فـي منتدى الغـرفة التجـارية الخاص بمشـروع الغـرفة الذي قـدمه عضوا الغـرفة المؤيد وفخرو بخصوص مسـاهمة رجال الأعـمال والغرفة فـي فعاليـات الانتخابات النيـابية المقبـلة، لـفتت انتباهي مـداخلة أحـد الحضور والتـي كانت مختصـرة ولكنها جـدا لافتة، إذ إنـه وبكـل وضـوح نـادى بعـدم تسـييـس الـدين على رغـم أننـي لـم أجـد عـلاقة قـوية تربـط المشـروع بتسـييـس الـدين، وإننـي أجهل مـا معـنى تسـييـس الـدين، ومـا السـياسـة حتـى إن الكثـير ينـادي بعـدمية تسـييس الـدين! مـا الشـيء المخيـف فـي ذلـك، هـل إن حيـاتنا الدنـيوية تمشـي فـي مسـارين مختـلفين لا التقـاء بينهـما؟ وهـل إن حيـاتنا يجـب أن تكـون فـي مجمـلها بعـيدة عـن الـدين إلا مـا يخـص العبـادات؟ وإننـي أتسـاءل: مـا العبـادات؟ أهـي الصلاة والصـوم والزكاة والحـج فقـط؟ ومـا المعنـى الحقيقـي لهـذه العبـادات؟ ثـم إننـي أتسـاءل: مـا دور القرآن الكريم فـي حيـاتنا إذا؟! وإننـي هنـا لـن أتطـرق إلى دور السـيرة والسـنة النبـوية ومـا تحتـويه مـن سـياسـة، هـل دور القرآن ينحصـر فقـط فـي المسـاجد والبيـوت للقـراءة والتبـرك بكـلام اللـه الكريم؟ وإننـي والله لأسـتغرب مـن هـذا التنصـل لهـذا المصـدر الدسـتوري والتشـريعي المتـكامل المنـزل مـن عنـد اللـه الخـالق جـل جـلاله، ألـم يقـل عـز وجـل فـي سـورة المـائدة "48 - 50": "وأنزلنـا إليـك الكتـاب بالحـق مصـدقا لمـا بيـن يـديه مـن الكتـاب ومهيمنـا عليـه فاحكم بينهم بمـا أنـزل اللـه ولا تتبـع أهـواءهم عمـا جـاءك مـن الحـق لكل جعلنا منـكم شـرعة ومنهـاجا، ولـو شـاء اللـه لجعـلكم أمـة واحـدة ولـكن ليبـلوكم فـي مـا أتـاكم فاسـتبقوا الخـيرات إلـى اللـه مـرجعكم جميـعا فينبئـكم بمـا كنتـم فيـه تختـلفون، وأن احـكم بينـهم بمـا أنـزل اللـه ولا تتبـع أهواءهـم واحـذرهم أن يفتنـوك عـن بعـض مـا أنـزل اللـه إليـك، فإن تولـوا فاعلـم إنمـا يريـد اللـه أن يصيبـهم ببعـض ذنـوبهم وإن كثيـرا مـن النـاس لفاسـقون، أفحـكم الجـاهلية يبغـون ومـن أحســن مـن اللـه حكمـا لقـوم يوقنـون" إننـي أسـأل: مـا معنـى قـوله جل وعلا "فـاحكم" ومـا الحـكم الـذي يأمر اللـه بـه ومـا الـذي يأمـر اللـه نبيـه والأمـة الحكم بمـا أنـزل بـه؟ أليـس هـو القـرآن؟ هـل يختـلف الـدين عـن القـرآن؟ هـل أغفـل اللـه "أسـتغفر اللـه" فـي القـرآن أي شـيء يخـص حيـاتنا لـم يتطـرق إليـه؟ لا واللـه، اللهـم إلا إذا كانت السـياسـة هـي الظـلم والجـور والاسـتعباد وقتـل النفـس البريئـة وهتـك الأعـراض والكـذب والخـداع وفعـل السـوء والفسـق والفجـور وكـل الأعمـال الشــريرة واتباع الأهـواء وعلـى رأســها محـاربة الـدين والعـاملين به وهـذه أمـور قـد نهـى اللـه عنـها وهـي مـن المحـرمات، إذا كانت السـياسة كذلك، عنـد ذلـك فقط نعـم واللـه لا يجـب تسـييـس الدين وإنه لـن يختـلف أحـد علـى ذلـك.
أليـس مـن الأجـدر بنـا أن ننـادي بتـديين السـياسـة وإرجـاعها إلـى مصـدرها الحقيقـي فـي عالمنـا الإسـلامي حـتى علـى أقـل تقـدير نضـمن أو بالأحـرى نحصـل ولو علـى الشـيء القليـل مـن العـدل فـي الحـكم وزرع الإنسـانية فيـها ونقـوم بواجبنـا كمسـلمين، ألا نـرى انه فـي عالمنـا اليـوم أن الحيـوان أصبـح أكثر حظـا مـن الإنسـان فـي الحصـول علـى الرأفـة مـن الإنســان نفســه، اللـه سـبحانه قال "ولقـد كرمنـا بنـي آدم" "الإسراء:70"، كـرمه بمـاذا؟ كـرمه بالعقـل، وكـرمه بالقـرآن بعـد ذلك، إذ جمـع فـي القـرآن كل الحقـوق والواجبـات التـي لـه والتـي عليـه، لـم يتـركه كالحيـوان يأكل بعضـه بعضـا، والتـي لم تكـن موجـودة أو مفصـلة فـي أي مـن الكتب السـماوية الأخـرى كمـا هـي فـي القـرآن الكـريم، نعـم فرسـالة محمـد "ص" جـاءت خاتمـة وهـي لـم تأت للعـرب فـي الجـزيرة العـربية فقـط بل جـاءت للنـاس جميعـا وليـس عيبـا أو قصـورا فـي تلـك الرسـالة إذ لـم تسـتوعبها بعـض الأمـم كـكل لأنهـا جاءت لتنتشـر وتنشـر العـدل والمسـاوات والحـرية وتحـقق الكـرامة للإنسـان فـي كـل بقـاع الأرض فاصطدمـت بمصـالح المتنفـذين والمسـتكبرين فحاربوهـا منـذ نشـأتها فوقفوا فـي وجـه مسـيرتها أو حـاولوا ذلـك ولكـن اللـه سـبحانه تعـهد بـأن ينصـر الدين والإسـلام ويقـيم دولـة العـدل الإلهـي شـاء أم أبـى الظـالمون، فقـووا إيمانـكم بدينـكم تقـووا وتنتصروا "إن تنصـروا اللـه ينصـركم" "محمد: 7".
علي إبراهيم- دبي
العدد 924 - الخميس 17 مارس 2005م الموافق 06 صفر 1426هـ