العدد 844 - الإثنين 27 ديسمبر 2004م الموافق 15 ذي القعدة 1425هـ

حل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي بيد بوش

أيديهم ملطخة بدماء عدد غير معروف من الفلسطينيين. وأيضا بدم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق اسحق رابين. الآن يخشى كثيرون في أوروبا أن يظن المتطرفون اليهود في «إسرائيل» أن الوقت حان للقيام بعرقلة جهود السلام. على رغم أن الرئيس المصري حسني مبارك ضم صوته إلى أصوات المسئولين الفلسطينيين حين أبلغ مجلة «دير شبيغل» الألمانية أن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات لم يكن يشكل عقبة في طريق السلام كما ظلت واشنطن و«إسرائيل» تزعمان، فإن المراقبين في أوروبا يشيرون منذ أسابيع إلى أن وفاة عرفات أحدثت انفراجا في الأجواء السياسية من شأنها التعجيل في وضع مبادرات جديدة ترمي إلى إحياء عملية السلام. لكن على النحو الآخر يفوت على السياسيين الغربيين أن «إسرائيل» هي التي تملك مفتاح الحرب ومفتاح السلام في المنطقة. وكان الرئيس المصري واضحا في الرأي الذي تناقلته وسائل الإعلام الغربية حين قال: شارون وحده يستطيع تحقيق السلام في الشرق الأوسط.

لأول مرة منذ بدء الانتفاضة الفلسطينية قبل أكثر من أربع سنوات، يتفق المراقبون بالرأي على حصول انعطافة في الشرق الأوسط. وهذا ما تشير إليه النشاطات الدبلوماسية إذ لا يكاد يمر يوم من دون قيام مسئول أوروبي بزيارة لـ «إسرائيل» أو لمناطق السلطة الفلسطينية. وكان قادة أوروبيون قد سارعوا عقب إعلان فوز الرئيس الأميركي جورج بوش بمنصبه إلى مناشدته العمل من أجل حل النزاع المزمن بين الفلسطينيين والإسرائيليين على رغم أن الأمل ضعيف جدا في حدوث تحول في الموقف الأميركي المعروف بتحيزه لـ «إسرائيل» فإن هناك فرصة نشأت بفعل وفاة عرفات يعتقد الأوروبيون أنه لا ينبغي على واشنطن أن تضيعها. وكانت واشنطن وتل أبيب قد قاطعتا عرفات بعد وصول بوش إلى البيت الأبيض في العام 2000 بعد أن كان الرئيس الفلسطيني قد دخل البيت الأبيض مرارا خلال عهد الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون.

ويتطلع الأوروبيون بالذات إلى المستجدات في المنطقة والتي تركز هذه الأيام على الانتخابات الفلسطينية المقررة بتاريخ التاسع من يناير كانون الثاني المقبل. وحددت أوروبا موقفها مسبقا تجاه هذه الانتخابات وخصوصاً الرجل الذي تفضله لخلافة عرفات في منصب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية. فقد كان هذا واضحا من خلال الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير للمنطقة إذ أبلغ الفلسطينيين أنه أقنع بوش بأهمية وضع حل النزاع ضمن الأولويات. كما يشير المراقبون إلى أن واشنطن سعت لمساعدة محمود عباس (أبومازن) الذي يريده الغرب رئيسا للسلطة، حين طلبت من «إسرائيل» عبر القنوات الدبلوماسية الإفراج عن عدد من المعتقلين الفلسطينيين الذين يقدر عددهم في السجون الإسرائيلية بنحو 6 آلاف معتقل. ويقول أحد المعلقين أن شارون يريد أن ينسى أبو مازن بالذات كيف أن الحكومة الإسرائيلية لم تتعاون معه حين كان رئيسا للوزراء. يذكر إن أبومازن صرح بعد استقالته من منصبه أن «إسرائيل» أضعفت موقفه لأنها رفضت الإفراج عن عدد من المعتقلين الفلسطينيين.

ويشير المراقبون إلى أن الزيارة الأخيرة التي قام بها بلير للمنطقة ودعوته إلى عقد مؤتمر بشأن الشرق الأوسط في لندن مطلع العام الجديد، سلطت الأضواء مرة أخرى على دور الاتحاد الأوروبي في نزاع الشرق الأوسط، على رغم أنه يعير أهمية أكبر في تنسيق جهوده مع بوش أكثر من اهتمامه بعلاقات بلاده مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ويصف بعض المراقبين كما في السابق الاهتمام البريطاني بنزاع الشرق الأوسط بأنه يأتي في إطار تعويض على حرب العراق ووجود قناعة عند بلير بأن حل النزاع سيسهم في انحسار موجة العداء في العالم العربي تجاه التحالف الأميركي البريطاني.

ويقول عضو البرلمان الأوروبي أرمين لاشيت والذي اختير ضمن عدد من الأوروبيين الذين سيتوجهون إلى القدس المحتلة لمراقبة الانتخابات الفلسطينية إن الاتحاد الأوروبي لم يعد يلعب دور الذراع الطويلة لأميركا في النزاع، وقد استعاض بدور مستقل لكنه مكمل. هناك اعتقاد سائد عند الأوروبيين أنه لا بد من التعاون بين واشنطن والأوروبيين من أجل حل النزاع. وأضاف «يقف الأميركيون إلى جانب «إسرائيل» ضمانا لأمنها، لكن من جهة أخرى لدى الأوروبيين علاقات تقليدية ممتازة مع الدول العربية. لكن لاشيت قال ما لا يصدر عادة عن سياسي غربي محافظ: كل شيء يتعلق في النهاية على بوش. وهذا الرأي يتناقض مع موقف الرئيس المصري مبارك الذي قال إن شارون وحده يستطيع تحقيق السلام في المنطقة.

ثم هناك مشكلة قديمة لكنها مهمة إذ كلما علا صوت أوروبي وندد بالممارسات الإسرائيلية التعسفية ضد الفلسطينيين سارعت «إسرائيل» لاتهام الأوروبيين بأنهم يساندون الفلسطينيين ويدافعون عن مصالحهم الاقتصادية مع الدول العربية. ويقول عضو البرلمان إنه ينبغي أن يحصل أحد الجانبين على ثقة الفلسطينيين. كما هناك تحول في السياسة الخارجية لدول الاتحاد الأوروبي وأوضح أن خافيير سولانا الممثل الأعلى للسياسة الخارجية تنصل من عرفات قبل أشهر سبقت وفاته وراح يطالب بتحقيق إصلاحات في مؤسسات السلطة الفلسطينية.

وقال لاشيت إن هناك بعض السياسيين الأوروبيين يحظون بتقدير عند الإسرائيليين أولهم وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر الذي قدم خدمات جمة لها وسولانا. لكن لاشيت قال أيضا إن هناك مسألة لا ينبغي صرف النظر عنها وهي أن انضمام عشر دول جديدة للاتحاد الأوروبي له أثر على الموقف الأوروبي. في السابق على سبيل المثال كانت هناك دول أعضاء مثل بريطانيا وفرنسا تستغل علاقاتها مع الدول العربية وتتبنى مواقف مساندة للفلسطينيين بينما بلدان منحازة لـ «إسرائيل» مثل ألمانيا وهولندا كانت تعبر عن موقف مغاير في سياق المسئولية التاريخية تجاه الشعب اليهودي ما حال دون تبلور موقف أوروبي موحد وبالتالي ضعف موقف أوروبا. لكن لاشيت أوضح أن عملية انضمام الدول العشر حققت نوعاً من التوازن في الموقف الأوروبي حيال النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. وعند سؤاله عما إذا يملك الأوروبيون اليوم كلمة مسموعة عند الأميركيين أكثر من السابق بحكم أن موقف واشنطن تعرض إلى بعض الضعف بسبب حرب العراق أجاب لاشيت: نعم فقد تعلم الأميركيون في العراق أن القوة العسكرية العظمى لا تستطيع وحدها تحقيق السلام. كما أن التوجه الجديد من بوش نحو الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي يوضح أنه يؤيد هذا الرأي. كما تحصل أوروبا باستمرار على احترام متزايد في العالم لسياستها الخارجية بعد أن حدد الاتحاد الأوروبي استراتيجيته الأمنية وضمنها لأول مرة بخيار الحل العسكري. وقال لاشيت: إلا أنه فيما يتعلق بانسحاب «إسرائيل» من غزة بوسع أوروبا المساعدة في عملية انتقال السلطة من «إسرائيل» إلى الفلسطينيين. وأكد لاشيت ضرورة تسليم غزة إلى الفلسطينيين كي تنتعش فرص السلام بين الجانبين. أما إرسال جنود ألمان ضمن قوة سلام أوروبية فيبقى من المحرمات، وقال لاشيت: لا أستطيع أن أتصور أن جنودا ألمان يطلقون النار على مستوطنين إسرائيليين. ورأى الحل الأنسب في صورة شرطة حماية أوروبية من دون عسكريين ألمان تسهم فيها 24 دولة من اصل 25 من دول الاتحاد الأوروبي

العدد 844 - الإثنين 27 ديسمبر 2004م الموافق 15 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً