تقود إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما حملة واسعة خلف الكواليس لإقناع الشركات الأجنبية بأن التعامل مع إيران التي تتزايد عزلتها أصبح محفوفاً بمخاطر سياسية كبيرة.
وعلى الصعيد العالمي تضغط الولايات المتحدة وحلفاؤها بقوة من أجل فرض عقوبات جديدة على إيران بسبب برنامجها النووي. وبعيداً عن الأنظار العامة أرسلت الولايات المتحدة مسئولا كبيراً بالخزانة إلى عدة عواصم أجنبية لإجراء محادثات مع حكومات ومسئولين بجهات تنظيمية مالية وبنوك وقادة أعمال.
ويحمل ستيوارت ليفي وكيل وزارة الخزانة الأميركية للاستخبارات المالية ومكافحة الإرهاب معلومات استخباراتية أميركية بشأن سيطرة الحرس الثوري الإيراني القوي على قطاع متنام من الاقتصاد الإيراني وتأسيسه لشركات وهمية تكون مجرد واجهة في محاولة لتفادي العقوبات.
وتأتي مهمة ليفي في إطار جهود أميركية على عدة محاور لتضييق الخناق على إيران تسير بالتوازي مع الحملة الأميركية لاستصدار عقوبات جديدة من الأمم المتحدة.
ونجح ليفي - وهو محام سابق جرى تعيينه بالوزارة العام 2004 - في إقناع بنوك أجنبية بقطع علاقاتها مع إيران. وهو الآن يوسع نطاق مهمته ليشمل مزودي الخدمات وشركات التأمين والتصنيع.
وقال ليفي لـ «رويترز» في مقابلة «نعتبر مجتمع الأعمال حليفاً لنا ونتحدث إليهم على هذا الأساس. لدينا معلومات عن سلوك إيراني غير مشروع ونتيح لهم ميزة الاطلاع على وجهة نظرنا ليمكنهم تقييم المخاطر التي يواجهونها بشكل أفضل».
ومنذ مارس/ آذار الماضي أعلنت عدة شركات اعتزامها قطع أو تعليق أو تخفيض حجم علاقاتها مع إيران من بينها شركات النفط العملاقة «ايني» و «لوك أويل» و «رويال داتش شل» و شركة التكرير الهندية «ريلاينس اندستريز» وشركة معدات الإنشاءات والتعدين الأميركية «كاتربيلر» وشركة السيارات الفاخرة الألمانية «دايملر».
كما أعلنت شركات المحاسبة العملاقة «كيه.بي.ام.جي وبرايس ووتر هاوس كوبرز وارنست اند يونج» أن ليس لها أية تعاملات مع إيران.
وكشف مكتب المحاسبة الحكومي الأميركي يوم الأربعاء عن أسماء سبع شركات أجنبية عملت في قطاع الطاقة الإيراني بين عامي 2005 و2009 كانت قد حصلت على عقود من الحكومة الأميركية. ولم يحقق المكتب فيما إذا كانت تلك الشركات قد انتهكت أي قوانين في تعاملاتها مع إيران.
وقال الشريك المقيم في لندن، فيليب روتشي لفريق لفض نزاعات الشحن وإدارة المخاطر بمؤسسة نورتون روز للمحاماة «هناك موجة معارضة للأنشطة تجارية مع إيران وبدأ الأمر يصبح صعباً لجميع الأطراف المعنية».
ومن الصعب تقييم الأثر الاقتصادي لخفض الشركات أعمالها في إيران. ويقول خبراء إن ذلك التأثير يختلف حسب نوع النشاط التجاري لكن مسئولين أميركيين يقولون إن التحرك الجماعي له أثر ملموس.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، مايك هامر «نتيجة جهودنا لفرض عقوبات إضافية متعددة الأطراف على إيران بالإضافة إلى عناد إيران فقد بدأ عدد متزايد من الشركات الدولية يتوصل للنتيجة الصحيحة وهي أن التعامل مع إيران محفوف بمخاطر عالية وأعلن الانسحاب منها».
وتزعم الحكومة الأميركية أنها لم يكن لها دور مباشر في موجة إعلانات الشركات قطع علاقاتها مع إيران، لكن محلل أسهم ألماني قال إنه يعتقد أن قرار مجموعة سيمنس الهندسية الألمانية في يناير/ كانون الثاني عدم قبول أي طلبات جديدة من إيران يرجع - جزئياً على الأقل - لضغوط حكومية.
لكن ليفي يصور نفسه بأنه مجرد مبعوث وينفي تعرض الشركات لأي ضغوط للاستجابة لرغبات واشنطن من خلال تهديدات بإجراءات عقابية.
وقال «يعتقد البعض أننا نلوي ذراع الآخرين لكننا لا نفعل ذلك. أحد التغيرات التي حدثت هو وجود وعي متزايد بالدور الذي يلعبه الحرس الثوري في الاقتصاد الإيراني».
لكن الشركات عليها أيضاً أن تأخذ في اعتبارها التسويات الضخمة التي وافق عليها بنكا لويدز تي.اس.بي البريطاني وكريدي سويس السويسري في ديسمبر بعد اتهامهما بانتهاك قوانين أميركية بالتعامل مع دول مثل إيران.
غير أن قرار شركات مثل كاتربيلر توجيه وحداتها غير الأميركية لعدم بيع بضائع لإيران سيكون له تأثير محدود، فالشركة كما أوضحت لا يمكنها منع بيع منتجاتها في السوق الثانوية.
وقال خبير الشئون الإيرانية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن فاريبورز غادار إن الشركات المنافسة يمكن أيضاً أن تتقدم لملء الفراغ الذي تتركه الشركات التي تقطع علاقاتها مع إيران.
لكنه أضاف أن قرار كبرى شركات النفط قطع علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية له تأثير مدمر. ورغم امتلاك إيران ثالث أكبر احتياطيات نفطية في العالم إلا إنها تحتاج بشدة للاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة لرفع طاقتها التكريرية. وليس ليفي هو الوحيد الذي يخاطب الشركات.
وأطلقت جماعة الضغط «متحدون ضد إيران نووية» في نيويورك التي تمتلك قاعدة بيانات بأسماء الشركات التي تتعامل مع إيران حملة كتابة رسائل تحث تلك الشركات على قطع علاقاتها مع طهران.
وقال رئيس الجماعة الذي كان يشغل منصب سفير في عهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، مارك والاس «إذا انسحبت عشر أو 15 أو 20 شركة متعددة الجنسيات من إيران فسيدفع ذلك اقتصادها للتراجع».
ويحذر محللون من أن الضغط الزائد على الاقتصاد الإيراني قد يأتي بآثار عكسية إذ سيمنح الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد مبرراً للمشكلات التي يعاني منها الاقتصاد الإيراني حالياً.
ورد ليفي على ذلك قائلاً «هدفنا الأشمل ليس القضاء على جميع أشكال النشاط الاقتصادي الإيرانية ... مهمتي هي صياغة الإجراءات التي تؤتي الأثر المرجو على الحكومة الإيرانية دون التأثير على المواطن الإيراني العادي بدرجة كبيرة». لكنه أضاف «من الصعب أن يتم ذلك بدقة».
العدد 2808 - الجمعة 14 مايو 2010م الموافق 29 جمادى الأولى 1431هـ