العدد 800 - السبت 13 نوفمبر 2004م الموافق 30 رمضان 1425هـ

زعيم ورمز لكنه «عقبة» أزيحت من أمام السلام

شغلت الصحف الغربية على نحو لافت وباهتمام كبير بوفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، إذ أجمعت الصحف الأميركية على أن «عقبة» أزيحت من أمام السلام في منطقة الشرق الأوسط، واعتبرت أن لا مبررات اليوم للأميركيين الذين باتوا يملكون الفرصة والخطة والهدف. وأجمعت الصحف الفرنسية أيضا على أن موت عرفات أفقد أميركا و«إسرائيل» الذريعة لرفض استئناف المفاوضات.

لكن الصحف البريطانية اعتبرت انه «لا يجب نسيان إنجازات عرفات». وطالب الجميع واشنطن بأن تضمن اختيار خليفة لعرفات عبر انتخابات حرة وديمقراطية وشفافة تحضيرا لاستئناف محادثات السلام، ولكن البارز في الصحف الأميركية مقالان، الأول لأحد الرؤساء الأميركيين السابقين هو جيمي كارتر والآخر كتبه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني. إذ أكد الأول أن عرفات زعيم وقائد ورمز خدم شعبه بإخلاص، وحمّل أيضا الرئيس جورج بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون مسئولية تجاهل عملية السلام، وأكد انه في حال برز خليفة محترم لعرفات يختاره الفلسطينيون وليس الأميركيون أو الإسرائيليون فإن ذلك سيشكل فرصة لإحياء مفاوضات السلام. أما الملك عبدالله فرأى أن الرحيل المحزن شكل فرصة جديدة لتكريم ميراث الرئيس الفلسطيني عبر سلوك مسار السلام في منطقة لاتزال تشهد سيلا من الدماء، وأقر بأنه من أجل تحقيق السلام الدائم يجب أن تكون «إسرائيل» جزءاً لا يتجزأ من المنطقة ككل من المغرب حتى اليمن. وجاءت افتتاحية «واشنطن بوست» تحت عنوان «ياسر عرفات»، والتي رأت صحة القول بأن عرفات كان يجسد القضية الفلسطينية غير أن ذلك ليس عادلا بالنسبة للمسئولين الذين تركهم وراءه. وأوضحت أن فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة هم من أكثر الناس في الشرق الأوسط ثقافة ووعيا وإلماما بالشأن السياسي، فالأراضي الفلسطينية تعج بعناصر قادرة على إقامة دولة ديمقراطية ومسالمة. وإذ أقرت أن عرفات قام بالكثير من أجل تعزيز الهوية الوطنية الفلسطينية ووضع القضية الفلسطينية في مركز الاهتمام العالمي، فإنها اعتبرت انه «سمم» حركته بـ «الإرهاب» وعبر رفضه التوصل إلى تسوية مع «إسرائيل». وأضافت انه على عكس مناصريه كان عرفات «أوتوقراطيا» و«فاسدا» و«مخادعا» وغير مستعد لتقبل وجود «إسرائيل». وعلى رغم ملاحظتها أن رحيله تسبب بفاجعة للفلسطينيين فإنها زعمت انه أزاح العقبة الرئيسية في وجه تحقيق السيادة الفلسطينية. وختمت بأن اختيار الفلسطينيين بين الانزلاق في الفوضى بعد عرفات أو إجراء انتخابات نزيهة لاختيار خليفة للرئيس، يحدده أسلوب تعامل الولايات المتحدة و«إسرائيل» والدول العربية مع وفاة عرفات. ورأت «نيويورك تايمز» في افتتاحيتها انه مع رحيل عرفات أزيلت كل التبريرات لعدم استئناف محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لافتة إلى أن شارون وبوش لن يستطيعا من الآن فصاعدا تبرير تخليهما عن العملية السلمية بحجة وجود ياسر عرفات على رأس السلطة الفلسطينية. وبالتالي فلن يكون بإمكان الفلسطينيين أن يستغلوا عناد أميركا و«إسرائيل» لمواصلة الانتفاضة. واعتبرت أن ولادة قيادة فلسطينية جديدة مستعدة للتفاوض مع شارون فرصة لن تتكرر. لذلك رأت «نيويورك تايمز» انه يجب على واشنطن أن تضمن اختيار خليفة لعرفات عبر انتخابات حرة وديمقراطية وشفافة تحضيرا لاستئناف محادثات السلام. ودعت الإسرائيليين إلى منح الصدقية للإصلاحيين الفلسطينيين داخل السلطة من خلال تجميد الاستيطان والمباشرة بالانسحاب من غزة. وأشار جيمي كارتر في«نيويورك تايمز» إلى أن عرفات كان طوال الأربعين عاما قائدا بلا منازع للمجتمع الفلسطيني المشرذم والمشتت ورمزا للقضية وعامل توحيد للفصائل الفلسطينية المختلفة. ورأى انه كان من الصعب التعامل مع عرفات من أجل الحصول على موقف فلسطيني واضح، لأن الرئيس الفلسطيني كان شديد الحذر في عدم اتخاذ موقف نهائي خوفا من إثارة معارضة المجموعات الفلسطينية. وأكد انه في حال برز خليفة محترم لعرفات فإن ذلك سيشكل فرصة لإحياء مفاوضات السلام. لكن الملك عبد الله الثاني كتب في مقالة تحت عنوان «الطريق من هنا» اعتبر خلالها أن رحيل الرئيس الفلسطيني على رغم انه لحظة مفجعة في التاريخ يوفر أملا بتحقيق السلام في المنطقة، لافتا إلى أنه على مستوى الصراع العربي الإسرائيلي فإن مثل هذه اللحظات قد حلت الآن. ورأى عبدالله الثاني انه من أجل تحقيق السلام الدائم يجب أن تكون «إسرائيل» جزءاً لا يتجزأ من المنطقة ككل من المغرب حتى اليمن. غير انه شدد على أن هذا الأمر يعتمد على إقامة دولة فلسطينية يكون شعبها قادرا على العيش بكرامة. غير أن العاهل الأردني لفت إلى أنه على رغم أن دوامة العنف التي تشهدها الأراضي الفلسطينية قد قوضت العملية السلمية إلا أن المنطقة تشهد فرصا جديدة للسلام. وأوضح انه على الجانب الفلسطيني هناك فرصة جديدة لأن تسير القيادة الجديدة قدما نحو إقامة دولة مستقلة وقابلة للحياة عبر تنفيذ الإصلاحات داخل السلطة الفلسطينية وعلى مستوى أجهزة الأمن. ووصفت «غارديان» في افتتاحيتها عرفات بأنه قائد فلسطيني كان طوال أربع سنوات سجين الجيش الإسرائيلي بين أنقاض مقره في رام الله. مشيرة إلى أنه على رغم أن الرئيس الفلسطيني فقد بعضا من مكانته الرمزية في نظر شعبه إلا أن الفلسطينيين جميعا وحتى خصومه يحزنون لرحيله. وأضافت أن ميراث عرفات متناقض بعض الشيء، فهو لم ينجح في إيصال شعبه إلى الأرض الموعودة، لكنها حملت المسئولية أيضا القوة الإسرائيلية والانشغال الأميركي والانقسامات العربية وتراخي الفلسطينيين ساهمت أيضا في ذلك. غير أنها رأت أن العالم سيذكر جيدا الإنجازات الكبيرة التي حققها عرفات في حياته. وأشار في هذا السياق إلى ان انتفاضة الحجارة حققت للفلسطينيين أكثر مما حققته العقود الطويلة من النزاع المسلح وأدت في النهاية إلى اتفاق أوسلو واللحظة الخالدة في التاريخ الفلسطيني أي المصافحة الشهيرة التي تمت بين عرفات واسحق رابين. ورأت «لوموند» في افتتاحيتها المعنونة «ما بعد عرفات» ان رحيله أفقد واشنطن وتل أبيب الذريعة لرفض استئناف المفاوضات. غير ان الصحيفة لم تكن متفائلة كثيرا فلفتت إلى انه إذا نفذت المنظمات الفلسطينية مثل «حماس» و«كتائب شهداء الأقصى» تهديدها بمواصلة العمليات المسلحة فإن ذلك سيدفع «إسرائيل» إلى مواصلة اللجوء إلى السياسة القمعية وستؤدي بالتالي إلى تقويض فرص استئناف الحوار بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. لذلك رأت أنهما يحتاجان إلى دعم المجتمع الدولي نظراً للوضع الصعب على الجانبين. فشارون يواجه صعوبات في إطار حشد الدعم لخطة الفصل من جهة والقيادة الفلسطينية تجد نفسها في وضع دقيق بعد رحيل عرفات من جهة أخرى. غير انها استدركت انه من الأهم أن يتوافر على الجانب الإسرائيلي كما على الجانب الفلسطيني مسئولون سياسيون يؤمنون بصدق بضرورة التوصل إلى تسوية ويملكون الشجاعة لفرض أي اتفاق على شعبيهما

العدد 800 - السبت 13 نوفمبر 2004م الموافق 30 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً