العدد 917 - الخميس 10 مارس 2005م الموافق 29 محرم 1426هـ

قالها الحسين "ع"... فتحققت نبوءته

كان سعد بن أبي وقاص قائدا لمعركة القادسية التي فتحت فيها بلاد فارس وكانت تلك البلاد تعرف بالري، ولم يكن هذا العمل العسكري المتميز الذي قام به سعد ابن أبي وقاص قائد معركة القادسية لحسابه الشخصي، بل كان ضمن سياسة الفتوحات الاسلامية التي قامت بها دولة الخلافة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، إلا أن هذا الانجاز أو قل هذا الفتح ظل يشكل هاجسا شخصيا لدى ابنه عمر ابن سعد الذي حاول بكل الوسائل أن يصير واليا على بلاد الري "ما يعرف بايران الآن" لحق اعتقد أن أباه يملكه في تلك البلاد وأنه الوارث لأبيه في ذلك الحق، وهكذا تقرب إلى عبيدالله ابن زياد والي الكوفة والبصرة ليوليه الري تحقيقا لتلك الرغبة الجامحة لديه فاستجاب له عبيدالله ابن زياد وعينه واليا على تلك البلاد إلا أن الأنباء تواترت بخروج الامام الحسين من مكة متوجها إلى العراق ما استوجب قدوم ابن زياد إلى الكوفة ليعد جيشا من الكوفيين لمحاربة الحسين، ولم يجد ابن زياد أحسن وأنسب من عمر ابن سعد لقيادة ذلك الجيش لما يتمتع به من وجاهة اجتماعية وقبلية فهو قرشي من بني زهرة أخوال النبي "ص" ولما يتمتع به من صلات ومعرفة بالمجتمع الكوفي فاستدعاه مستغلا نقطة الضعف لديه ليقود ذلك الجيش لقتال الحسين قبل أن يتوجه إلى مقر ولايته، فاعتذر عمر ابن سعد بشتى الوسائل لإعفائه من هذه المهمة إلا ان ابن زياد اشترط عليه أن يختار بين أمرين اما أن يذهب لقتال الحسين أو يلغى تعيينه واليا على الري فاحتار ابن سعد أشد الحيرة وطلب مهلة ليراجع نفسه فيختار بين أمرين أحلاهما مر، لكنه لم يقاوم اغراء ولاية الري فعزم على أن يقاتل الحسين مقابل تلك الولاية وأخذ يردد الأبيات الآتية: فو الله ما أدري واني لحائر أفكر في أمري على خطرين أأترك ملك الري والري منيتي أم أرجع مأثوما بقتل حسين حسين ابن عمي والحوادث جمة لعمري ولي في الري قرة عين يقولون ان الله خالق جنة ونار وتعذيب وغل يدين فإن صدقوا فيما يقولون انني أتوب إلى الرحمن من سنتين وان كذبوا فزنا بدنيا عظيمة وملك عظيم دائم الحجلين ولنا أن نتصور كيف أن الطمع وطول الأمل أوديا بدنيا هذا الرجل ودينه فهذا الشخص الذي يريد أن يقتل الحسين ويحكم الري ويتوب قبل أن يموت بسنتين كان على مشارف السبعين من عمره فكم في هذه القصة وهذا الموقف من عبرة يمكن للمرء أن يستوفيها مما جرى من حوادث سجلتها ودونتها كتب التاريخ.

قبل أن تبدأ معركة كربلاء حاول عمر ابن سعد أن يفاوض الحسين وكان يجتمع معه بجانب الفرات في بعض الليالي وفي حديث طويل قال له الحسين يا عمر أنت تعرف مكانتي من رسول الله فإذا كنت قد جندت لقتالي لتحصل على ولاية الري فإنني أؤكد لك أنك لن تنال تلك الولاية وكأني برأسك تتقاذفه الصبيان في أزقة الكوفة عهد عهد إلي به جدي رسول الله فسكت ابن سعد ورجع إلى معسكره وحين انتهت المعركة ذهب إلى ابن زياد والي الكوفة ليتسلم عهد الولاية وكان مجلس ابن زياد مكتظا بالناس وكان بين الحضور أحد أبناء زياد واسمه عباد فالتفت إلى عمر ابن سعد قائلا يا عمر كيف سخت بك نفسك أن تقتل الحسين، والله وددت أن أكون عبدا زنجيا أساق بالأسواق من أن ارتكب ما ارتكبت فأسقط في يده ولم يجبه بشيء، ثم التفت إلى عبيدالله ابن زياد قائلا يا أمير أمضي لي العهد لألتحق بعملي واليا على الري فقال له ابن زياد اعطني العهد لأمضيه لك فناوله ذلك العهد فما كان من ابن زياد إلا ان تناول سكينا صغيرة وأخذ يقطع ذلك العهد ويرميه على الأرض قائلا لم تنفذ ما طلبناه منك فقد كنت تفاوض الحسين وتقضي معه الليالي بجانب الفرات، فقال يا أمير والله لو دعاني سعد ابن أبي وقاص إلى ما دعوتني إليه ما أجبته فقد قتلت الحسين ورفعت رأسه فوق الرمح وأوطأت الخيل جسده وأتيت بعياله فما وجه التقصير الذي لم أقم به؟ فالتفت إليه ابن زياد قائلا: اخرج فليس لدينا إمارة تتولاها.

وهكذا تحققت نبوءة الحسين لعمر ابن سعد وما هو إلا قليل حتى ثار المختار ابن أبي عبيدة الثقفي في الكوفة وأخذ يلاحق ويستأصل قتلة الحسين وكان عمر ابن سعد يجلس كل يوم في مجلسه ويرى الكثير من الذين اشتركوا في المعركة يقتلون أمامه فساوره خوف شديد من أن يأتيه الدور فطلب الأمان من المختار فقال له المختار لك الأمان مادمت في حدود الكوفة، ولكنه لم يطمئن لهذا القول وفي إحدى الليالي خرج هاربا إلى البصرة فقيل للمختار ان عمر ابن سعد هرب فقال سيرجع فإن في رقبته سلسلة تعيده إلينا، وفعلا فما أن خرج من حدود الكوفة حتى غلبه النعاس فرجعت به الناقة أدراجها إلى بيته إذ كانت شرطة المختار الثقفي بانتظاره فقتل مع ولده عبدالله وفعلا فقد رأى الناس رأسه يتقاذفه الصبيان في أزقة الكوفة بعد حين كما وعده الحسين "ع".

هذه صفحة دامية من صفحات تاريخنا الإسلامي وكم في هذا التاريخ من صفحات دامية مرت على هذه الأمة وتركت في وجدانها خدوشا وحزنا عميقا لا تمحوه الأيام.

علي يوسف المتروك

العدد 917 - الخميس 10 مارس 2005م الموافق 29 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً