرات ظاهرة جديدة افرزتها ظروف الاحتلال. وعلى رغم اعترافه بعدم توافر احصاءات دقيقة لديه الا انه يؤكد أن ظاهرة المخدرات كانت موجودة ايام النظام السابق وهي منتشرة بين نزلاء السجون «فأنا اتحدث كشاهد عيان اذ كنت طبيباً زائراً في سجن أبوغريب. والمخدرات كانت رائجة ايضا في المؤسسة العسكرية وان لم يصرح به، إذ إن غالبية المدمنين الذين يراجعون مستشفانا اصبحوا مدمنين في اثناء خدمتهم العسكرية لاسيما عقار الـ (ارتين) والفاليوم».

ويعترف الطبيب زيني «ان الأشهر الماضية شهدت رواج انواع جديدة من المخدرات كالترياق والهيروين والكوكائين»، وهو يضع اللوم على حال الانقلاب والانفلات الحدودية ولاسيما ان العراق ممر حيوي لتجارة المخدرات التي تزرع في افغانستان وجنوب شرق آسيا في طريقها الى دول الخليج وحوض البحر المتوسط.

ويعزو انتشار المخدرات في اوساط الشباب الى زيادة القدرة الشرائية للمواطنين بعد سقوط النظام السابق، مؤكداً ان العراق الآن اكثر استعداداً لانتشار انواع كثيرة من المخدرات شديدة المفعول كذلك المنتشرة في اوروبا واميركا اللاتينية وبعض دول الجوار.

وطبقا لما يقوله مدير العلاقات والاعلام في وزارة الداخلية العميد عدنان نعمة فان قوات الشرطة وخلال الأشهر الستة الاولى من العام الجاري ضبطت اكثر من الف كيلوغرام من الحشيشة والهروين والترياق، منها 250 كغ في مدينة العمارة جنوب العراق فقط. وبينما رفضت مقررة لجنة مكافحة المخدرات في وزارة الصحة الحديث بلغة الارقام عن ظاهرة انتشار المخدرات قال المسئول الأمني إن اول احصائية اعدها مسئولون عراقيون في الاول من يوليو/ تموز الماضي أشارت إلى ارتفاع خطير بلغ نحو (30) في المئة بعد أن كان في العام 2000 (7,5) في المئة

العدد 763 - الخميس 07 أكتوبر 2004م الموافق 22 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً