دعا مدير المكتب الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التابع لمنظمة العفو الدولية أحمد كرعوت إلى «حماية المجتمع المدني في البحرين من أية انتكاسة لحقوق الإنسان»، معتبراً إياه «مجتمعاً يتميز بالحيوية».
ويزور كرعوت القادم من بيروت البلاد للمساهمة في تدشين الحملة الوطنية لوقف العنف ضد المرأة، وهي جزء من حملة عالمية بدأت المنظمة بالتعبئة إليها منذ مارس/آذار الماضي وتستمر لمدة عامين.
ويقود الحملة «مجموعة المنامة 1» وهي مجموعة من الأعضاء البحرينيين في منظمة العفو الدولية من بينهم فوزية ربيعة وناصر البردستاني، فيما يشارك في لجنة الحملة ممثلون عن غالبية الجمعيات الأهلية والحقوقية والسياسية وممثل عن المجلس الأعلى للمرأة وعضو مجلس الشورى فيصل فولاذ وبعض الشخصيات الوطنية الأخرى.
وفيما يأتي نص لقاء «الوسط» بممثل «العفو الدولية» أحمد كرعوت:
بداية، ما طبيعة عملكم واختصاصاتكم في المكتب الإقليمي؟
- المكتب يغطي منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (من المغرب إلى إيران)، وهو تابع لأمانة منظمة العفو الدولية في لندن، ويختص بالتربية ونشر ثقافة حقوق الإنسان وتقديم الدعم للمنظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني عبر التدريب ودعم قدراتها.
إن الحملة العالمية لوقف العنف ضد المرأة شرعت في تنظيمها المنظمة منذ مارس/آذار الماضي وتستمر لعامين، وهي حملة عالمية تغطي كل بلدان العالم بما فيها البلدان العربية.
وتهدف الحملة إلى إبراز ظاهرة العنف ضد المرأة ونعمل على تقليص الظاهرة وربما القضاء عليها، وقد اخترنا في المرحلة الأولى (على مدى عامين) التركيز على العنف في داخل الأسرة والعنف ضد المرأة في مناطق النزاع المسلح سواء أثناء النزاع أو بعده.
كما أن الحملة ستقوم بأبحاث عن أوضاع المرأة في مختلف المناطق وكتابة تقارير بشأنها، والسعي إلى تعديل التشريعات التي تعتمد التمييز ضد المرأة لتوفير وسائل الحماية لها.
إن استراتيجية الحملة تتمثل في بناء تحالفات واسعة سواء على مستوى وطني كما هو جار الآن في البحرين عبر تنمية شراكة بين المنظمة والمؤسسات غير الحكومية، أو على مستوى المنطقة عبر اتحادات بين المنظمات غير الحكومية ومؤسسات وطنية للتصدي إلى الظاهرة.
وكذلك على المستوى العالمي إذ سنسعى إلى تشكيل تحالف للتأثير على سياسات الحكومات والمؤسسات الأممية حتى تتنبأ إلى خطورة هذه الظاهرة المتفشية والمنتشرة في دول العالم أجمع وليست مختصة بمناطق معينة أو ثقافة معينة.
مفهوم العنف ضد المرأة
ما مفهوم العنف ضد المرأة بحسب رؤيتكم؟
- منظمة العفو الدولية تعتمد ما جاء في التعريف الذي نص عليه «الإعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة» وهو: «أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة»، هذه الفقرة الأولى.
أما نص آخر يقول: «والعنف ضد المرأة ذو الدوافع المتصلة بنوع الجنس هو العنف الموجه ضد المرأة بسبب كونها امرأة أو العنف الذي يمس المرأة على نحو جائر».
وإننا نرى في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عدداً من النزاعات والمرأة تعاني منها كثيراً، ويكفي لما جرى على المرأة الفلسطينية والعراقية من ذلك.
كما أننا نعتقد أن القوانين والتشريعات في بعض البلدان بما فيها من تمييز ضد المرأة تشكل المناخ المناسب للعنف ضد المرأة، لذلك نعمل مع البرلمانيين والمحامين والهيئات النسائية على تعديلها حتى نقلل من طابع التمييز والعنف ضد المرأة.
كيف تنظرون إلى دور الإعلام خصوصاً في الدول العربية في مناهضة ظاهرة العنف ضد المرأة؟
- يلعب الإعلام دورا مهماً في هذا الصدد، وقد نظم المكتب في بيروت في يونيو/حزيران الماضي ورشة إقليمية - تشاورية بعنوان «الإعلام ومناهضة العنف ضد المرأة»، وخلصت الورشة إلى توصيات عدة تتعلق بقضايا التدريب وتوفير الموارد وكيفية تغيير المقاربات التقليدية للتغطية الصحافية، ومجالات التعاون بين منظمات حقوق الإنسان والإعلام، وكذلك التعاون بين الجمعيات ومنظمة العفو الدولية.
وكما جاء في دراسة قدمتها الباحثة زينة عوض في الورشة عن غياب الإعلام العربي عن الحقيقة، فإننا لا نتحدث عن الإعلام الذي يتناول مسألة العنف ضد المرأة من ناحية الإثارة، بل أن ما يهمنا هو تناول الظاهرة من ناحية تحليلها وسبل التصدي لها ومعالجتها وهو نقص كبير يعاني منه الإعلام.
العامل الثقافي ليس السبب
قد تختلف فئات المجتمع على تحديد مفهوم العنف ضد المرأة فيما أنها قد تتفق على قاسم مشترك في المفهوم، فكيف تنظرون إلى ذلك وتتعاملون معه؟ خصوصاً أن مجتمعاتنا متدينة وتعيش عادات وتقاليد مختلفة وقد يساورها قلق تجاه الحملة، كيف تبددون هذا القلق؟
- لقد أثبتت الأبحاث أنه لا توجد ثقافة معينة تشجع على العنف وأخرى لا تشجع عليه، بل أن الأبحاث والتقرير الذي أصدرناه في مارس/آذار كلها تشير إلى أن جميع البلدان والثقافات لديها قاسم مشترك واحد في رفض هذه الظاهرة المنتشرة فيها.
وبالتالي لا يمكن أن يكون العامل الثقافي فرقاً بين المناطق وإنما نظرة التمييز ضد المرأة هي الأساس في العنف، وعندما تتقلص مسألة نظرة التمييز ضد المرأة في المجتمع فإن ظاهرة العنف ضدها ستتقلص أيضاً.
ما المطلوب من الأنظمة ومؤسسات المجتمع المدني للتقليص من نظرة التمييز ضد المرأة والحد من الظاهرة؟
- المطلوب هو الوعي بأن هذه الظاهرة تمس المرأة ولكنها تمس المجتمع كذلك لأنها تكرس تمييزا في المجتمع، إنها ليست قضية شخصية بل هي قضية حقوقية.
وبجانب هذا الوعي ينبغي أن نلمس تغييراً في النظرة إلى المرأة، والأهم من ذلك تغييراً ملموساً في التشريعات، فمهم جداً تجريم العنف ضد المرأة كأية جريمة اعتداء على أي شخص آخر أو رجل.
كما أن بعض البلدان عندما تقع عملية اغتصاب لفتاة تسقط الجريمة عن الرجل المغتصب إذا تزوج منها، فتقع الفتاة ضحية مرتين، مرة أنها اغتصبت ومرة أخرى فرض عليها زوج لا تريده فقط لأنه اغتصبها!
كما أن هناك ظاهرة في بعض البلدان تقوم بتخفيف عقوبات القتل بما يسمى بـ «دواعي الشرف» والشرف منه براء، لذلك لابد من قوانين عادلة وصارمة حيالها.
أما العنف ضد المرأة في النزاعات فهذا مرتبط بطبيعة النزاعات ومدى احترام الأطراف المتنازعة للقانون الإنساني الدولي، إذ لا يوجد مبرر لاختطاف النساء كرهائن أو أن يصبح الاغتصاب سلاحا من الأسلحة المستخدمة بين فرقاء النزاعات.
هل اطلعتم على التشريعات البحرينية في هذا الشأن، وهل لديكم ملاحظات عليها؟
- في الحقيقة هذا من اختصاص زملاء آخرين في منظمة العفو الدولية، إلا أن المبدأ العام هو ضرورة أن تتناسب التشريعات والقانون الدولي، خصوصاً إذا كانت الدولة مصدقة على اتفاق مناهضة التعذيب واتفاق مناهضة أنواع التمييز ضد المرأة كافة كما هو حال الكثير من بلدان المنطقة (ومنهم البحرين).
البحرين والمجتمع المدني
لمَ جاء اختيار البحرين لانطلاق هذه الحملة في المنطقة؟
- إن المنظمة ستقوم بالحملة في جميع البلدان، وأما بشأن البحرين فهي تتميز بحيوية المجتمع المدني والمنظمات الأهلية فيها خصوصاً المنظمات العاملة في شئون المرأة، ما شجعنا على دعم «مبادرة الشراكة» بيننا.
إن حيوية المجتمع المدني في البحرين ستساهم في إنجاح هذه الحملة، ولا بد من حماية هذا المجتمع المدني من أية انتكاسة لحقوق الإنسان.
تحدثت أن الحملة في البداية ستركز على الجانب الأسري والاجتماعي، هل ستتعرض الحملة في المراحل المتقدمة إلى الجانب السياسي كحق المرأة في المشاركة السياسية؟
- إننا الآن نتعرض إلى الجانب السياسي من ناحية التمييز وهو ما يمهد إلى ممارسة العنف ضدها، أما في المراحل المتقدمة فقد نتعرض إلى موضوعات أخرى، فالحملة ستتطور بحسب نتائجها.
كيف تنظرون إلى نظام «الكوتا» في تمثيل المرأة؟ هل غيابه تمييز ضدها أم العكس؟
- هذه المسألة فيها نقاش، وحتى المدافعين عن المرأة يختلفون في ذلك، والمبدأ العام هو أن لا تحرم المرأة من المشاركة في الحياة السياسية وأن لا يكون القانون أو الدستور معتمداً على التمييز ضد المرأة في المشاركة السياسية، كما أنه من الضروري أن تكون هذه التشريعات عادلة، فما يعطى للرجل يعطى للمرأة.
كيف تقيمون تعامل الدول العربية مع حقوق المرأة؟
- هناك تفاوت بين الدول في تعاملها مع حقوق المرأة، ونأمل أن تكون هذه الحملة دافعاً إلى تنمية قدرات المجتمع المدني.
السجينات والعاملات
هل ستشمل الحملة التطرق إلى أوضاع السجينات وكذلك العاملات وما قد يتعرضن إليه من عنف؟
- لقد وقع رصد ومتابعة ظاهرة العنف في مجال العمل وأماكن الاحتجاز ومراكز الشرطة والسجون، وهو ما قد تتعرض له الحملة فيما بعد إلا أن الظاهرة الأكثر انتشاراً الآن هي ظاهرة العنف ضد المرأة داخل الأسرة والمجتمع وفي أماكن النزاعات المسلحة.
إن تركيز الحملة على الجانب الأسري وأماكن النزاعات لا يعني عدم وجود الظاهرة في العمل أو أماكن الاحتجاز، ومنظمة العفو الدولية تعمل بشكل دائم ويومي على حماية المعتقلات خصوصاً معتقلات الرأي.
هل تنوون تشكيل مكتب أو ممثلية لكم في البحرين؟
- نحن الآن نعمل أولاً على تنمية العضوية (عضوية منظمة العفو الدولية)، وفي المستقبل قد يكون لنا فرع في البحرين
العدد 764 - الجمعة 08 أكتوبر 2004م الموافق 23 شعبان 1425هـ