العدد 774 - الإثنين 18 أكتوبر 2004م الموافق 04 رمضان 1425هـ

الاتحاد الأوروبي وليبيا... علاقة المصالح المتشابكة

المستشار الألماني غيرهارد شرودر رجل واقعي وإلمامه بالاقتصاد يفوق إلمامه بالسياسة. ولأنه يسعى جاهدا لحصول الشركات الألمانية على عقود تسهم في تحريك عجلة الاقتصاد في بلده، وجد أن الضرورة تتطلب عقد علاقات شخصية متينة مع بعض زعماء العالم حتى الذين هم معرض جدل. في الشهر الماضي وقف شرودر يدافع بصلابة عن علاقته الشخصية القوية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وسيدافع شرودر في المستقبل القريب عن الزيارة التي قام بها كأول مستشار ألماني إلى ليبيا. ألمانيا تحصل على النفط والغاز من روسيا وتنفذ مشروعات كبيرة في هذا البلد. وتأمل ألمانيا في الحصول على نصيب من العقود الليبية على رغم الشائعات التي تتكهن بأن الشركات الأميركية ستفوز بحصة الأسد. حين وصل شرودر إلى ليبيا قرر ترك الماضي وراءه. وحين فاتحه الزعيم الليبي معمر القذافي بعزم طرابلس مطالبة برلين تقديم تعويضات لمواطنيه الذين تضرروا من نتائج الحرب العالمية الثانية وخصوصاً أولئك الذين دفعوا الثمن غاليا نتيجة انتشار ألغام وضعتها قوات القائد الألماني الفيلد مارشال رومل في منطقة العلمين، ذكر شرودر القذافي بأنه ينبغي الآن طي الماضي والتطلع نحو المستقبل. وبما أن ألمانيا أهم مستورد للنفط الليبي في أوروبا - تشتري سنويا ما قيمته نصف مليار يورو من هذا النفط - فقد وجد شرودر أنه يتعين عليه عدم التأخر عن الذهاب إلى طرابلس للقاء القذافي وخصوصاً بعد أن مهد الأميركيون لذلك حين زار ليبيا وفد من مجلس الشيوخ الأميركي تبعها زيارة قام بها رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير وزيارتان متتاليتان لرئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني. وزيارة المستشار الألماني، أيضا تأتي بصورة اعتراف رسمي أوروبي بمسعى القذافي للعودة إلى الحظيرة الدولية. كما تدل الزيارة على تجاوب الغرب مع رغبة القذافي والاستعداد لمساعدته في تحقيق التحول الجديد الذي طرأ على موقف كل طرف نحو الآخر، مراعاة للمصالح الاقتصادية لكل منهما في المقام الأول. الأمر نفسه ينطبق على زيارة شرودر للجزائر حيث المصالح الاقتصادية في مقدمة اهتماماته.

ما يميز الزيارتين الخاطفتين إلى منطقة شمال إفريقيا أن شرودر أول مستشار ألماني زار ليبيا. ووجه دعوة للقذافي ليزور برلين حينما تسمح ظروفه بذلك. ويعتقد البعض أنها عائدة إلى اقتراح من وزير الدولة في عهد المستشار السابق هيلموت شميت، يورغين فيشنيفسكي نظرا لصداقاته القوية مع عدد من القادة العرب، فهذا الخبير في شئون الشرق الأوسط، زار ليبيا بعد أن تم التوصل إلى حل أزمتي لوكربي والطائرة الفرنسية التي انفجرت في أجواء النيجر، حمل إلى القذافي حينها رسالة شفوية من المستشار شرودر مفادها أن الأخير مستعد لزيارة ليبيا في حال تم طي صفحة لابيل العالقة. بعد ذلك بوقت قصير جرت مفاوضات في برلين بين ممثلي مصالح المتضررين في حادث تفجير المرقص الليلي في العام 1986 في برلين الغربية وممثلين ليبيين. وبعد طي صفحة لابيل لم يعد هناك ما يعوق زيارة المستشار الألماني إلى طرابلس. قبل ذلك بنحو عام فتحت برلين نافذة أمام ليبيا من خلال استضافة معرض للوحات الفن التشكيلي لسيف الإسلام القذافي نجل الزعيم الليبي الذي ترشحه الشائعات لخلافة والده.

سجل القذافي عند الألمان طويل. فقد كان بالنسبة لبرلين أحد أبرز قادة ما يسمى بالعالم الثالث عداء للغرب. وكانت ليبيا في عهد الملك السابق إدريس السنوسي الذي أطاح به القذافي في العام 1969، بلدا جذابا للألمان. ثم وقفت ألمانيا في صف الولايات المتحدة حين وضعت الأخيرة القذافي على قائمة الأعداء وسعت في العام 1986 إلى قتله بعد انفجار عبوة ناسفة في ملهى لابيل وتم اتهام المخابرات الليبية بالتخطيط للحادث. وغالبا ما وجهت أصابع الاتهام إلى شركات ألمانية عملت في تزويد الليبيين بالتقنية اللازمة لإنتاج أسلحة الدمار الشامل. وكانت الولايات المتحدة و«إسرائيل» اتهمتا شركات ألمانية ببناء مصنع (الرابطة) في عقد الثمانينات لغرض إنتاج الغاز السام. بعد هجوم الحادي عشر من سبتمبر العام 2001 حصل تحول في موقف القذافي الذي تنصل في الغضون من الإرهاب ومن القومية العربية ولم يجد حظ الزعامة حين لجأ إلى زملائه الأفارقة وقرر في الختام السير مع الأقوياء: الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة. أحست ألمانيا بهذا التحول حين توسطت ليبيا في عملية رهائن جزيرة خولو في الفلبين ودفعت 25 مليون دولار لجماعة أبي سياف لقاء الإفراج عن الرهائن الغربيين وبينهم ثلاثة من أسرة ألمانية. شكرت ألمانيا القيادة الليبية على هذه البادرة. تبعها إعلان القذافي التخلي عن أسلحة الدمار الشامل ثم اكتشف الأوروبيون تحت ضغط أفواج اللاجئين الأفارقة القادمين عبر البحر إلى أراضيهم أنه بوسع ليبيا مساعدتهم، وحصلوا على قبول. ويرغب أوتو شيلي وزير الداخلية الألماني أن يجري إقامة مخيمات في دول شمال إفريقيا لإيواء اللاجئين الأفارقة بدلا من دخولهم الأراضي الأوروبية. ويقول شيلي ان موظفين تابعين لشئون اللجوء سيدرسون كل حالة على حدة. ويعتقد المراقبون أن الأوروبيين يريدون استخدام دول شمال إفريقيا لسد باب اللجوء كليا بوجوه الأفارقة. كما تبين للغرب تطور بالغ الأهمية يكمن في تعاون القذافي مع دول الغرب في مكافحة الإرهاب. وقد ضرب القذافي الإخوان المسلمين في بلده بيد فولاذية. لهذا فإن زيارات أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي ورؤساء حكومات بريطانيا وإيطاليا وألمانيا تعتبر مكافأة للقذافي على نهجه الجديد. أصبحت هناك مصالح مشتركة بين ليبيا والأوروبيين: وضع حد لغزو اللاجئين عبر مياه البحر المتوسط وتطوير صناعة النفط الليبية كما تريد ألمانيا دعم ليبيا لمسعاها في الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي. وتعتزم ليبيا بدورها ترشيح نفسها للفوز نيابة عن إفريقيا بمقعد دائم في مجلس الأمن الدولي. واستعجلت إيطاليا الاتحاد الأوروبي كي يرفع حظر بيع السلاح لليبيا لأن إيطاليا زودت البحرية الليبية بمعدات متطورة لتمكينها من اعتراض السفن المحملة باللاجئين قبل وصولهم المياه الإيطالية. وهذه هي المهمة التي يعول على ليبيا القيام بها في المستقبل القريب كي تنجح مساعي أوروبا في سد باب اللجوء بوجوه اللاجئين الأفارقة. وهكذا يكون وزير الداخلية الألماني نفذ قوله الذي جاء فيه: ينبغي حل مشكلات إفريقيا على أرض إفريقية. أما زيارة المستشار إلى الجزائر فإنها اقتصادية بصورة رئيسية. بالتأكيد طلب شرودر من الرئيس بوتفليقة تأييد مسعى ألمانيا للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي. تحتل الجزائر المرتبة الثامنة على قائمة مصدري النفط لألمانيا. فالشريك التجاري الأول للجزائر، المستعمر السابق فرنسا مثلما المستعمر السابق إيطاليا الشريك التجاري الأول لليبيا. يعتقد المستشار الألماني أن فرصة الشركات الألمانية تكمن في عزم الجزائر تحديث بنيتها الاقتصادية وكانت ألمانيا الشرقية أهم مصدر للمكائن للجزائر وهذه المكائن مهترئة. عوضا عن ذلك يريد الاتحاد الأوروبي زيادة مساهمته في تحسين الاقتصاد الجزائري لوقاية حدوده من هجرة غير مرغوب بها. ثلثا الجزائريين تحت سن الـ 30 وثلثهم من دون وظيفة عمل يحلمون بالهجرة إلى أوروبا

العدد 774 - الإثنين 18 أكتوبر 2004م الموافق 04 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً