العدد 917 - الخميس 10 مارس 2005م الموافق 29 محرم 1426هـ

آذارنا الدامي... ارحل من دون مأساة جديدة

ربما هي المصادفة أو هو القدر والمصير الكردي أن تجتمع كل المناسبات الكردية بحزنها وسعادتها بشؤمها وتفاؤلها في مارس/ آذار. .. هذا الآذار الذي أبكانا وأذرف من عيون الأمهات دموعا من دم، عبرات من مقلتي الحبيبة، وفتح جروحا قد لا تندمل حتى نهاية الأرض... هذا آذارنا ونحن مازلنا نقدسه بكل ما فعل بنا من مآس ومجازر وبما جاء به من خيرات وسعادة أبدية... لماذا يا مارس تفعل بكردك هكذا؟

من ميلاد البارزاني الخالد إلى رحيل بلبلنا الحزين محمد شيخو إلى شروق انتفاضة قامشلو إلى مذبحة حلبجة الشهيدة إلى نوروزنا العظيم... وغيرها هذا هو آذارنا... بمجيء الربيع يبدأ آذارنا بالغناء وبالبكاء بالفرح والحزن... يطرق أبواب قلوبنا قبل أن يدخل تقويمنا اليومي ليأخذ الإذن منا ليتفضل إلى ديار الكرد ليبدأ سلسلة من حوادث جديدة سعيدة أو حزينة، المهم له أن يجمع ما للكرد في آذار وفي الربيع الذي يرافق قدومه من دون سابق إنذار.

قد يكون قدر الكردي أن يحزن ويفرح، يبكي ويضحك، يمرح ويمرض في هذا الشهر، في هذا التوقيت من الدهر، في هذه الفترة من سني العمر الضائعة... هذا الشهر الذي صارت أيامه جزءا من تقويم حياتنا، جزءا من تاريخنا وحاضرنا، جزءا من كياننا ووجودنا... فهل هي محض المصادفة أم تقصد من الدهر والقدر لينتقم منا لكي لا نفرح يوما كاملا إلا أن نبكي في بدايته أو في نهايته ونفرح ونحزن في اللحظة نفسها.

عندما يأتي آذار الأمهات تضع أياديها على قلوبها، فخوفها صار أكبر من أي وقت في العام... في هذا الشهر قد يكون لأحد أبنائها شيء يخفيه القدر له، والعشاق يبدأون بعد لحظات مروره خوفا أن يخطف آذار الحبيب من الحبيب، فالدموع تبدأ نفيرها لكي تخرج من عيون العاشقات المنتظرات قدوم ما يعكر صفو لحظات الحب الجميلة أو يسرع في قدوم الحب الأبدي ونحن ننتظر آذارنا لكي يمر بخير ويترك لنا الزهور متفتحة.

تبدأ الزهور بالتفتح في آذار وتبدأ الطيور بالعودة إلى أوطانها وتبدأ الحياة تدب على أرضنا من جديد... في آذار نحبس مآسينا ودموعنا لكي نفرح ليوم مقبل، ليوم قد يحمل جديدا خيرا لنا ولا يحمل ولو مرة في تاريخه مأساة أو حادث حزن قد يذهب صداها إلى آبد الكرد فاجعة قد تؤلم الكرد وتفرح في اللحظة نفسها، تبكيه تارة وتضحكه تارة أخرى لكن يبقى القلب منتظرا مروره بفارغ الصبر.

في آذار نبدأ بقطاف ثمار تاريخنا الماضي في غابر الزمن، فنعزف أحلى أناشيد النار لقدوم نوروزنا... نبدأ بإحياء ذكرى أول حادث حقيقي في تاريخ الكرد... نبدأ بإيقاد النار على جبال كردستان لنستذكر كاوا الحداد... هذا البطل الأسطوري ليس فقط للأكراد بل لكل الشعوب التي تحتفل بآذار ونوروز... تحتفل بذكرى رحيل الدكتاتور الأول ازدهاك، هذا الهمجي الذي قطف من حديقتنا البشرية كل زهرة شابة ووردة في مقتبل العمر.

في آذار نستذكر قوادنا الكرد وماضيهم العظام وبطولاتهم التي نفتخر بنسبهم للكردية ونعتز بقيادتهم لنا كأكراد فيمضي البارزاني الخالد قادما إلينا يحمل بين ذراعيه أمنية جديدة تضحية جديدة وحلما جديدا.

نستذكر آلامنا برحيل عظمائنا فالبارزاني وبلبلنا الحزين وغيرهما الكثير ودعونا في آذار فيغني لنا مرة أخرى محمد شيخو أغانيه التي صارت جزءا من تاريخنا ومن مقدساتنا.

في آذار نستذكر حلبجة الشهيدة، نستذكر فصول التطهير العرقي وجريمة كبرى من جرائم الإبادة الجماعية بحق الكرد على وجه هذه البسيطة، نستذكر آلاما جديدة لا نريد أن ننساها بقدر ما نريد أن نعيش مرة أخرى من دون تلك الجرائم والمآسي والويلات... نريد أن نبدأ كغيرنا حياة جديدة، حياة ملؤها الحب والتفاؤل ونريد للماضي أن يبقى ذكرى كما هو بمآسيه وويلاته بأحزانه وأتراحه ولنبدأ يوما جديدا من دون كل هذه الويلات.

في آذار هذه السنة سأستذكر قامشلو الشهيدة... سأستذكر جريمة أخرى من جرائم إبادة الكرد... سأستذكر الطلقات الحية التي اغتالت شبابا كردا بعمر الزهور فأردتهم قتلى على قارعة طرقك يا قامشلو واستذكر مصيبة أخرى حلت بالكرد... في مدينتنا الحزينة. فيا آذار نرجوك أن ترحل بهدوء هذه المرة ولتكف ويلاتك عنا ولتبتعد هذه المرة من دون أن تخلق لنا يوما آخر من أيام الحزن التي يملأ أيامنا الكثير منها فارحل من دون أن تخلق لنا مأساة تزيد بها مآسينا فالذي ابتلينا به يكفينا من الآن وحتى نهاية الأرض وحتى تنتهي كل آذارات الأرض.

مسعود عكو

العدد 917 - الخميس 10 مارس 2005م الموافق 29 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً