بعد محاولات أميركية صهيونية كثيرة لاختراق لبنان الذي أركع الكيان الذي يمتلك الجيش "الذي لا يقهر" بتقنياته المتطورة وليس برجاله المهزومين من الداخل، بالشباب الذين لبوا نداء الوطن ووضعوا أرواحهم على أكفهم وهم يرددون "لا نبالي أوقع الموت علينا أو وقعنا عليه ما دمنا على الحق" الانسحاب الصهيوني كان صفعة قاسية للمتسلطين على القدس ظلما وعدوانا، ومنذ ذلك الوقت وهم يفكرون مع المتربعين على كراسي البيت الأبيض بأن يردوا وبقوة على تلك الهزيمة المرة، وكانوا يبحثون عن السبيل الذي يستطيعون من خلاله تفكيك لبنان والقضاء على القوة التي حفظت الوطن اللبناني في المحافل الدولية بأحرف من نور، وبعد دراسة مستفيضة اختاروا الشهيد رفيق الحريري ليكون ضحية المشروع الأميركي الصهيوني، لما يتمتع به الشهيد الحريري من مكانة كبيرة في أوساط الشعب اللبناني، ورافق ذلك العمل الشنيع حملة إعلامية واسعة توحي للبنانيين أن من قام بهذه الجريمة هي سورية، وفي وسط المشاعر الملتهبة انطلت هذه الفكرة على الكثيرين، وهذا طبيعي جدا، إذ لهول المصيبة استطاعوا تمرير هذه الفكرة بكل بساطة، ستكون صدمة كبرى للذين ركضوا وراء الدعاية الأميركية بسرعة ومن دون تريث، لو أفرزت نتائج التحقيق عن اتهام الكيان الصهيوني بهذا العمل الإرهابي الكبير، كيف ستكون ردود الفعل عند من حرك الشارع اللبناني ضد الوجود السوري في لبنان؟ هل ستكون بالقوة نفسها التي برزت بعد الاستشهاد؟ لا نعتقد ذلك لأنه لم تكن أبدا مطالبة الحركات المعارضة كما سموا أنفسهم بدم الرفيق الحريري بقدر ما هم يستغلون الحدث لصالح توجهاتهم، لماذا نقول هذا الكلام؟ من خلال متابعاتنا للساحة اللبنانية رصدنا أن المتصدين هذه الأيام كانوا ممن عرقلوا حكومة الحريري في كثير من المقاطع ولم يكونوا على وفاق معه في أكثر الأحيان، ما الذي تغير حتى أصبحوا يحملون قميص الحريري الذي مزقته يد الحقد والكراهية، المسألة أكبر مما نتصور، أن الشهيد الحريري اختارته أميركا وبالتعاون مع الكيان الغاصب لفلسطين العزيزة بأن يكون ضحية للمشروع الأميركي الشرق أوسطي الكبير، وهذا التناغم بين العمل البربري الذي راحت ضحيته مجموعة كبيرة من الأبرياء وعلـى رأسهم الشهيد الحريري، وبين التحرك السريع في اتهام سورية من دون انتظار نتائج التحقيق يثير الكثير من الأسئلة، وكأن من حمل راية المطالبة بدم الحريري باستثناء أسرته الكريمة يعلمون عن الجريمة قبل وقوعها.
وعلى رغم ان ما أقوله بدأته بـ "كأن" فإن ما حصل يبرز في الأفق علامات استفهامية كبيرة لم نجد لها إجابات مقنعة حتى الآن، وعموما تمخضت هذه الجريمة النكراء عن مطالبة ملحة من الولايات المتحدة الأميركية والكيان الغاصب بمغادرة القوات السورية من لبنان، ونزع سلاح المقاومة اللبنانية، كل هذا حتى يتسنى للصهاينة الدخول إلى لبنان في أي وقت وفي أي مكان. العجيب أن المطبلين للمشروع الصهيوني داخل لبنان، لم يدركوا خطورة هذا الطلب على الشعب اللبناني، هل نسوا أو تناسوا ميليشيات العميد لحد التي شكلها الكيان الصهيوني ودعمها بالمال والعتاد وجعلها حربة في صدر لبنان، أيريدون بهذا التحرك العودة إلى تلك الأيام المريرة؟ وفي هذه الأجواء السلبية لا نستبعد إشعال حرب أهلية من جديد بأساليب متطورة أكثر تدميرا من السابقة، السيناريو الأميركي والصهيوني لديه بدائل كثيرة إذا لم تستجب سورية والمقاومة اللبنانية للمطالب المطروحة على الساحة الدولية كما يزعمون، ولم تستبعد أيضا أن يعلن الكيان الصهيوني انسحابه من مزارع شبعا في الأيام المقبلة، مستفيدة من اختلاف وجهات النظر اللبنانية والسورية في ملكية مزارع شبعا، ولعلها من هذه الحركة الشيطانية تعمق الخلاف بين الدولتين وتحرج الأطراف اللبنانية المناصرة لسورية أمام الشعب اللبناني، نحن كأمة عربية وإسلامية ننتظر عدة سيناريوهات خطيرة جدا ستقدم على الساحتين العربية والإسلامية، والجانب الذي يعملون على تنفيذه هو تشويه الإسلام في أعين الشعوب الأوروبية، وأعتقد بأن الكل سمع عن الأعداد الكثيرة من الشباب البريطانيين الذين انتحلوا شخصيات إسلامية وقاموا باعتداءات على الناس والمؤسسات التجارية ليعطوا انطباعا سلبيا عن الإسلام ويرسخوا في أذهان الشعوب الأوروبية فكرة إرهابية الاسلام، وكشف عن بعض هذه الخلايا التي تنتمي إلى أديان مختلفة غير الإسلام، تألفوا كما هو واضح والله العالم تحت راية المشروع الأميركي الصهيوني، ولن نتعجب إذا ما أعلن في يوم من لأيام اتهام المقاومة اللبنانية باغتيال الحريري، ولكن لا نقول إلا لا حول ولا قوة إلا بالله من كيد الأعداء وطوارق الليل والنهار.
سلمان سالم
العدد 923 - الأربعاء 16 مارس 2005م الموافق 05 صفر 1426هـ