العدد 882 - الخميس 03 فبراير 2005م الموافق 23 ذي الحجة 1425هـ

درّب... حارب... درّب... أخطاء عراقية هذه المرة

واصلت الصحف الأميركية رصد الأجواء العراقية ما بعد الانتخابات، وركزت على ضرورة أن يكون للسنّة دور في صوغ الدستور العراقي المقبل، الأمر الذي تقاطعت بشأنه دعوات أطلقها مسئولون عراقيون لـ «إشراك الجميع» في صوغ الدستور فضلاً عن الاتصالات التي باشرها الرئيس الأميركي جورج بوش مع عدد من قادة الدول تمحورت في ضرورة مشاركة السنة، وتستهدف على ما يبدو إضفاء شرعية على نتائج الاقتراع، وتنبع من مخاوف ليس أقلها قدرة السنة على الحؤول دون صدور الدستور المقبل، لأن قانون إدارة الدولة المؤقت ينص على ان مسودة الدستور ستعتبر باطلة إذا رفضها ثلثا الناخبين في أي ثلاث محافظات في الاستفتاء المقرر على الدستور في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. لكن الصحف ركزت تعليقاتها على المكتسبات الأميركية ولاسيما على مستوى نجاح إدارة بوش والنصر الذي تحقق للرئيس الأميركي عبر تمكين الشعب العراقي من الإدلاء برأيه غير انها أبقت الأبواب مفتوحة على جميع الاحتمالات فالشيعة سيحاولون فرض حكومة دينية والأكراد يسعون للانفصال، في حين أجمعت على انه من حق المواطن الأميركي على بوش أن يطلعه على خططه بشأن إنهاء العمليات العسكرية في هذا البلد. وفي رد على الدعوات بعدم الانسحاب خوفاً من اندلاع حرب أهلية، اعتبر البعض ان الانسحاب الأميركي سيكون الوسيلة الأفضل لإحلال الاستقرار خصوصاً بعد انتخاب حكومة تستمد شرعيتها من الشعب. ومن المحتمل أن ترتكب الحكومة العراقية أخطاء كما فعلت «قوى التحرير الأميركية» إلا أنها ستكون أخطاء عراقية هذه المرة يقول أحدهم، على أي حال كشف أحد التقارير عن أولى ثمار الانتخابات عبر خطة لتعديل في طبيعة وظيفة قوات الاحتلال، فبدلاً من أن تكون هذه القوات في المواجهة مع المقاتلين العراقيين، سيجري تدريب الأمن العراقي ليقف في المواجهة وفقاً لنظرية درب، حارب، درب... طبعاً لم تصل هذه التقارير إلى عبارة «انسحب». ونشرت «نيويورك تايمز» افتتاحية تحت عنوان «الخطوات التالية في العراق» رأت خلالها ان من حق بوش أن يشعر بالنصر إلا انه يحتاج إلى توضيح خططه للمستقبل. وأشادت بالعراقيين الذين أدلوا بأصواتهم على رغم العنف و«الإرهاب» معتبرة انهم برهنوا عن شجاعة وعزم لصنع مستقبلهم السياسي بأيديهم. غير ان «نيويورك تايمز» حذرت من ان احتمالات تدهور الأمور واردة، فعلى سبيل المثال يمكن للشيعة أن يحاولوا، فرض تشريعات دينية على العلمانيين والتحكم بمناطق الأقليات. ويمكن للأكراد أن يدفعوا نحو استقلال كردستان ما سيؤدي إلى تفكك العراق وإثارة المشكلات في الدول المجاورة وخصوصاً تركيا. وأضافت ان الأكراد والشيعة يدينون بتحررهم للغزو الأميركي لذلك فإن مواصلة دعم الولايات المتحدة لهم يجب أن يعتمد على التزامهم بعراق موحد وتعددي. وإلا فإن واشنطن ستجد نفسها تخوض حرباً ضد الأقلية السنية بينما الشيعة والأكراد ينصرفون إلى إدارة شئونهم الخاصة في مناطقهم. وأشارت إلى انه حتى لو جرت الأمور على مايرام إلا ان العراق سيشهد نوعاً من التوتر ما سيجعل من الخطأ جداً أن تنسحب الولايات المتحدة، مقترحة على الرئيس بوش أن يبدأ برسم مسار وسطي يضع جدولاً زمنياً عشوائياً للانسحاب، ولا يحدد موعداً نهائياً للانسحاب!. ونشر ريتشارد كوهين في «واشنطن بوست» مقالاً تحت عنوان «قصة لم تكتمل في العراق»، رأى خلالها ان الانتخابات العراقية ليست بالضرورة الخطوة لتحقيق الديمقراطية في البلاد. وذكر في المستهل بأن إسقاط تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس في بغداد الذي اعتبره الأميركيون دليلاً على بلوغ الحرب المرحلة النهائية، لم يغير شيئاً في مجرى العمليات العسكرية التي تواصلت بلا هوادة. معتبراً انه من الخطأ جداً تصوير الانتخابات على انها الإنجاز الوحيد الذي سيضمن تحقيق الديمقراطية في العراق. لافتاً إلى انه صحيح ان نسبة المشاركة في عملية التصويت كانت مرتفعة جداً في بعض المناطق إلا انها كانت شبه معدومة في مناطق أخرى. واعتبر انه إذا شعر السنة بأنهم الخاسرون في هذه الانتخابات فإنهم لن يشاركوا في المجتمع العراقي المدني. وفي هذه الحال سيستمر التمرد بدعم من السنة، وسيكون الشيعة والأكراد هم المستعدون للقتال والموت من أجل العراق الجديد ما يعني اندلاع حرب أهلية.

غير ان كوهين، لم يوضح كيف السبيل إلى إقناع السنة بالمشاركة في المجتمع المدني وان عدم مشاركتهم في الانتخابات لا يعني بالتالي تهميشهم، كما انه لم يقترح أية خطوات لاستكمال «الإنجاز» الذي تحقق عبر الانتخابات. من جانبه، حذر بيتر غالبرايث في «نيويورك تايمز» من انفجار الأزمة الكردية على خلفية مطالبة الأكراد بالاستقلال. غير انه لفت إلى ان هذا الخطر ليس وشيكاً إلا انه مقبل لا محالة إذا لم يتم التوصل إلى حل لهذه الأزمة. وهنا دعا المعلق الإدارة الأميركية إلى استنباط العبر من التجربة الأميركية في يوغسلافيا السابقة اذ تم تجاهل حقيقة ان السلوفانيين والكرواتيين يطمحون إلى الانفصال وإقامة دول مستقلة وهو ما أدى إلى اشتعال حرب أهلية وإقامة دولتين كرواتية وسلوفانية على أنقاض يوغسلافيا. وحذر في ختام مقاله من تكرار التجربة اليوغسلافية في العراق لافتاً إلى ان الأزمة الكردية المرتكزة إلى قضية الاستقلال ليست وشيكة بل إنها أزمة قادمة. ووصف ديفيد إغناطيوس في «واشنطن بوست» الانتخابات بالثورة الديمقراطية وأضاف ان الشعب العراقي بدأ فعلاً بصنع تاريخه بنفسه إذ تحدى بشجاعة تهديدات المتمردين. ورأى ان الكرة أصبحت الآن في ملعب العراقيين موضحاً انه من واجب الحكومة العراقية الجديدة أن تركز اهتمامها على الذين قاطعوا الانتخابات أي السنة والأقليات الأخرى وتؤكد لهم بأنهم جزء لا يتجزأ من الشعب وإلا فإن الانقسامات الراهنة ستستمر وسيزداد الشرخ بين العراقيين ما يعطل عملية بناء عراق جديد. وختم مشيراً إلى انه من المحتمل أن ترتكب الحكومة العراقية أخطاء كما فعلت «قوى التحرير الأميركية» إلا أنها ستكون أخطاء عراقية هذه المرة. ورد مايكل أوهاملون (عضو في مؤسسة بروكنغز) وجيمس ستينبرغ (نائب رئيس ومدير السياسات الخارجية في مؤسسة بروكنغز) في «واشنطن بوست» على تحذيرات هنري كيسنغر وجورج شولتز من مغبة الخروج الأميركي السريع. فاعتبرا انه على رغم بقاء القوات الأجنبية في العراق مازال ضرورياً لمنع نشوب حرب أهلية فإن الوجود الأميركي يزيد من توتر الأوضاع الأمنية ذاك ان الهدف الرئيسي للمتمردين بات دحر قوات الاحتلال. لذلك رأى المعلقان ان الانسحاب سيكون الوسيلة الأفضل لإحلال الاستقرار خصوصاً بعد انتخاب حكومة تستمد شرعيتها من الشعب. وشددا على ان الانسحاب الأميركي سيساعد الحكومة الجديدة على مواجهة المتمردين بأقل الخسائر الممكنة وبالتالي المساهمة في جعل العراق بلداً مستقراً. وختما مؤكدين انه على رغم استراتيجية الخروج الأميركية خطيرة جداً فإنه بدلاً من الخوف من الفشل لابد من إيجاد مقاربة جديدة للوضع العراقي

العدد 882 - الخميس 03 فبراير 2005م الموافق 23 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً