العدد 937 - الأربعاء 30 مارس 2005م الموافق 19 صفر 1426هـ

أربعينية الإمام الحسين "ع"... الحقيقة المسبية

أبالسهم المثلث. .. شطروك

أبالسيف المسموم.... نحروك

أبالطفل الرضيع... فجعوك

أم بسبي النساء...عذبوك

أم بالأعوجيات... رضضوك

أم بحرق الخيام... هددوك

"فلولا حادثة كربلاء لطال ملك بني أمية بمقدار ما طال ملك بني العباس"

"العقاد في كتابه ص216"

نعم ... لقد كانت كربلاء وضرب المدينة وضرب البيت الحرام أقوى ضربات بني أمية لتمكين سلطانهم وتثبيت بنيانهم وتغليب ملكهم، ولكن أقوى الضربات التي أطاحت بامبراطوريتهم وهزت كيانهم وعروشهم كانت ضربة واقعة كربلاء التي كانت أكبر من أن توصف إلى يومك هذا!

فما من قوى ولا امبراطورية تطاولت على أوصياء الله أو على أوليائه أو سفكت دما حراما لهم إلا وكان السقوط والانهيار مصيرها.

فالطاغية العراقي المخلوع نموذج، وهو الذي خسر الدنيا والآخرة بسفكه دماء آلاف العلماء وعلى رأسهم آية الله محمد باقر الصدر.

لقد اثبت أبوالشهداء الإمام الحسين "ع" أن الدم القاني والشهادة في سبيل الله لم ولن تهزم أبدا. ومهما سفكت من دماء في سبيل العدالة والحق فإن هذه الدماء تبقى لتنتصر للمظلومين المحرومين على مر الزمان والدهور.

والتاريخ الإسلامي زاخر بالعبر والدروس والابتلاءات في حياة الأنبياء والأئمة. فهذا يوسف الصديق... بعد عذاب مرير مع إخوته ابتداء من "الجب" إلى الامتحان ثم إلى السجن انتهاء بالعرش... فمن الجب الذي ألقي فيه بدأت المعركة ثم الصبر على المحن والمكائد التي نصبها إخوته بعدها تنتقل حياته إلى فصل آخر من نوع آخر وهو العيش في كنف الملك لتبدأ معركة الصراع مع النفس الأمارة بالسوء "زوجة الملك" وهو الامتحان الصعب الذي عاشه النبي يوسف، إذ ينتهي به الحال إلى السجن "ظلما" والذي عبر عنه بأحسن تعبير "السجن أحب إلي مما تدعونني إليه" "يوسف: 33" تماما كما قالها الإمام الحسين "ع" في شعاره: "إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما".

ولكن لصدقه وقوة عزيمته وصبره خرج من السجن منتصرا له ولأبيه وإلى الحقيقة التي أوصلته إلى سدة الحكم. وكذلك نجد في حياة النبي موسى "ع" التي بدأت من مطاردة فرعون مصر له وهو لايزال طفلا صغيرا، إذ يلقى في اليم تتقاذفه الأمواج إلى أن يستقر في مكان ما على الساحل لتبدأ المواجهة مع فرعون ثم الانسحاب التكتيكي ثم إلى الحوار ثم المعركة بالأسلحة الذكية البسيطة "الحبال" التي سحرت عقول أصحابه تماما كما فعل الإمام الحسين، إذ بدأ بالانسحاب التكتيكي من مكة والمدينة إلى كربلاء "خرج الحسين من المدينة كخروج موسى خائفا يترقب" في الواقع ليس هروبا بالمعنى، ولكن انسحابا للظروف المكانية والزمانية.

وأخيرا قوم النبي عيسى "المسيح" "ع" الذين شبه لهم أنهم صلبوه أو عذبوه ونكلوا به أشد تنكيل، ولكنهم في حقيقة الأمر مهما فعلوا فيه لم يتشابه لا هو ولا غيره من الأنبياء في مصائبه وآلامه مع آلام وفجائع الإمام الحسين "ع" ولست من باب التفضيل ولتعذرونني لو تطاول قلمي قي تعداد آلام الحسين الشهيد.

هل المسيح فصل رأسه عن جسده الشريف بعد أن كب على وجهه؟! ثم علق رأسه على رمح وسير به من كربلاء إلى الشام وهو يرى نساءه أسارى يسبون ويضربون بالسياط ويساقون كالإبل من بلد إلى بلد يتفرج عليهم القريب والبعيد فرحا بنشوة الانتصار؟!

وهل المسيح شاهد إخوته يقتلون واحدا تلو الآخر حتى طفله الرضيع رموه بسهم في نحره فذبجوه من الوريد إلى الوريد عوضا عن الماء؟

وإذا كان المسيح حرم من الماء ليوم واحد فقط فالحسين حرم هو ومن معه من الأطفال والنساء لمدة ثلاثة أيام حتى يبايع. أم هل المسيح بقي جسده الشريف مع بقية أجساد أصحابه على رمضاء كربلاء من دون أن يواروا الثرى؟

والمسيح لم يكن له أهل ولا عشيرة ذبحوا كما تذبج الشاة ولم يخنه قومه كما خانوا الإمام الحسين "ع" ولم تسلم ملابسه بل حتى إصبعه قطعوها لينتزعوا معصمه الشريف ثم رموها!

فما افجعها من مصائب وأجلها يا أبا الشهداء... وما أقساها من قلوب.

لقد أبكيت ملائكة السماء والأرض... وأبكيت الخلائق كلها من الانس والجن... وأبكيت الرياح والمياه والشجر والمدر والحجر.

ففي مثل هذا اليوم ونحن نعيش أربعينيتك التي لم ولن تجد لها مثيلا على وجه الأرض... إننا اليوم نؤبن فيك الشهامة والبطولة والثبات والرجولة ومهما سطر المؤرخون من كتب ومهما ارتفعت حناجر الخطباء لتبيان مصائبك فإنها ستعجز عن ذكرها.

وقفت أنت وأصحابك ونساؤك وأطفالك رافضين البيعة للظلمة والمستبدين والطغاة... قائلا: "والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد"... وكما يقول الإمام الصادق "ع": "لأن الجبل ينال منه والمؤمن لا ينال منه". وها أنت ضربت لنا أروع الأمثلة في البطولة والثبات على الحق والصبر على المصائب حتى آخر نفس في حياتك وأنت تلهج بذكر الله.

ثم تتسلم القيادة أختك أم الرزايا "زينب" أم المواقف البطولية ضد الطغمة الفاسدة وعلى رأسهم شارب الخمر وسالب الأموال من الفقراء والمساكين وسافك دماء الأبرياء.

نعم... وقفت زينب في مجلس يزيد بكل شجاعة وإقدام ترد على مقولته:

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

إلى أن يقول:

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

فردت عليه: أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله "ص" سبايا، قد هتكت ستورهن تحدوا بهن الأعداء من بلد إلى بلد؟

إلى أن تقول له غير آبهة بما سيجري عليها: "فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا".

نعم... وقفت زينب أمام أكبر الطغاة آنذاك وهي تنظر إلى رأس أخيها والطغاة يقلبون ثناياه وهي ماضية في فضحهم وفضح الجلاوزة والشياطين الذين أغرتهم الأموال والقصور والمناصب.

وما إن انتهت حتى انقلب المجلس رأسا على عقب وعرف الناس الحقيقة المسبية... ومن هي هذه المرأة العظيمة... ومن هو أخوها ومن هم الأسرى... كل ذلك بفضل زينب... نعم وأي زينب هذه التي تقف أمام أكبر طاغية وتتكلم بكل فصاحة وطلاقة لتعلن أمام العالم اليوم وفي أربعينية أخيها وفي مجلس الطاغية الحقيقة التي دفنت ولولاها لما عرف الناس اليوم ولما تجرأ الناس على ذكرها... فإن كانت لنا اليوم عزة وكرامة فبسببها... وإن كانت للمرأة اليوم مكانة محترمة في جميع العالم فببركة بطلة كربلاء... ابتداء من الدساتير ومرورا بجمعيات عالمية نسوية وحقوقية انتهاء بتأسيس جمعيات حقوق الإنسان العالمية كما أعلنها الإمام الخميني "كل ما عندنا من كربلاء" أي من دماء الشهداء.

فماذا نستطيع أن نقول قي تأبينك اليوم؟ لقد ضربتم للعالم وللقادة، مسلمين ومسيح، أروع الأمثلة من أجل أن نحيا ونعيش ويعيش العالم بسلام... نعم، كان من الأجدر على الأمم المتحدة أن تخصص في أجندتها يوما عالميا لشخصية الإمام الحسين ورسالة الحقوق من دماء شهداء الطف وأن تتبنى الشعارات البلاغية المهذبة التي أطلقها أبو الأحرار وأم المصائب وأن تدون في سجلها قصة الطف وأهدافها كما فعلت مسبقا بتبنيها "وثيقة عهد الإمام علي "ع" إلى مالك الأشتر". فأهداف النهضة الحسينية لا تنتهي فقط في مواكب عزاء هنا وهناك ولا تقدر أهميتها بجمع 3982 كيسا من دماء الموالين للإمام الحسين "ع"... إنها أكبر من أن توصف. إن ما أقدمت عليه جيوش بني أميه بالأمس بمحاصرتها سيدشباب أهل الجنة مع أهل بيته هو نفسه ما أقدمت عليه "إسرائيل" حديثا بمحاصرة المقاومة إعلاميا واقتصاديا مقابل البيعة للكيان الإسرائيلي.

إن "إسرائيل" تريد اليوم أن يبايع الأمين العام لحزب الله شارون مغتصب أراضي الفلسطينيين المستضعفين وغاصب مياه اللبنانيين والأردنيين ومحاصر السوريين! فإذا كان بالأمس هناك من سفك دماء أهل البيت الطاهرة من أجل العرش والبيعة فإني أعلن وفي هذا اليوم "ذكرى أربعينية سيد الشهداء" ظهور هؤلاء ثانية ممثلين في "شارون وشالوم وموفاز" وأن واقعة قائمة لا محال إذا ما تمادت "إسرائيل" في طغيانها على أيدي أتباعها وأنصارها القادمين إلى لبنان كي يعدوا العدة ضد المقاومة اللبنانية بحجة "نريد أن نعرف الحقيقة" وبحجة الانتخابات اللبنانية! إننا نشاطر المقاومة وندعو لهم وللبنانيين بالخير والصلاح والوحدة تحت راية المقاومة بعيدة عن الأهواء والاطماع الإسرائيلية.

مهدي خليل إبراهيم

العدد 937 - الأربعاء 30 مارس 2005م الموافق 19 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً