أوصى المشاركون في مؤتمر «الإعلام والطفل: رؤية مستقبلية» الذي نظمته الجمعية البحرينية لتنمية الطفولة، واختتمت فعالياته أمس بتخصيص جائزة سنوية من خلال مسابقة لأفضل انتاج إعلامي للأطفال في التلفزيون والإذاعة والصحافة، تتوافر فيه الأسس النفسية والتربوية السليمة، والسعي لإنشاء قناة فضائية عربية موجهة للأطفال العرب، يشرف عليها تربويون وإعلاميون على دراية بالقيم الاجتماعية العربية، ووضع برامج للتثقيف الجنسي وفق الفئة العمرية، وأخرى لتثقيف الوالدين بشأن التعامل مع هذه المسألة.
وأكد المشاركون ضرورة تنظيم ورش عمل تجمع صنّاع الرسالة الإعلامية والاختصاصيين الأكاديميين في التربية وعلم النفس والإعلام بغرض ترجمة توجهات الندوة في برامج عملية وفي الانتاج المستقبلي.
ودعوا لتفعيل المادة 17 لاسيما الفقرة (هـ) من الاتفاق الدولي لحقوق الطفل المتعلقة بوضع مناهج توجيهية ملائمة لوقاية الطفل من المعلومات والمواد التي تضر بصحته على جميع المستويات، وفي الانتاج المحلي والأجنبي.
المنطقة الدبلوماسية - أماني المسقطي
أكد الباحث أحمد عبدالملك أن نحو 64,9 في المئة من أولياء الأمور يدركون أن للتلفزيون تأثيراً سلبياً على أطفالهم، وأن النسبة نفسها من أولياء الأمور أيضاً لاحظوا لدى أبنائهم اتجاهات نحو تقليد شخصيات تلفزيونية، مشيراً إلى أن نحو 47 في المئة من الأطفال يقضون أكثر من ثلاث ساعات يومياً في مشاهدة برامج التلفزيون، كما أن 70 في المئة من أولياء الأمور يدركون ان التلفزيون يشكل خطراً على تفكير أطفالهم وتوجهاتهم.
جاء ذلك خلال اختتام فعاليات مؤتمر «الإعلام والطفل: رؤية مستقبلية» أمس الذي نظمته الجمعية البحرينية لتنمية الطفولة على مدى ثلاثة أيام في فندق كراون بلازا.
ودعا عبدالملك في ورقته التي قدمها بعنوان «البث الفضائي والأطفال: حقيقة التأثيرات وصعوبة المواجهة»، إلى ضرورة تقنين أوقات مشاهدة الأطفال للتلفزيون، معتبراً أن ثلاث ساعات يومياً من المشاهدة يعد معدلاً مقبولاً للأطفال، مؤكداً على ضرورة الاهتمام ببرامج الأطفال في القنوات الخليجية المحلية، في الوقت الذي دعا فيه أيضاً إلى أن القنوات الأجنبية أو المعربة مازالت تعتمد على أفلام وبرامج تحمل قيما مخالفة عن القيم العربية والإسلامية.
وقال: «إن مشاهدة الأطفال لبرامج الكبار تحتاج إلى شروحات للمواقف من قبل الوالدين، وعلى الوالدين تقبل هذا الوضع بروح إيجابية»، مؤكداً ان لا رابط بين التلفزيون وبين تدني الدرجات العلمية للامتحانات التي يحصل عليها الأطفال في مدارسهم، وأنه لا يمكن منع الأطفال كليا من مشاهدة التلفزيون.
وأضاف: «توجد صعوبة في مواجهة التطورات التكنولوجية ومنها التلفزيون، إلا أن هذا لا يدعو إلى رفع درجات الذعر، بل إن التعامل الإيجابي مع هذا الجهاز يمكن أن يكون صمام أمان لدرء آثار المشاهدة السلبية».
أكد عضو مجلس إدارة جمعية المنتدى عبيدلي العبيدلي أن السوكيات المنذرة للأطفال الذين يستخدمون الانترنت، هي اخفاء الطفل لبعض الأقراص التي قد يحتفظ بها، كما أنه يدعي أموراً مثل حماية حريته الشخصية وصد محاولة الوالدين لتجاوز تلك الحدود، بالإضافة إلى ان الطفل في هذه المرحلة يقوم بفترات إبحار طويلة في الانترنت وفي ساعات متأخرة من الليل قد تتجاوز تلك التي يحتاجها من أجل أداء الوظائف المدرسية.
وأشار إلى أنه من بين السلوكيات المنذرة أيضاً هو استخدام الطفل للكثير من ملفات الصور التي قد تضم بينها صوراً خلاعية، بالإضافة إلى فواتير غير متوقعة محملة على بطاقات ائتمان أحد الوالدين قد تكون ناتجة بسبب استخدام الطفل لها لشراء بعض المواد الخلاعية التي تروجها شبكة الانترنت، لافتة إلى أن من بين السلوكيات المنذرة أيضاً هو سيطرة سلوك الانطوائية على الطفل وتحاشيه الاختلاط مع الآخرين، والقيام بسلوكيات ملفتة للنظر كالحديث عن راشدين لا يعرفهم الوالدان وعرضه أثناء الحديث مع والديه لمعلومات جنسية غير ملائمة لعمره. ومن جهته ذكر أستاذ علم الاجتماع في جامعة دمشق بلال عرابي خلال ورقته: «علاقة الطفل بقناة سبايس تون» التي درست الثقافة البصرية التي تقدمها القناة، بأن هذه البصريات والألوان تتناسب مع موضوع وسن كل كوكب من كواكب القناة إذ تزداد الألوان اشراقاً في أحدها وتزداد حركة في الآخر.
وأشار في ورقته إلى أبعاد الاعلانات المقدمة من خلال القناة، وكيف ان هذه الاعلانات تقدم معلومات ومعكيات قد لا تناسب منظومة الطفل الثقافية والتربوية، لافتاً إلى أن هذه الإعلانات تخترق أحياناً النظام الغذائي للطفل بتقديم أنواع من الأطعمة الغذائية غير المفيدة بالنسبة له.
وطالب عرابي خلال ورقته بوضع أسس للاهتمام بهذه القناة والاستفادة منها في توجيه أطفال العرب، كالاعتماد بشكل أساسي على اللغة العربية وخصوصاً في الإعلام المكتوب، وكذلك الاعتماد على ما وصفه بالإعلانات المعاكسة الهدف منها هو توجيه الأطفال، وأضاف: «إن القناة تستخدم هذه الفواصل لفائدة الأطفال، ولكنها مطالبة أكثر بتنويع هذه الفواصل وإعطائها دور في سياسة القناة ككل».
وأوضحت استاذة كلية الاتصال في جامعة الشارقة فوزية العلي خلال الدراسة التي قامت بها بشأن «أثر وسائل الإعلام على التحصيل الدراسي والنمو اللغوي لدى الأطفال في دولة الإمارات، إن كثرة المشاهد التلفزيونية التي يتعرض لها الأطفال من شأنها أن تخفف من حفز نصف الدماغ الأيسر، وهو الجانب المسئول عن نظام اللغة والقراءة والتفكير التحليلي، كما انها تقلل من الأهلية الذهنية والانتباه من خلال تقليل التواصل بين نصفي الدماغ، وأخيراً فإنها تعيق نمو النظام الذي يضبط الانتباه والتنظيم والدوافع.
وقالت: «إن الأطفال الذين يشاهدون التلفزيون لديهم ميل أكبر للسلوك العدواني فتزيد لديهم المناعة ضد رعب العنف ويقبلون تدريجياً العنف كطريقة لحل المشكلات، ويقلدون النماذج الفنية معتدية وحتمية»، منوهة إلى أن إحدى الدراسات أثبتت أن في ثمانية من كل عشرة برامج وأكثر تحتوي برامج الكارتون على عنف أكثر، وإن 18 فعلاً عنيفاً يحدث كل ساعة بث، مبينة أن الطفل حين يصل عمره إلى اثني عشر عاماً سيكون شاهد مئة ألف حادث عنيف على التلفزيون.
ومن جهته ذكر استاذ التربية في جامعة الكويت علي أسعد خلال ورقته التي تناولت «ثقافة الطفل العربي ازاء التحديات الإعلامية في عصر العولمة»، إن الطفل العربي يعاني ثقافة وهوية نسقاً من الاستكراهات الاستلابية التي تحاصره وتضعه في دائرة محنة تراجيدية ومأسوية، مشيراً إلى أن الطفل العربي محاصر بوضعية تخلف ثقافية تتسم بطابع الشمول والعمق والاستمرار، وإنه في الوقت نفسه مهدد بعولمة فضائية متوحشة تستهدف عقله ووجدانه الداخلي.
وقال: «إن التربية العربية بأساليبها الاستلابية تقهر الطفل وتستلبه وتمنع عليه تفتح إمكانات العطاء والإبداع والعمل على تطويعه وترويضه وتدفعه إلى دوائر السلبية والقصور والعطالة والجمود ثقافياً وإنسانياً»، لافتاً إلى أن دور العولمة الثقافية يأتي عبر أكثر أدوات القهر فتكاً بالعقل والإنسان لتجهز على الطفل ثقافة ومصيراً، وتجهز على ما تبقى من ومض حياة عقلية وروحية في الأطفال ثم تعمل بوسائطها على اختزال الأطفال إلى ركام مهزوم من الميول البدائية التي تحول الطفل إلى مجرد كيان ساذج تحركه نوازع الاستهلاك والشهوة والرغبة. مشيراً إلى أن العولمة لا تشكل وعي الطفل فحسب بل تهندس منظومة إدراكه للوجود وتولد فيه الميول الغريزية البدائية وتقتل في العقل كل امكانات النظر والتحليل والتأمل المنطقي والقدرة على التفكير المنتظم.
فيما أشارت الباحثة هالة الأتاسي من سورية إلى أن البرامج التلفزيونية لا تقدم الطفل شريكاً، بل مشاركاً ضمن الحدود التي يرسمها معد أو مقدم البرامج، لافتة إلى ان الطفل عادة ما يكون موجود للإجابة على الأسئلة أو ذكر عنوان أو تقديم فقرة.
وأضافت: «عن طريقة تقديم البرامج هي طريقة لا تعتمد على الحوار ولا تستثيره، إذ يتولى المقدم زمام الأمور كاملة، فيبدو الطفل سلبياً، لا يتاح له التعبير عن نفسه أو آرائه بحرية ولا تجري الأمور بحيث تحفز روح البحث لديه. معتبرة هذه الطريقة تستخف به وبقدراته، وتعمل على تذكيره دوماً بأنه الأصغر والأضعف والأقل معرفة، وأنه دوماً التلميذ الجاهز لتقبل النصح والارشاد والقول إلا ما يريد الآخرون سماعه.
أكد المشاركون في مؤتمر «الإعلام والطفل: رؤية مستقبلية» الذي اختتمت فعالياته أمس على عدد من التوصيات تمثلت في الزام الجمعية البحرينية لتنمية الطفولة بطباعة أوراق العمل وأبحاث المؤتمر في كتاب يصبح أحد المراجع للباحثين والعاملين في مجال الثقافة والإعلام الخاص بالطفل عموماً وبتنشئة الطفل خصوصاً، إضافة إلى تنظيم ورش عمل تجمع صناع الرسالة الإعلامية والمتخصصين الأكاديميين في التربية وعلم النفس والإعلام بغرض ترجمة توجهات الندوة في برامج عملية وفي الإنتاج المستقبلي.
كما اشتملت التوصيات المتعلقة بالجمعية على العمل على تخصيص جائزة سنوية من خلال مسابقة لأفضل إنتاج إعلامي للأطفال في التلفزيون والإذاعة والصحافة، تتوافر فيه الأسس النفسية والتربوية السليمة.
كما أوصى المؤتمرون بتنظيم مجموعة من الأنشطة بشكل حلقة نقاشية أو مائدة مستديرة بشأن مسئولية الإعلام تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة. والدعوة لتفعيل المادة (17) لاسيما الفقرة (هـ) من الاتفاق الدولي لحقوق الطفل المتعلق بوضع مناهج توجيهية ملائمة لوقاية الطفل من المعلومات والمواد التي تضر بصحته على جميع المستويات، وفي الإنتاج المحلي والأجنبي.
والعمل على نشر النصوص المتعلقة بحقوق الطفل على شكل كتيبات وملصقات وغيرها، والمطالبة بتنشيط جماعات الضغط والمساندة الأهلية من خلال مؤسسات المجتمع المدني للتعبير عن آرائها فيما يتعلق بتقييم وترشيد الاستخدام الإعلاني لوسائل الإعلام.
أما فيما يتعلق بالتوصيات الخاصة بوزارة التربية والتعليم، فقد أكد المؤتمرون على ضرورة أن تعمل الوزارة على تثقيف الطفل إعلامياً وتعزيز المشاهدة بعين يقظة وعقل ناقد وتنمية القدرة على الانتقاء والتمييز والفهم. وكذلك تنظيم ورش عمل لتدريب المعلمين على ثقافة حقوق الطفل، بالإضافة إلى العمل على تضمين مبادئ الاتفاق الدولي لحقوق الطفل في المناهج التربوية.
أما بشأن التوصيات المتعلقة بوزارة الإعلام، فقد أوصى المؤتمرون بتنظيم ورشة عمل تدريبية للإعلاميين بشأن حقوق الطفل وكيفية التعامل معها في البرامج، والعمل على نشر الاتفاق من خلال وسائل الإعلام والوسائل الثقافية المختلفة، إضافة إلى وضع معايير تربوية واضحة ودقيقة لاختيار برامج ومواد الأطفال المستوردة.
وأوصى المؤتمرون بتشكيل لجنة متخصصة تضم تربويين وعلماء نفس وإعلاميين للانتقاء والأشراف على برامج الأطفال وضمان نقائها من الشوائب والتوجهات السلبية، ودعوة القائمين على الهيئات الإنتاجية العربية للاهتمام ببرامج ودراما الأسرة، وتفعيل دور مشاركة الأطفال في الحوارات والبرامج الخاصة بهم.
وأكد المؤتمرون كذلك على العمل على توفير قنوات اتصال بين المؤسسات البحثية والإعلامية، وأيضاً السعي لإنشاء قناة فضائية عربية موجهة للأطفال العرب، يشرف عليها تربويون وإعلاميون على دراية بالقيم الاجتماعية العربية.
وركز المؤتمرون أيضاً على تشجيع التبادل الثقافي بين الدول العربية في مجال إعلام الطفولة وصناعة الترفيه ودعم الجيد منها لكي تعمم فائدته على الأطفال العرب، بالإضافة إلى وضع برامج للتثقيف الجنسي وفق الفئة العمرية، وأخرى لتثقيف الوالدين بشأن التعامل مع هذه المسألة.
وطالبوا بضرورة الفصل الواضح بين المادتين الإعلانية والإعلامية في جميع وسائل الإعلام، وبالاستناد إلى سياسة ذات رؤية وأهداف واضحة في التخطيط والإنتاج الإعلامي.
والزم المؤتمرون مؤسسات المجتمع المدني الأخرى، بتوسيع نطاق الاهتمام بقضية حقوق الطفل إلى المؤسسات المجتمعية المختلفة الرسمية منها والأهلية، ودعوة المستثمرين العرب للاستثمار في البرامج الموجهة للطفل وتشكيل فريق عمل لوضع الآليات لتنفيذ هذا المقترح
العدد 811 - الأربعاء 24 نوفمبر 2004م الموافق 11 شوال 1425هـ