حكايتي هذه المرة. .. عن تحقيق حلم لم يكتمل، كان حلما جميلا، عشت معه أياما جميلة، لن أنساها ما بقي الدهر.
العام 1986م كانت هجرتنا الثانية هذه المرة الى بلد حملت فلذات اكباد الرسول "ص"، الحوراء زينب، ورقية وسكينة، أخوات وبنات الحسين "ع"، فكن قرة أعين، جمع من المؤمنين من مختلف البلدان جاءوا يلوذون بالحرم الزينبي الشريف، وقد وجدوا السكينة والطمأنينة عندها "ع"، واشتغل الناس بأمور دينهم ودنياهم، وتكيف الناس وتعايشوا، فأقاموا الحسينيات وأسسوا الحوزات الدينية، وبدأوا بعمارة الارض، وقامت العمارات والبيوت، حتى أصبحت هذه المنطقة صرحا حضاريا يحتذى. وبعد مضي أربع سنوات كنا ننتقل فيها من شقة إلى أخرى ومن منطقة إلى منطقة، كان لا بد من التفكير في سكن دائم نستقر فيه ما بقي من عمرنا، وصرت احلم ببيت ملك يحميني وأهلي من نكد الحياة، وكانت الفكرة في بناء بيت لم تفارقني ابدا، بل آرقتني وفي نهاية المطاف تكلل هذا الحلم بالانطلاق، ارض سكنية كبيرة خصصت لبناء حوزة وقسم من هذه الأرض للبيع فقط للطلبة المنتمين إليها. بعد جهد مضاعف حصلت على مبلغ من المال به استطعت أن اشتري قسيمة ارض مساحتها اثنا عشر مترا عمقا وتسعة امتار عرضا، وقد كرست حياتي اعمل ليل نهار وقد عملت في عدة اشغال، اهمها النجارة، وهندسة البيوت، والاشراف على البناء، ودراسة العلوم الدينية التي كان لها نصيب ايضا.
يومها لم اعد استطيع النوم، اتقلب يمينا ويسارا... متى يبزغ الصباح وتشرق الشمس... اشرقت الشمس... الحمد لله، خرجت مهرولا الى الارض روحي قد سبقتني اليها قبل بدني، رافعا يدي الى السماء يا رب اعطني العزيمة والاستقامة لبناء هذا البيت الذي طالما حلمت به... يا كريم شكرا لك.
الارض اصبحت بيدي، بقي البناء، ويحتاج الى أربعة أضعاف قيمة الأرض... كيف تصرفت؟ لم اقف مكتوف الايدي، ذهبت الى محلات بيع مواد البناء واشتريت لي عدة للحفر تتكون من ثلاث الى اربع قطع، وهندسة الارض لم تكن مشكلة قط، وحملت العدة أمشي إلى حيث الحلم الذي بدأ يتحقق... وما هي إلا سويعات حتى أصبحت الأرض مخططة باللون الأبيض، وبدأت احفر الأساسات بنفسي واستمررت هكذا اياما عدة حتى أكملت حفر الأساسات كلها.
وفي كل مرة احصل فيها على مال أضعه فيها من رمل وحصى واسمنت، وطابوق، وكنت استعين بالعمال في الصب واستاذ البناء في صف الطابوق، وحتى جسور النوافذ كنت اصنعها بنفسي على الأرض، وعند اكتمالها اجلب العمال لرفعها إلى مكانها، ووصل البناء حتى الجسور، ومكانك قف... وبذلت كل ما عندي من جهد، بدأ وضعي الاقتصادي يتدهور شيئا فشيئا، ولم يكن هناك مال للصرف على البناء، وقفت مكتوف الأيدي، كل ما عندي هو زيارتي اليومية له والتجوال فيه من غرفة الى غرفة متخيلا شكلها عندما تكتمل موزعا الأثاث على جنبات الغرف، ومصورا فيلما خياليا في رأسي، وفي نهاية المطاف تحول المبنى إلى مزار اثري، والختام اني هجرت البلد، منتقما لحلمي الجميل الذي لم يتحقق، وبعد فترة من الزمن احتجت الى المال فبعته وفي الحلق شجى، وتركت قطعة من قلبي للذكريات على مر الزمن والأيام.
محمد رضا النشيط
العدد 923 - الأربعاء 16 مارس 2005م الموافق 05 صفر 1426هـ