يا أيها الحكام العرب انظروا إلى ما يجري في العراق بعين الاعتبار، ويا كل العرب انظروا وتعلموا من الحوادث. .. ماذا كان يضير صدام لو أنه تنازل وأقام انتخابات على المستوى القائم حاليا وسحب البساط من تحت أرجل أميركا؟ لا بأس لنفترض الافتراضات المستحيلة ما دمنا نريد العبرة.
بلى نريد العبرة لأن بعض العرب فيهم ما فيهم من ملامح صدام الطازجة! ولأن الكثير من المثقفين العرب فيه ما فيه من أخلاق صدام وهوى صدام وحزب البعث!
يقال إن تغيير ثقافة أي تنظيم يعتبر أصعب بكثير من تغيير الأعضاء العاملين الرئيسيين فيه ومن تغيير نظام وطبيعة عمله، فالثقافة التنظيمية تتكون من الاعتقادات المشتركة والقيم التي تتولد عنها المبادئ والقواعد لسلوك الأعضاء، يعني لكي تغير ثقافة تنظيم معين كأنك تجري عملية تبديل نخاع! كم هي صعبة ومكلفة!
إذا لماذا نعطي أميركا المبررات في القيام بعمليات تغيير النخاع؟ لماذا لا نضحي نحن ونقوم بهذه العمليات لكي نحافظ على كرامتنا بدلا من أن نقاوم متطلبات الزمان والمكان اللذين باتا لعبة أميركا الرابحة؟ هل لأن ملامح صدام موجودة في النخاع؟ "يعني لابد من غزو البلاد من أقطارها حتى ينهزم هو وحزبه ويدخل أحد جحور الدناءة ويترك الأرض نهبا للأعداء والإرهابيين!؟".
لقد أصبحت صناديق الاقتراع الحرة والنزيهة من متطلبات الزمان التي لا يمكن الاستغناء عنها، وهي بحد ذاتها مفصل بين الشرعية واللاشرعية، سواء فرضها ملائكة أو شياطين - وخصوصا أن مرجعيتها الأمم المتحدة - مادامت تعطي الفرص المتكافئة للترشيح وتأخذ في الاعتبار كل أصوات المواطنين أو الغالبية العظمى منهم من دون تمييز.
وهناك مفارقة عجيبة لاحظها الكثير من المتابعين، ألا وهي أن الأنظمة التي جمعت ما جمعت من دلائل ودعوات للمقاطعة أو "التأجيل" هنا وهناك من أجل استباق الطعن في الانتخابات، هي نفسها أنظمة دكتاتوريات فاسدة!
لكن كما يقال، إذا عرف السبب بطل العجب، فهي كما أسلفنا تحمل ثقافة حزب البعث "التليد" لذلك لا تريد لهذه السابقة الخطيرة - سابقة الرجوع إلى الشعب في اختيار نظام الحكم - أن تنجح بأي شكل من الأشكال.
فالثقافة هي التي ترسم الخطوط لحياة أفراد التنظيم، والذين بدورهم يتقبلون توجيهاتها من دون نقاش، وهذه الثقافة تكون واضحة عندما تجابه بثقافة تنظيمية أخرى أو إذا كان لابد من تغييرها، ما يعني بحسب رأيي بأن هذا العنف وهذه المعارضة الشديدة للانتخابات ما هي إلا ظهور وتجلي لثقافتنا التي سادت في الفترة الأخيرة ومازالت، ثقافة الفكر الواحد والنفس الواحد، ثقافة إباحة دم كل من يخالفنا في الأيديولوجيا والفكر، ثقافة الحكم الذي يأتي على ظهر الدبابة.
ولأن الثقافة تكون ثابتة وتقاوم التغيير السريع، فإن خطر الرجوع إلى الدكتاتورية لن ينتهي بنجاح الانتخابات، لذلك يعتبر الثبات على مبدأ الديمقراطية في منطقتنا العربية وبين كل هذه الأنظمة والثقافات الدكتاتورية أصعب بكثير من الوصول إلى إجراءاتها الأولية "ولنا فيما حدث في البحرين في سبعينات القرن الماضي عبرة".
والثقافة أيضا تعكس الخبرة التنظيمية لدى الأعضاء، فإذا كانت هذه الثقافة غير واعية فمعنى ذلك ان الأعضاء لم يتعلموا ويأخذوا العبر من الماضي، وهنا تظهر أهمية اختيار أعضاء حكومة واعين وإلا فإنهم بأنفسهم سينقلبون على الأسس الديمقراطية.
لذلك ليس مستغربا وجود من يدعي الثقافة ويقف في وجه حركة الزمن، ولا يريد من عظماء مفكري هذه الأمة في النجف أو الأزهر أو غيرها من العمل على زرع الوعي في قلب الأمة لإخراج المعتدي الأميركي من المنطقة!
لؤي الخزاعي
العدد 878 - الأحد 30 يناير 2005م الموافق 19 ذي الحجة 1425هـ