شغل الإعلام العربي والغربي تعيين الرئيس الأميركي جورج بوش مستشارته لشئون الأمن القومي كونداليزا رايس وزيرة للخارجية خلفاً لكولن باول الذي أعلن استقالته الاثنين الماضي، منهياً أربع سنوات من المواجهات مع نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد على خلفية مسار السياسة الخارجية.
فسجلت افتتاحيات الصحف العربية مخاوفها من مغادرة باول موقعه وأجمعت على أن استقالته تشكل انتصاراً لخط الصقور في الإدارة الأميركية خلال الولاية الثانية لبوش في البيت الأبيض وتوقعت المزيد من التشدد تجاه المنطقة مع تعويم أصدقاء «إسرائيل» أكثر فأكثر في مركز القرار في أميركا.
وأجمعت الصحف الأميركية على الإشادة بأخلاقيات باول. وأكدت على أن فشل الإدارة الأميركية في الملف العراقي يعود لعدم استماع بوش لباول المعتدل. وذكرت جميعها بموقف باول أمام مجلس الأمن حين عرض الأدلة على وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق. كما اعتبرت رحيل باول وبقاء المسئولين عن إخفاقات الإدارة في الحرب على العراق وعن فضائح أبوغريب وغوانتنامو، دليلاً على غياب سياسة المحاسبة في إدارة بوش.
وأجمع المعلقون على أن تعيين رايس يشكل دليلاً على أن إدارة بوش ستلتزم خط اليمين في المرحلة المقبلة. من جانبها الصحف العبرية، أعربت عن ارتياحها لرحيل باول وذكرت بالخلافات بينه وبين خصومه الصقور. وقالت إن ما يعزز الشعور بالارتياح الكبير هو حقيقة أن المرشحين هم من أعز أصدقاء «إسرائيل». وتوقعت أن أكثر ما ستطلبه رايس من تل أبيب أن تفي التزامها وقف النشاط الاستيطاني وتفكيك البؤر الاستيطانية العشوائية.
وسألت «الوطن» السعودية، عن أي مستقبل قاتم ينتظره العالم في ظل هذه الحفنة اليمينية المتطرفة التي تتحكم في السياسة الأميركية؟! ولفتت إلى أن رايس خليفة باول كشفت عن مستقبل السياسة الأميركية في المنطقة عندما قالت: «إن تحرير العراق هو مقدمة لتحرير العالم الإسلامي». لكن «الرياض»، رأت أن أميركا تفكر على مستوى مصالحها، لكن العرب هم من يفكر بمن يصعد وينزل، وهم مجرد متفرجين، وهذا ما يجعلنا على قناعة أن باول لم يكن سداً ضد المتشددين الأميركان وإنما رجل هدنة أراد أن يحافظ على توازنه النفسي والوظيفي دون أن يعطي للعرب إلا بعض المجاملات. وأملت «الجمهورية» أن تبدد استقالة باول أوهام بعض العرب ممن يعتقدون بإمكان تبرع الإدارة الأميركية القديمة الجديدة بتخفيف ضرباتها الموجعة على «الخد» العربي.
وأكدت أن الكرة الآن في الملعب العربي بعد أن تحددت السياسة الأميركية الحديدية في المنطقة بما لا يقبل الشك من مخادع أو مكابر أو مقامر. وقالت: «لو اتحد العرب سيتغير العالم ولكن البعض منهم يستصغرون شأنهم أمام تكبر أعدائهم ويبددون إمكاناتهم لصالح خصومهم ثم يبكون على الأطلال». ورأى رئيس تحرير «السفير» اللبنانية، جوزيف سماحة أن الاستقالة لا تعني، في المدى المنظور، إلا انزياح مركز الثقل في الإدارة نحو اليمين. معتبراً أن باول رجل يقال فيه أن أفضل ميزاته اختلافه مع الرئيس وأسوأ عيوبه طاعة الرئيس. كان الرجل الأكثر صدقية واحتراماً وشعبية في إدارة بوش الأولى. وإذ أكد أن صورة الإدارة الجديدة لم تكتمل بعد، رجح أن نشهد تغييرات لاحقة. لكنه أكد أن ديك تشيني باق إلا إذا أودى به مرض ما.
ويعني ذلك أن غياب باول سيقود إلى اختلال عميق في موازين القوى لصالح الخط الذي يمثله نائب الرئيس، والذي يرعى، ولو من دون أن يتبنى، «المحافظين الجدد» والاطروحات التي يملأون بها الفراغ الإيديولوجي للإدارة. وختم معتبراً أن رايس ليست وازنة حيال تشيني حتى لو حصلت تشكيلات إضافية. وانتقدت سحر بعاصيري في «النهار» البيروتية، طريقة تعاطي وسائل الإعلام الأميركية مع وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. وأوردت عينة من التعليقات والملاحظات. وأكدت أن استفحال العنصرية في أميركا حيال الفلسطينيين خصوصاً والعرب عموماً هو الواقع اليوم. معتبرة ان هذا من نتائج سياسة إدارة بوش.
فرأت بعاصيري، انه من المناسب أن يوضع كل هذا برسم كونداليزا رايس وهي تتهيأ للانتقال من موقع مستشارة الرئيس للأمن القومي إلى وزيرة للخارجية. وسألت ساخرة ماذا ستفعل؟ وكتبت «نيويورك تايمز» بشأن ما وصفته بأنه الجندي المثالي الذي بقي وفياً لرؤسائه حتى آخر لحظة. ولفتت إلى أن العالم سيذكر باول كثيراً وخصوصاً في مداخلته الشهيرة أمام مجلس الأمن عن مخازن الأسلحة العراقية والتي أكد خلالها أنها تعتمد على معلومات استخباراتية دقيقة ولكن الذي تبين انها بعيدة كل البعد عن الحقيقة.
غير أن الصحيفة برأت باول من المسئولية في تلفيق المعلومات بشأن الأسلحة العراقية لافتة إلى ان الوزير السابق لم يكن يلعب دوراً فاعلاً على مستوى دائرة القرار في إدارة بوش. وأوضحت أن معظم ما كتب بشأن شن الحرب على العراق أظهر أن باول كان قلقاً جداً من التخطيط لتلك الحرب وتوقيتها من جهة ومعارضة أوروبا لها من جهة أخرى. ووصفت «واشنطن بوست» في افتتاحيتها كولن باول بأنه جندي مخلص بذل كل ما في وسعه لتنفيذ سياسات رئيسه حتى لو كانت تتعارض مع قناعاته الشخصية.
وأشارت إلى أن أبرز محطة في حياة باول كانت مثوله أمام مجلس الأمن ومناظرته بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية التي تبين في ما بعد أنها استندت إلى معلومات استخباراتية ملفقة. غير انها أكدت انه طوال الأربع سنوات كان باول مجنداً في صفوف إدارة بوش أكثر منه منشقاً عنها. كذلك علق وليام سافير في «نيويورك تايمز» على القضية. فعبر عن مفاجأته لاستقالة باول الآن فهو كان يتوقع أن ينتظر وزير الخارجية بضعة أشهر لعل وفاة عرفات تمنحه الفرصة لتحريك المسار الدبلوماسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
غير انه استدرك بأن باول ربما افترض ان الفلسطينيين بعيدون كل البعد عن السيطرة على «حماس» وانه أياً تكن القيادة الفلسطينية الجديدة فإن عدم وضع حد للعنف لن يساهم في إحياء العملية التفاوضية. أما تعيين رايس فاعتبره سافير دليلاً على أن إدارة بوش ستلتزم خط اليمين في المرحلة المقبلة. ولكن على صعيد أداء رايس فتوقع أن تكون الوزيرة الجديدة لاعبة أساسية على صعيد السياسة الخارجية. وكتبت «يديعوت أحرونوت» ان باول ينصرف إلى بيته لكن «إسرائيل» ليست قلقة من استقالته لأن المرشحين لخلافته أي رايس والسفير جون دانفورث من أعز أصدقائها.
وأضافت انه تحفظ عن موقف بوش الداعم بشكل مطلق لـ «إسرائيل» فاصطدم جراء ذلك بالمحافظين الجدد وقالت إن باول كان يتمنى أن تلعب واشنطن دور الوسيط النزيه في النزاع العربي - الإسرائيلي ورأى ان انحياز بوش التام للدولة العبرية تسبب في ضرر بالغ لمكانة واشنطن في العالم العربي. ولفتت إلى العلاقة الحميمة التي تربط رايس بالمستشار الخاص لرئيس الحكومة الإسرائيلية دوف فيسغلاس والى الدور الذي لعبته في صوغ رسالة الضمانات الأميركية لـ «إسرائيل» في إبريل/ نيسان الماضي
العدد 805 - الخميس 18 نوفمبر 2004م الموافق 05 شوال 1425هـ