العدد 937 - الأربعاء 30 مارس 2005م الموافق 19 صفر 1426هـ

بين مأساة الطف وجريمة التزوير

السيدة سكينة "ع"

لم تقتصر ظلامات أهل البيت "ع" على المطاردة والملاحقة وألوان النفي والإقصاء. ولم تكن عمليات الإبادة والقتل الوحشي لأنصارهم المخلصين إلا فصلا من فصول المأساة الدامية. فقد تعرض أهل البيت "ع" وأتباعهم إلى لون آخر من الملاحقة. ربما يكون أشد إيلاما ومأسوية، إذ عملت الأجهزة السلطوية وأصحاب الأقلام المأجورة على تشويه تاريخهم بدس الأكاذيب والافتراءات ابتغاء التقليل من قيمتهم الروحية والدينية ومكانتهم في صفوف الجماهير الإسلامية في مختلف الأصقاع.

وتعتبر السيدة سكينة بنت الإمام الحسين "ع" واحدة من الشخصيات الإسلامية التي نالها قدر من الاتهامات المغرضة التي لا تستند إلى شيء غير الحقد على أبيها وأهلها، فالتاريخ يؤكد أن السيدة سكينة كانت مشهورة بالطهر والعفاف، حتى أنها عرفت بكونها سيدة نساء عصرها. ولشدة تعلقها بالله تعالى وأنسها به فقد قال عنها الإمام الحسين "ع": "وأما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله، فلا تصلح لرجل". ولهذا كان يحبها حبا شديدا وقال فيها وفي أمها الرباب:

لعمرك انني لأحب دارا

تحل بها سكينة والرباب

وشهدت السيدة سكينة "ع" واقعة كربلاء ولامست عن قرب ما جرى من فجائع مهولة على أهل البيت والأنصار، كما كانت ضمن قافلة السبي من كربلاء إلى الكوفة ثم الشام فالمدينة. وسجل لها التاريخ مواقف عظيمة أثناء حوادث الطف تبعث على الارتعاش والخشوع، ولعل أشدها وقعا موقفها الأليم حينما شاهدت الإمام الحسين "ع" مصروعا وعلى جسده التراب، فلم تتمالك نفسها فألقت بنفسها عليه وفي لحظة من الحزن والمناجاة لا يعلم إلا الله تعالى مقدارها، لم يستطع أحد أن ينحيها عنه إلا قهرا.

فهل توقفت معاناة هذه السيدة الشريفة؟ إن مؤرخي البلاط كانت لهم كلمة أخرى، إذ سعى بعضهم إلى حياكة أقاصيص واهمة للحط من شأنها. فزعموا أنها كانت تجالس الشعراء، وتعقد مجالس الطرب والشعر في بيتها، وأن للشاعر عمر ابن أبي ربيعة أشعارا يتغزل بها، وكذلك حاولوا أن يلصقوا بها تهمة تعدد الأزواج... إلى غير ذلك من الأراجيف الباطلة.

وفضلا عن أبي الفرج الأصفهاني - الذي روى بعض تلك الأحاديث المفتعلة والذي كان معروفا عنه الأخذ عن الوضاعين مثل حماد وغيره - فإن سياقات ما روي عن السيدة سكينة من شعر وطرب، تكفي وحدها لدحضها ولاسيما إذا علمنا أن رواتها من ذوي الهوى الأموي، بل إن وصف الحسين "ع" سكينة بغلبة الاستغراق مع الله تعالى كاف لتكذيب كل ذلك بالجملة.

فاطمة مهدي حسين الجمري

العدد 937 - الأربعاء 30 مارس 2005م الموافق 19 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً