العدد 924 - الخميس 17 مارس 2005م الموافق 06 صفر 1426هـ

الشارع البريطاني والموقف من قانون مكافحة الإرهاب الجديد

أقر قانون مكافحة الارهاب من قبل البرلمان البريطاني يوم الجمعة الماضي، أي قبل يومين من انتهاء الفترة الزمنية للعمل بالقانون القديم الذي أثار في حينه موجة من الاعتراضات في البرلمان البريطاني وكذلك في وسائل الاعلام المختلفة لأنه بحسب المعترضين شكل خطوة سلبية للغاية في تاريخ الديمقراطية في هذا البلد، فمعظم بنوده تصطدم بمسألة جوهرية تتعلق بحقوق الانسان التي يضعها المجتمع البريطاني في مستوى الاولويات.

ودخلت المداولات البرلمانية في الايام القليلة الماضية الى طرق مسدودة، انفتح بعضها بصورة تدريجية بعد سباق ماراثوني بين مجلس النواب "المنتخب" ومجلس اللوردات "المعين" وبحسب القضاء البريطاني فإن أي قانون يصدق عليه مجلس النواب يجب ان يحظى بموافقة مجلس اللوردات والملكة ليصبح ساري المفعول.

لكن المعارضات التي حاصرت رئيس الوزراء طوني بلير لم تأت من المعارضين التقليديين لحزب العمال وهم النواب المحافظون وحسب، وانما ايضا من عدد لا يستهان به من النواب العماليين والليبراليين الديمقراطيين، اضافة الى أعضاء في مجلس اللوردات.

وصحيح ان معركة القانون هذه قد انصبت على بنود محددة فيه، اعتبرها النواب المعارضون ونواب من مجلس اللوردات مواد تخل بجوهر النظام الديمقراطي في البلاد، وتتعارض مع حقوق الانسان، الا ان المعركة في الجانب الآخر كانت تدور بين الحزبين المتنافسين عن كسب الشارع البريطاني فأيام الانتخابات النيابية اخذت تقترب من موعدها وكلا الطرفين يحاول تعبئة قواه لاقناع المزيد من البريطانيين للتصويت لصالحه.

وحاول طوني بلير الذي بدأ يشعر بتراجع شعبيته التي قدرت في استطلاعات الرأي بنحو 35 في المئة بعد ان كانت قبل عام تقريبا قد وصلت الى 58 في المئة ان يبدو حريصا على ضمان أمن البلاد ومستقبلها، فقد كان على قدر كبير من الحماس لاقرار القانون، مستخدما عبارات تنم عن جاذبية مفرطة لكسب الرأي العام البريطاني في معركته لانتزاع تصديق البرلمان على القانون وايضا لتوجيه ضربة قوية الى حزب المحافظين، لكنه اصطدم بجدار صلب وموقف متشدد من قبل زعيم حزب المحافظين ميخائيل هيوارد الذي كان أكثر المتصلبين ضد ما يدعى بالارهاب سابقا، ولكنه هذه المرة تحول الى حمامة سلام في مواجهة صقور حزب العمال وعلى رأسهم طوني بلير، وراح يحاول استثمار الموقف لمخاطبة الشارع البريطاني مؤكدا تعارض بعض بنود القانون مع المثل الديمقراطية وحقوق الانسان ولما اشتدت النقاشات وانغلقت الاجواء وأجلت المداولات لبعض الوقت، شعر الطرفان بانهما ربما يخسرن معركة جذب الشارع البريطاني اليهما، فتطلب الأمر تنازل طوني بلير مقابل تنازل آخر من ميخائيل هيوارد للوصول الى صيغة وسطية، وهو ما خرج به القانون مع الاتفاق على اربع نقاط هي: توفير مستلزمات مراجعة القانون وتعديله بعد مرور عام عليه وتحديد مدة زمنية لانهاء العمل بهذا القانون وتشكيل هيئة قضائية مختصة لمراجعته اضافة الى التزام الحكومة بتوفير المبررات القوية ضد أي مشتبه فيه قبل الاقدام على مساءلته او اتخاذ الاجراءات ضده.

لقد نقلت وسائل الاعلام البريطانية تصريحات للكثير من المسئولين والشخصيات السياسية والثقافية في البلاد واعتبر حزب المحافظين هذه النتيجة انتصارا له، اذ صرح ميخائيل هيوارد في اليوم التالي بأن "حزبه قد سدد ضربة رجل الى خلفية الحكومة العمالية"، في حين اعتبر البعض الآخر ان الذي تم هو "انتصار للإرادة الشعبية" التي ترفض ان ترتكب انتهاكات لحقوق الانسان تحت اسم القانون.

ولكن الاوساط المتشددة في كل الحزبين عارضت عبر وسائل الاعلام والمحافل الأخرى اطلاق سراح ابوقتادة والسبعة العرب المتهمين بالارهاب وقال أحد القضاة "هذا هو أسوأ يوم في المعركة للحفاظ على بريطانيا بعيدا عن الارهاب".

واستند هذا القاضي الى ما صرح به ابوقتادة عندما تم اطلاق سراحه من السجن حين قال "ان هذا اليوم هو نصر لمنظمات الدفاع عن حقوق الانسان"، فقال القاضي "لن يكون بمقدور اي سياسي ان يحمي نفسه من الارهاب بعد ان اطلق سراح اخطر الارهابيين".

الرأى العام البريطاني يعتقد بأن هناك ثمة مبالغة شديدة بشأن مسألة الارهاب في بريطانيا، فالمجتمع البريطاني لم يتعرض من قبل الى عمليات ارهابية ذات محتوى خطير على يد ما يطلق عليهم بالمتطرفين الاسلاميين، ولكن الجهات التي تحاول استخدام هذه العقبة انما تسعى الى مكاسب سياسية والدليل على ذلك أن موضوع الارهاب يظهر بقوة مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية والبلدية في البلاد، ويبدو ان الفرق بين البريطانيين وغيرهم يمكن في سعة وقوة الطبقة الاجتماعية الوسطى المتعلمة والمثقفة التي نشأت في اطار تلاحم النسيج الاجتماعي ذي الاعراق المتنوعة، وهذا ما ساعد على فهم الواقع والظروف والتمييز بين الامور بصورة دقيقة، لذلك يدرك البريطانيون عموما الاهداف السياسية وراء ترويج موضوع الارهاب. إن استجابة الشارع البريطاني لقانون الارهاب الجديد، ربما تظهر ولكن بشكل بطيء ومتأخر، وذلك بحلول موعد الانتخابات المقبلة، فالتصويت الشعبي بحد ذاته لابد أن يعني في بعض اجزائه تصويتا لهذا القانون أو ضده، واذا بدا البريطانيون غير آبهين بهذا القانون، فمعنى ذلك أنهم غير مقتنعين بما يطرحه السياسيون في هذا الخصوص، أما وسائل الاعلام فهي عادة ما تستقرئ رأي النخبة من السياسيين، وبعض هذه النخبة تعبر عن رأيها على أساس أنه رأي الشارع البريطاني، لذلك من الصعب على المراقب أن يحظى باحصاء دقيق عن رأي البريطانيين بهذا القانون، اللهم الا تلك الفعاليات والنشاطات والمظاهرات التي تجري تباعا في كل مرحلة احتقان أو ارتكاب اعمال تنتهك حقوق الانسان على صعيد الداخل أو الخارج

العدد 924 - الخميس 17 مارس 2005م الموافق 06 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً