من الأمور المعروفة في الأسواق المالية أن الفرد لا يتصرف دائما بصورة عقلانية، إذ إن تصرفاته تتأثر دائما بالمشاعر والطموحات والغرائز والآمال الغامضة إضافة الى الخوف والطمع ومختلف التوقعات. هذه الدوافع جميعها تساهم في تشكيل قراراته في البيع والشراء. لذلك فإن تفهم هذه الأمور يساعد كثيرا على تفسير بعض القرارات غير العقلانية التي يتخذها بعض المستثمرين في معاملاتهم بسوق البحرين للأوراق المالية.
إن السوق هو حشد من الناس تجتمع في مكان معين والحشد عادة يتميز بصفات وسمات تختلف كثيرا عن صفات الاشخاص الذين يكونونه. وفي الواقع فإن شخصية الفرد عادة تذوب بشخصية الحشد أو الجماعة التي ينتمي إليها. ونتيجة لذلك فإن الفرد التابع لاية جماعة يفكر ويتصرف بطريقة تختلف عن الطريقة التي يفكر بها بصورة فردية. إذ إن غريزة الحشد هي التي تسيطر بالنهاية على تصرفاته. وعلى رغم أن المستثمرين أو المضاربين قد لا يكونوا موجودين في الأسواق المالية بصورة شخصية، الا انهم على اتصال مع بعضهم بعضا فكريا وعقليا وذلك بالطريقة التي يتصل بها الفرد مع الجماعة.
فهؤلاء جميعا يطلعون على نفس الانباء الاقتصادية التي تؤثر بالسوق، ويتعرضون الى الشائعات والضغوط نفسها ويراقبون تحركات الاسعار، كما أنهم يتعاملون مع الوسطاء والسماسرة نفسهم في البورصة. ونتيجة لذلك، فإن أفكارهم وآرائهم بمجموعها تنعكس على تحرك اسعار الأسهم وعلى حجم التداول في الأسواق. كما أن كل واحد منهم يؤثر على الفرد الآخر بالطريقة نفسها التي يتأثر فيها أي حشد.
فالسوق إذن هي حشد يمتلك كافة الصفات السلوكية والنماذج الاخلاقية لأي حشد، لذلك فإنه من السهل ان نفهم طبيعة السوق ونفسر تصرفاتها المتقلبة إذا نظرنا إليها كحشد من الافراد. لكن على المستثمر ان يتجنب بقدر الامكان دمج شخصيته مع شخصية الحشد أو أن يتأثر بقراراته الاستثمارية بجميع الاعتبارات غير العقلانية التي يمارسها الحشد في السوق. فعلى الفرد ان يتفهم سلوك الحشد ويحاول التنبؤ بسلوكياته وتصرفاته المستقبلية، ولكن البقاء بقدر الامكان بعيدا عنه. وحصيلة القول إن العوامل النفسية والسلوكية لا يمكن الاستهانة بتأثيرها على التعامل في أسواق الأسهم، إلا أنه سلاح ذو حدين.
لذلك يجب على المستثمر ألا يجعل من العوامل النفسية والسلوكية دليله الوحيد في التعامل، كما يجب أن لا يتجاهلها بصورة تامة. ان ارفاقها بالتحليل الفني والاقتصادي للسوق يساعد المستثمر على تحديد درجة صحتها وبالتالي تقرير صحة الاخذ بها جميعها أو ببعضها أو تجاهلها تماما. فالعوامل النفسية والسلوكية قد تقود الى أثار وخيمة وغير مبررة إذا انساق اليها المستثمر بصورة عمياء واستنادا فقط على ما قد يعتبره هو حاسة سادسة لا يملكها سواه.
لكن الأهم من ذلك - وهي رسالة بسيطة نوجهها للقائمين على سوق البحرين للأوراق المالية - ان العوامل النفسية والسلوكية تتسع رقعة اهميتها ودورها الذي تلعبه في توجيه قرارات المستثمرين في البورصة كلما ضاقت قاعدة الافصاح المالي والبيانات والمعلومات المالية والأنباء والتطورات الخاصة بالشركات المتداولة في السوق. ان غياب هذه البيانات والمعلومات يفسح المجال امام الاجتهادات الشخصية والشائعات. كما يفسح المجال لاستغلال المعلومات الداخلية من قبل نفر محدود من المتعاملين في إنجاز معاملات تعتبر غير منصفة وعادلة لأنها تقوم على استغلال معلومات لا يملكها غيرهم. لذلك فمن الضروري العمل على تطوير قواعد ومتطلبات الافصاح المالي في البورصة واتخاذ مزيد من الاجراءات لحماية مصالح المستثمرين فيها ومنع استغلال المعلومات الداخلية
العدد 885 - الأحد 06 فبراير 2005م الموافق 26 ذي الحجة 1425هـ