استحوذ اهتمام الصحف العربية الحادث الذي شهدته الحدود المصرية - الفلسطينية، الذي عد الأخطر من نوعه منذ توقيع معاهدة كامب ديفيد 1979، فالحادث الذي أدى إلى استشهاد ثلاثة مجندين مصريين داخل الأراضي المصرية بنيران جنود إسرائيليين أثار مخاوف المراقبين من انعكاسات سلبية على أي دور أمني مصري في قطاع غزة مستقبلا، أما الاعتذار الذي قدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون للرئيس المصري حسني مبارك فاعتبر إهانة لشعب مصر. و«محاولة تجميل الوجه القبيح ولمسات الاعتذار هنا وفتح تحقيق هناك لن تغير من الحقيقة والواقع شيئا، كل الغزاة قتلة وكلهم أشرار»، كما تقول افتتاحية أردنية.
من جهة أخرى رفضت أكثر من افتتاحية في الصحف العربية الشروط الجديدة لشارون على القيادة الفلسطينية الجديدة التي خلفت الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات لوقف التحريض على «إسرائيل» اختبارا نيات الفلسطينيين قبل العودة إلى المفاوضات. فشارون مطالب أولا وقبل أن يتوجه إلى الفلسطينيين بأية مطالب بوقف العدوان على الشعب الفلسطيني تقول «الجمهورية» وتؤكد «الراية» أن شارون يدرك أيضا أن «خريطة الطريق» التي وضعها في الثلاجة، تنص على وقف متبادل للتحريض بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وعليه أن لا يضع العربة أمام الحصان!.
ودعت افتتاحية «الأهرام»، الحكومة الإسرائيلية للتوقف عن طرح شروط ومطالب جديدة على القيادة الفلسطينية، مثل الحديث عن وقف التحريض لأن مثل هذه المطالب ستقود إلى تعقيد الموقف وتكون بمثابة رسالة سلبية للغاية تجاه القيادة الفلسطينية والفصائل المختلفة. فالمهم أن يدرك الجميع أن المسئوليات مشتركة ومتبادلة. ولاحظت أن القيادة الفلسطينية تبذل جهودا مكثفة من أجل إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، على النحو الذي يساعد في الوصول إلى اتفاق مشترك بين السلطة والفصائل الفلسطينية المختلفة للتعامل الايجابي مع خطط التهدئة تمهيدا لاستئناف المفاوضات.
وانتقدت في سياق افتتاحيتها ما طرحه بوش أمام رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير، من ان قيام الدولة لن يكون ممكنا قبل 2009 معتبرة ان هذا التأخير سيؤدي إلى تأثيرات سلبية للغاية على الجانب الفلسطيني. ورأت «الوطن»، استنادا إلى الحوارات التي يجريها محمود عباس، مع الفصائل الفلسطينية كافة أن الرجل الذي تعرض لمحاولة اغتيال في سرادق العزاء في غزة، لا يريد الدخول في معركة كسر عظم مع أحد، وكذلك لا يريد التخلي عن الدور المفترض أن يلعبه من يتبوأ منصبه. فهو يبلغ الجميع أن لديه مشروعا سياسيا يقود إلى إقامة الدولة الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية.
وإذ اعتبرت أن من ينقل كلام أبومازن يوحي أن المسئول الفلسطيني يسعى إلى المناورة، إلا أنها رأت أن الواقعية تؤكد أن من يحتل منصب رئيس اللجنة التنفيذية، وتاليا رئاسة السلطة لا يمكن أن يتغاضى عما يشعر به كل فلسطيني داخل أراضي السلطة أو في مخيمات الشتات، وهو التمسك بالمبادئ التي قامت عليها المقاومة الفلسطينية قبل حوالي أربعين سنة، ومنذ اغتصاب فلسطين عام 1948. فلا يمكن لأبو مازن أو أبو علاء، أو غيرهما ممن ساهموا في صنع أوسلو أن يقفزوا فوق الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني وخصوصاً حق إقامة الدولة وعاصمتها القدس وحق العودة. ومن هنا يبدو ما ينقل عن أبو مازن محقا وصحيحا وواقعيا.
من جانبها، «القدس العربي» التي تصدر من لندن، رجحت أن يتضاعف التحريض الفلسطيني على المقاومة في هذه المرحلة بالذات التي يتأهب فيها بعض ورثة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات للتخلي عن الثوابت الوطنية والارتماء في أحضان شارون وأميركا واستئناف المفاوضات وفق الشروط الإسرائيلية. لكنها أكدت ان المناهج الفلسطينية لن تتغير، وستظل تقول إن فلسطين التاريخية هي كلها ارض فلسطينية، وان حيفا ويافا وعكا هي مدن عربية فطالما السلام غائب وعمليات القتل مستمرة لا تنازل عن الحقوق الفلسطينية الشرعية، ولا تغيير للموروث الثقافي والتاريخي الفلسطيني.
ورأى سركيس نعوم في «النهار» عقبات فلسطينية ثلاث الأولى ترتيب الأوضاع داخل البيت الفلسطيني والثانية تحقيق تفاهم بين كل الفصائل يسهل إجراء الانتخابات ويكرس الانطباع الايجابي الذي كونته الخطوات الأولى التي اتخذها المعنيون بملء فراغ رحيل عرفات والثالثة وقف النار الذي يسمح أولا بإجراء الانتخابات النيابية، لكن نعوم ان كل ذلك يبقى كلاما إذا أصر شارون على أن تكون المهمة الأولى للسلطة الفلسطينية وقف الإرهاب، وإذا تصرف بوش بولايته الثانية مثلما تصرف في الأولى.
وعكست الصحف المصرية استنكار الشعب المصري للحادث ونقلت تنديد نقابات وهيئات مصرية شعبية بهذا العدوان الإسرائيلي وطالبت السلطات المصرية برد حازم على «الاعتداءات المتكررة وانتهاك الحدود المصرية» وأبرزت صحيفة «الوفد» المعارضة المصرية التي عنونت «اعتذار مرفوض» رفض حزب الوفد للاعتذار الإسرائيلي. ولفتت «الأخبار» المصرية إلى ان «مصر تدين بشدة مقتل جنودها الثلاثة» وعنونت الأهرام «شارون يعتذر من مبارك» ووصفت الحادث بأنه «مأساوي ومؤسف» كذلك فعلت «الجمهورية» إذ عنونت «الرئيس يتلقى اعتذارا من شارون».
لكن «شارون يغتال 3 رجال شرطة مصريين ويعتذر» هذا ما عنونت به «الخليج» افتتاحيتها الإخبارية بشأن حادث الحدود المصرية الفلسطينية. وجاء في «مانشيت» «البيان» الإماراتية «اعتداءات (إسرائيل) تتسع لتشمل مصر». وتحدثت «الدستور» عن أسباب محتملة لحادث رفح، تجاوزت عبرها التحقيق الذي وعدت «إسرائيل» بإجرائه لترى وجوب عدم استبعاد البعد السلوكي للجنود الإسرائيليين كأحد الأسباب الواردة لوقوع حادث الاعتداء على الجنود المصريين، فما لا يجب إغفاله هو أن تحقيقات سابقة أظهرت الانهيار الأخلاقي في صفوف الجيش الإسرائيلي بعدما تبين أن جنودا يعملون في الأراضي الفلسطينية المحتلة كانوا يتراهنون على قتل الفلسطينيين على سبيل التسلية، وأن الرهان كان يتراوح هبوطا وصعودا حسب دقة الإصابة ومستواها من الجسم، وحتى عمليات القصف بواسطة القذائف المدفعية كانت تخضع لمثل هذا النوع من الرهان أو التفاخر، وحذر خبراء إسرائيليون من أن هذا الانحدار في السلوك يمكن أن يلازم الجنود بعد انتهاء مهماتهم العسكرية ويصبحون خطرا على المجتمع الإسرائيلي لاحقا. وإذ أعربت الصحيفة الأردنية عن ألمها بقدر ما آلمها حادث الإجهاز على جريح عراقي أعزل أطلق عليه جندي أميركي أرعن الرصاص ضاربا عرض الحائط بكل القوانين والأعراف والمعاهدات الدولية، فكأن كلا الحادثين يدل على الطبيعية الهمجية للمحتلين مهما حاولوا التشبه بالجنود المنضوين تحت لواء الجيوش التي تقف على أرضها الطبيعية لتحمي وطنها وشعبها غير باغية ولا معتدية. وختمت بأن ذلك هو الجيش الإسرائيلي فوق الأراضي العربية المحتلة، وتلك هي ما يسمى بقوات التحالف في العراق، أما محاولات تجميل الوجه القبيح ولمسات الاعتذار هنا وفتح تحقيق هناك فإنها لن تغير من الحقيقة والواقع شيئا، كل الغزاة قتلة وكلهم أشرار
العدد 809 - الإثنين 22 نوفمبر 2004م الموافق 09 شوال 1425هـ