نادته أمه للغداء فقطعت أفكاره وتساؤلاته ، فذهب مسرعا وجلس مع أمه وأخته وجدته حول المائدة ، فبدأ بالأكل من غير شهية ، و قال لأمه : أحس أن الطعام من غير طعم. فقالت له أمه : هذه هي حالنا، نأكل لنسد جوعنا فقط ، قالت فاطمة "أخت أحمد" : إنني أفتقد تجمعنا حول المائدة ، نحن وأبي و جدي ، وأفتقد الفرحة على وجوهكم .قالت الجدة : إن شاء الله سيفرج عن أبيك وتحرر فلسطين من أيدي المحتلين .
بعد الغداء ، رجع أحمد إلى غرفته وبدأ بممارسة هوايته الوحيدة ، وهي كتابة الشعر. يمضي أحمد معظم وقته في كتابة الأشعار التيئ تتعلق بوضع وطنه وأسرته ، وحتى وضع أبيه ، فهو يعرف شعور أبيه لأنه يحس أنه محبوس في سجن ، وهو بعيد عنه ، وشعر أنه مظلوم لأنه محروم من رؤية أبيه ولو لثوان معدودة .أما أخته فاطمة ؛ فهي تهوى الرسم وكثيرا ما ترسم المسجد الأقصى ، وترسم أسرتها وهي مجتمعة وفرحة باجتماعها من جديد .
في أحد الأيام ذهب أحمد إلى غرفة أخته و قال لها: هل تتوقعين أن يطلقوا سراح أبي في يوم من الأيام ؟ فقالت فاطمة:بل أنا متأكدة ؛ لأن أبي مظلوم والله يمهل ولا يهمل.فقال أحمد:إذا مارأيك أن أكتب شعرا وأن ترسمي أنت الرسوم المناسبة ؟ وأن تكون هدية لأبي بعد خروجه من الأسر. قالت فاطمة : فكرة جميلة أنا موافقة.
وبعد أسبوع أكمل أحمد وفاطمة عملهما ،عرضا ما أنجزاه على أمهما وجدتهما ، ففرحتا جدا بهذا العمل ودعتا بأن يتحقق حلمهما.
وفي يوم من الأيام قرر أحمد الخروج من بيته الكئيب لعله يرى أصحابه ويتكلم معهم ، فخرج بعد أن أذنت له أمه ، وذهب قرب مدرسته ، فرأى جميع رفاقه جالسين هناك ، فسلم عليهم وجلس بقربهم ، وقال لهم : "" يجب علينا المقاومة والتفكير في طريقة لحل مشاكلنا وتحرير آبائنا، ولا يجب أن نجلس هنا ننتظر أن يقوم أحد بذلك ، يجب علينا أن نقاوم من أجل تحرير فلسطين وطننا الغالي "" وافق الجميع على كلام أحمد .
اتفق أحمد مع رفاقه على خطة للقاء آبائهم في الأسر ، وهي أن يشغل بعضهم جنود الاحتلال برمي الحجارة ، ليتمكن الآخرون من دخول السجن .
وفي اليوم الثاني ، نفذ أحمد و رفاقه الخطة التي اتفقوا عليها ؛ برمي الحجر الصغير على الجنود الذين يقفون وراء المدافع و يحملون الأسلحة الفتاكة ، وأخذوا يرمون الحجارة وهم على أمل لقاء آبائهم ، وبعد دقائق وصلوا إلى السجون ، وهنا شعروا بفرحة الانتصار.وبعد أن شاهدوا آباءهم وأخبروهم عن كيفية وصولهم إلى السجون . شعر الآباء بفرحة عظيمة ، وملأهم الفخر بما حققه أبناؤهم .
أخبر أحمد أسرته بما فعله هو وأصحابه ، ففرحوا كثيرا ، وقرروا جميعا الذهاب لزيارة الأب في اليوم الثاني. هكذا فعل كل صديق من أصدقاء أحمد.
وفي اليوم الثاني تفاجأ جنود الاحتلال من أعداد الناس المتوجهين إلى زيارة آبائهم وأزواجهم وإخوانهم ، و فزعوا بأعداد الأطفال الذين يرمونهم بالحجارة ، فقرروا تحرير الأسرى من السجون خوفا من أن يتضاعف عدد الزوار وأن يتغلبوا عليهم في يوم من الأيام .
وما أن سمع الناس هذا الخبر حتى خرجوا من بيوتهم ، وتجمعوا حول السجون وهم ينتظرون خروج الأسرى . وفعلا خرج الأسرى من سجونهم تغمرهم فرحة كبيرة لمجرد معرفتهم أنهم سيقضون بقية حياتهم إلى جانب أهلهم.
توجه أحمد مع أسرته إلى البيت وهو سعيد بما حققه هو ورفاقه ، ثم تناولوا العشاء مع بعضهم البعض ، وهنا قال أحمد :الآن أحس بأن الأكل له طعم.
وقبل النوم سأل أحمد أخته: يا ترى من أنا بعد أن جمعت أسرتي من جديد؟ فقالت له فاطمة:أنت طفل فلسطيني شجاع ، وأنت من ساعد على أن يعم الفرح والسرور في معظم البيوت الفلسطينية ، وأنت من أرجع لنا الأمل في أن تحرر فلسطين من أيدي المحتلين.
* طالبة أول اعدادي، بمدرسة الدراز الاعدادية للبنات
العدد 966 - الخميس 28 أبريل 2005م الموافق 19 ربيع الاول 1426هـ