العدد 987 - الخميس 19 مايو 2005م الموافق 10 ربيع الثاني 1426هـ

العالم الآخر لرجل الكمبيوتر

رجل يقتل آخر لأن الطرف الثاني رغب بذلك وطلب أيضا أن يؤكل لحمه. قضية ليس لها مثيل في تاريخ القضاء الألماني وهذه هي القصة. جلس أرمين إلى جانب صديقه يستمعان لصوت الموسيقى المنبعث من مذياع صغير ثم قال أرمين: لا تجزع. بدأ النهار ينتهي تاركا الساحة لعتمة الليل. الزمان: آذار العام 2001 وقبل أيام على حلول عيد الفصح. أشعلا سيجارتين وراحا يتأملان الحفر على الحائط مثل الأطفال الذين يتأملون الغيوم. بعد وقت قصير توجه أرمين إلى المطبخ وعاد بسكين ليقتل صديقه. الغرفة التي قررا أن تتحول إلى مسلخ كانت غرفة التدخين فليست فيها نافذة. في الزاوية سرير ووسائد. تعانقا قبل تكرار بيرند برانديز طلبه بأن يقوم أرمين بذبحه وأكل لحمه.

كان أرمين في سن الثامنة من العمر حين بدأ الرجال يختفون من حياته. كان أولا شقيقه الأكبر الذي سافر للدراسة إلى برلين ثم انفصل والده عن والدته التي تكبره بعشرين سنة. ثم سافر شقيقه الأصغر الذي كان مولعا به إلى برلين لأنه لم يطق العيش في ظل والدته. ظل أرمين وحيدا مع والدته التي كانت تضربه أحيانا. كان وقت الظهيرة يودع رفاقه في المدرسة ليهرع إلى المنزل ليساعد والدته التي كانت تشكو من آلام في الرأس وتعطيه الأوامر من حيث كانت تجلس على مقعدها. كانت تحذره من اللعب مع الأولاد وتطلب منه البقاء في المنزل إلى جانبها. لم يكن بوسع أرمين معارضة أوامر والدته التي فرضت شخصيتها بقوة عليه، ما جعله يشب من دون أن تكون له شخصية مستقلة. وهكذا أصبح أصغر الأولاد الرجل الوحيد في حياة والدته فالتراود مايفيز. في صور ألبوم الأسرة لا يرى المرء والدته وهي تبتسم في واحدة من الصور بل عابسة. قال أرمين للشرطة بعد اعتقاله: كانت والدتي قاسية القلب وصعبة المراس وزادت الأمور صعوبة بعد أن تخلى عنها والدي وتركنا تحت رحمتها ومنذ ذلك الوقت لم تعد تهتم بنا. كان أرمين يتحدث مع نفسه بعد أن سافر أشقاؤه. كان في الليل يتحدث عن حنينه لرؤية والده وعن أفضل الرفاق في المدرسة. قال أرمين للشرطة إنه حصل على أول تجربة جنسية مع شقيقه الأكبر، لكن شقيقه نفى ذلك قطعا. ويعتقد المدعي العام أن أرمين ابتدع هذه الحجة كي يلفت النظر لكونه تعرض لصدمة نفسية في سن مبكرة ولهدف تخفيف العقوبة. في سن الـ 12 حلم أرمين ذات يوم بأنه قتل أحد زملائه في المدرسة وأكل لحمه. كانت هذه أول تجربة له جعلته يسأل ما إذا كان في العالم أكلة لحوم البشر. وراء هذا الإحساس رغبة في أن يحصل أرمين على صديق لا يفارقه أبدا. أصبح أرمين يهتم بمساعدة الجيران كلما قاموا بعملية ذبح خنزير أو بقرة. كان أرمين يتفرج ويساعد ويغسل يديه بالدم وأصبح مولعا بذبح الحيوانات. في الليل كان يحلم بأنه يسبح في بحر من الدم. وجد أرمين فرصة للتعرف على أشخاص مثله بواسطة برامج المحادثة عبر الإنترنت. من مسكنه في منزل قديم محاط بالأشجار في ولاية هيسن... المنزل الذي فرشته والدته بحسب ذوقها، عدد الغرف 44 غرفة تم تجهيزها ليجري تأجيرها للمسافرين العابرين. حين كان الجيران يحتفلون كانت والدته تنهض من مكانها في العاشرة ليلا وتصرخ بهم بصوت عال ليخفضوا أصواتهم وكانت أمام الجميع تطلب من ابنها البالغ أن يذهب إلى سريره. في العام 1981 أدى أرمين الخدمة العسكرية. قال عنه الضابط المسئول وقتذاك: كان أول الحاضرين للعمل قبل موعد الدوام بعشر دقائق وكان يساعد الجميع. بعد الخدمة الإلزامية أصبح أرمين يحلم بأن يقوم بعمل مستقل وخطط مع شقيقه ليفتتحا مدرسة لتعليم الكمبيوتر ولاحقا تأسيس شركة للإنترنت. ظل أرمين يحلم من دون أن يحصل على فرصة لتحقيق أي من أحلامه، لكنه حصل على وظيفة فني في شركة للكمبيوتر، إذ راح يصلح أجهزة الصراف الآلي الخاصة بالمصارف. كان ينفق راتبه في شراء أجهزة كمبيوتر وسيارات قديمة. في حديقة المنزل كان يفكك السيارات، لكنه لم يعد تركيبها. في نهاية النهار كان أرمين يعود إلى حضن عالم الطفولة. كان يقرأ قصص الأطفال وأيضا قصص الجريمة وحصل على مجموعة من الكتب الأميركية التي تتحدث عن أكلة لحوم البشر. وجمع مقالات من الصحف عن المجازر التي وقعت في حرب فيتنام وعن فريتز هارمان الذي قتل في العشرينات 20 طفلا في مدينة هانوفر وسمي بمصاص دماء الأطفال. راح أرمين يقص صور الأشخاص ويضعها على صحن الشواء. ثم شرع بتقطيع لعبة باربي وحفظها في خزينة كي لا تعثر عليها والدته. استخدم كاميرا فيديو ليصور نفسه ذات يوم. رش رقبته بكاتشاب الطماطم وراح يلعب بسكين على رقبته. وبينما كانت والدته ماضية في نومها كان أرمين يعمل في غرفته بما يتفق مع شخصيته الثانية. كان شخصا مختلفا حينما كان يغادر حجرته. يلاعب أولاد الجيران ويسافر مع الأصدقاء لقضاء إجازات في الخارج وكان ودودا لجيرانه اللبنانيين، إذ كان يقص لهم عشب الحديقة ويصلح سياراتهم ويدعوهم إلى الأكل. علم ابنهم البكر قيادة السيارات وكان يلعب مع الأصغر لعبة القطار. لم يشعر الجيران أنه كان يشكل خطرا عليهم. حين عاد اللبنانيون إلى بلدهم زارهم 4 مرات. كان أرمين يحلم بتأسيس أسرة وتربية أولاد، لكنه لم يرتبط بصلة مع امرأة في حياته. كي لا يكشف فشله كان يضع على مكتبه صورة فتاة مدعيا أنها صديقته. في تقريره للمحكمة كتب طبيب نفساني يقول إن أرمين لم ينجح في حياته بالتحرر من سطوة والدته وقد تأثرت حياته بصورة سلبية كثيرا لغياب العنصر الرجالي داخل الأسرة بعد انفصال والده ورحيل أشقائه. في العام 1999 توفيت والدته في سريرها عن عمر ناهز 77 سنة وشعر أرمين أنه بات وحيدا وسرعان ما بدأت أحلامه المرعبة تزداد.

طلب أرمين تزويد منزله بخط إنترنت وراح يجمع في الكمبيوتر صور أشلاء ضحايا حوادث السير والحروب. كان يستعد دائما لنقل مشاهد دموية من نشرات الأخبار على شريط فيديو. عبر الإنترنت توصل لعدد من الأشخاص الذين يشاركونه هذه الهواية وأنشأ على صفحات خدمة الإنترنت "ياهو" منبرا خاصا به تحت اسم مستعار: فرانكي. شخصية فرانكي شاب شاذ جنسيا. في الليل كان أرمين يمضي ساعات طويلة يتنقل في غرف المحادثة. حين كان أولاد الجيران يشوون اللحم الذي يحضرونه معهم في حديقة أرمين كان يدربهم على الكمبيوتر وحين طلب منه الأولاد ذات يوم أن يسمح لهم بمشاهدة فيلم مرعب قال إنه لا يجد ذلك فكرة جيدة. في الليل كان يتحول إلى إنسان آخر. تعرف على بيرند عن طريق الإنترنت، شاب شاذ إلى درجة أنه أقنع أرمين بأن يذبحه بسكين ويقطع جسمه لأجزاء يأكلها تباعا. قصة حياة بيرند أيضا تكشف عن شخصية مزدوجة. توفيت والدته حين كان في الخامسة من العمر بعد أن قادت سيارتها لترتطم بشجرة. كان والده يعمل طبيبا في برلين. يعتقد والده حتى اليوم أن زوجته التي كانت تعمل طبيبة تخدير أقدمت على الانتحار لأنها تسببت بوفاة مريض بعد أن أخطأت تقدير جرعة التخدير التي منحته إياها. جرب بيرند حظه مع النساء ومع الرجال. وجد أرمين عبر الإنترنت غير بيرند أيضا من يريد من الرجال أن يقتلهم أرمين. بعد أن فعل ما فعله مع بيرند وقطع جسمه وأخفاه في ثلاجة كبيرة، تعرف على أربعة رجال آخرين طلبوا منه أن يعذبهم، لكن واحدا منهم فقط رجا أرمين أن يقطع رأسه لكن أرمين لم يفعل ذلك لأنه كانا شابا في مقتبل العمر. حكمت المحكمة على أرمين بالسجن 15 سنة ويعتقد أنه سيمضي فترة أقل داخل السجن إذا كان حسن السلوك. منذ اليوم يعد للمستقبل... إنه لن يبيع المنزل الذي جرت فيه الجريمة البشعة، قال: هذا ملجئي الوحيد الذي استطيع الخلود إليه

العدد 987 - الخميس 19 مايو 2005م الموافق 10 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً