بطبيعة الحال أنا (وأعوذ بالله من كلمة أنا) شخص واقعي، لا أميل كثيرا إلى الأحلام وإن كنت من رواد أحلام اليقظة، إلا أنني أحلم بواقعية حتى أتمكن من تحقيقها، فهذا جهد كذلك من الصعوبة بمكان أن نخسره وهو الوقت الذي قضيناه في التفكير والبحث والاضطراب في دقات القلب عند بلوغ الانتصار حتى في أثناء الحلم، فما بالك من فرحة ستصل إليها عند تحقيقك لحلمك على أرض الواقع، إلا أن الحال التي وصلت إليها بعض الدوائر الحكومية من بيروقراطية رهيبة مهينة لمراجعيها لا يمكن السكوت عنها.
ولأكون أكثر واقعية - وكما تعلمت من مديرنا الفاضل أن أدخل دائما في التفاصيل - سأسرد لكم واحدة فقط من هذه الحالات التي تغص بها غالبية الوزارات الخدمية إن لم تكن كلها. مثالي هنا حلم الدخول على رئيس قسم الاستخدام في وزارة العمل والشئون الاجتماعية، من هنا أنا لا أختلف على كون هذا الرجل مخلصا ويعمل ما بوسعه من أجل إنجاز الأعمال والمسئوليات المنوطة به فهذا واجبه، ولكن أن تصل إليه وتعرض قضيتك عليه شيء من الصعوبة لا يتصوره عاقل، يبدأ دوامه بالأعمال الإدارية في مكتبه وبعدها يتم استقبال المراجعين على كونتر خاص أعده بعد الباب الأول من الدخول على سكرتارية مكتبه، وأعرف أنه اختصار للوقت يكون إنجاز العمل (وقيفي)، بمصاحبة رجل الشرطة وليس رجل أمن آخر!
تعال وخذ لك نظرة على العشرات من المراجعين الذين يلعبون الكراسي المتحركة للوصول الى باب الرئيس وغير تلك الجموع المتجمعة على الباب وكأنهم عند الخباز قبل الفطور بربع ساعة! ولا ننسى طبعا خروجه من المكتب (في أثناء المواعيد المحددة لمقابلات المراجعين) متجها إلى مكتب الوكيل تارة والى مكتب المدير تارة وفي اجتماع طارئ تارة أخرى والله العالم هل يرجع أو لا، وكأن الناس الذين ينتظرون عند المكتب غير موجودين أو أنهم...!
ولكم ان تتخيلوا بعد هذا العناء كله، يصدر قرار جائر يمنع المراجعين اي كانوا ان يقابلوا هذا المسئول ويطلب الرجوع بطلباتهم إلى موظفي الكونتر الذين هم أساساً مساكين لا صلاحية لهم غير تدخيل البيانات!!
هذا ولم أكلمكم عن المديرين الذين يلاحقون الوزير وكأنه معرس في زفة، كله حامل بشته ورايح من مجلس إلى مجلس ومن واجب الى مستحب ومن حفل استقبال في المكتب الى استقبال في المطار وكله على شان لا يزعل سعادة الوزير ويحس أنه أقل مستوى من الوزراء الآخرين، تاركين مكاتبهم ومراجعيهم على سكرتيراتهم بأجوبة روتينية منها أكتب رسالة والمدير في اجتماع»!
سؤالي هنا: هل هذه هي التسهيلات التي توفرها الوزارات والإدارات الحكومية للمراجعين؟، وأخال أني فهمت الموضوع خطأ عندما فهمت أن التسهيلات هي أن تتم المعاملات بأسرع ما يمكن ويتم اختصار الكونترات ليتم إنجاز المعاملة على يد الموظف الذي أمامك فهو الشخص المخول بتسلم الطلب وإعطاء الوصولات وتسلم المبالغ وإصدار الشهادات... ولكم مثال ليس ببعيد هو مكتب خدمات المستثمرين التابع لوزارة التجارة والواقع في مجمع السيف، هلا أخذنا موظفي الإدارات الخدماتية الثانية لزيارات أو دورات في هذا القسم ليتعلموا معنى «التسهيلات للمراجعين»؟
العدد 776 - الأربعاء 20 أكتوبر 2004م الموافق 06 رمضان 1425هـ