هنا العراق. ..
الزمان عيد الغدير الأغر،
المناسبة "عرس الانتخابات"...
هكذا إذا يكون الزحف الكبير... فكما علمت البشرية الخط والقرطاس والقلم، جئت يا شعب العراق تعلم الأقربين والأبعدين دروس التحدي والصمود والمواجهة بالصدور العارية إلا من كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة. هكذا إذا تسحق أقدام ملايين المظلومين فلول البداة والأعراب المفخخين... وبمثل هذا فلتكن المدنية والتحضر والإنسانية، مقابل البداوة والتحجر والهمجية... تلك الآتية من صحارى التيه، التي لا تنتج سوى الوهم... وقوائم التحريض الجبانة.
ها هنا تتحول الأسطر القليلة وبضع الكلمات الإفتائية إلى صواعق تفجر مشاعر الأنفس المقهورة فتحيلها إلى سيل بشري عارم يختلط فيه الكبار والصغار.
ها هنا تتحول الدار المتواضعة في قلب النجف الأشرف لمرجع دين زاهد في مباهج الدنيا عازف عن زخرفها، إلى قلعة تتصاغر أمامها قصور الحاكمين في أصقاع المعمورة، فتنحني لها الهامات احتراما واجلالا. ها هنا يتحول الصمت الحكيم إلى هدير يطبق الآفاق، داعيا إلى الأمن والسلام والخير لجميع الأنام. ها هنا تتحول الأسطر القليلة وبضع الكلمات الإفتائية إلى صواعق تفجر مشاعر الأنفس المقهورة فتحيلها إلى سيل بشري عارم يختلط فيه الكبار والصغار، النساء والرجال، الشيوخ والعجائز، زحفا نحو صناديق الاقتراع حبا في العراق، سمعا وطاعة للسيد الإمام.
نعم... في هذا اليوم أيضا، كما كربلاء، انتصر الدم على السيف، حين قتلت جثث الانتحاريين العفنة بعضا من أحفاد الحسين الشهيد، فما زادهم إلا اصرارا على المضي قدما غير آهبين... ويحهم ألم يفقهوا بعد أن القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة.
خرجوا جميعا رافعين القبضات، مكبرين للواحد الأحد الفرد القيوم الصمد... وبالأكفان أحيانا، قرأوا الفاتحة على أرواح أنفسهم، حتى صح فيهم قول شاعر الطف... لبسوا القلوب على الدروع وأقبلوا، يتهافتهون على ذهاب الأنفس
صرخوا... هيهات منا - يا سماء - الذلة...
هيهات منا - يا طغاة - الذلة...
هيهات منا الذلة يا يتامى الطاغية، هيهات منا الذلة للعقول الخاوية... ومن كهوف الجهل آتية، من بين كثبان الغباء، ورعيان الغنم القاصية.
نعم... في هذا اليوم رفع الشعب العراقي عاليا سبابته "الزرقاء" توحيدا للرب، وانتصارا على الذات... وعلى حثالة الارهاب، طوعا لا كرها، وحبا لا رهبة في السيد الزاهد... والوطن المدمى، ونقمة على غلاة التكفير ومحتكري صكوك الغفران و"مالكي" مفاتيح الجنة دون البشرية جمعاء!
أجل... إنها "غدير" آخر، وبيعة أخرى جديدة قبضت فيها أكف الناس على كف الإمام... بيعة بالأرواح والأنفس لا نكث بعدها.
في هذا اليوم، الشهداء في عليائهم فرحون...
شهداء المقابر الجماعية أعني، وشهداء التصفيات الجسدية في أقاصي العالم أقصد، وشهداء المشانق والمقاصل والمفارم أروم، فطوبى لكم.
بأبي أنتم وأمي طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم...
ها هم أمهاتكم الثكالى، باسمكم "يصوتون"...
ها هم آباؤكم المقروحة أكبادهم، عنكم "ينتخبون"...
ها هم يتاماكم، صبيانكم، صباياكم بعرس الحرية يحتفلون...
طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم...
فزتم والله فوزا عظيما...
عذرا، ففي يوم البيعة ذاك عدت للدار مساء، وكلي لهفة لرؤية الزمن وهو يحفر بعض ساعات "تاريخه" المجيدة، فما راعني إلا نشيد "الفرات"... "كل الشعب وياك يا سيدعلي" على صور ومشاهد السيل البشري العارم، فما تمالكت نفسي أن دمعت عيناي فرحا. دمعة حارة وأنا أرى بأم عيني حوادث يوم عظيم من أيام الله، بل هو في بعضه "يوم المظلوم على الظالم أشد"...
عذرا... إن قصرت الكلمات فلست بشاعر، ولا نصف شاعر، ولا أديب أحترف اصطياد الخواطر، بل كلي اعتراف بأني لست إلا متطفلا على محراب "السيدعلي"، فجئت ألقي هنا - بتواضع - بعض ما جاش بالخاطر ورفرف له القلب.
حفظك الله سيدي الإمام ومتع الأمة بطول بقائك ودمت مؤيدا منصورا، والى يوم الاستقلال الناجز عما قريب... دمت محفوظا يا شعب العراق.
السعودية - حسين العلق
العدد 923 - الأربعاء 16 مارس 2005م الموافق 05 صفر 1426هـ