العدد 987 - الخميس 19 مايو 2005م الموافق 10 ربيع الثاني 1426هـ

مالكين... ضابط الموساد الإسرائيلي رسام فريق اختطف النازي أنجمان من الأرجنتين

أسرار تكتشف من جديد

ابقت المخابرات الاسرائيلية "الموساد" تفاصيل عملية اختطاف القائد العسكري النازي المتخفي طويلا في الارجنتين ادولف انجمان سرا ولم تفصح عنها ابدا، بل ولم تجب على أية اتهامات لاحقة باختطافه الا بعد ان نقل الى "إسرائيل" سرا ومن ثم احتفظت به بضعة أشهر حتى قدم الى المحاكمة التي استغرقت اشهرا اخرى، حكمت بعد ذلك عليه بالموت، فنفذ الحكم وانتهت هذه القضية التي تعتبر واحدة من اشهر قضايا المخابرات في العالم.

وقد رصدت صحيفة "ذي نيويورك تايمز" العملية في وقتها إلا أنها اصطدمت بشحة المعلومات عنها في حينها، ولكنها عادت بعد سنوات طويلة لتلقي الضوء عليها من جديد وتكشف في مقابلة خاصة ونادرة تفاصيلها مع قائد هذه العملية التي جرت في 11 مايو/ أيار 1960 في مدينة سان فرناندو الارجنتينية بيتر مالكين الذي توفي أخيرا عن عمر ناهز الـ 79 عاما.

وتحت عنوان "الرسام الذي اختطف انجمان" نشرت الصحيفة المقابلة مع مالكين، وارفقتها بصور تخطيطية رسمها مالكين لانجمان اثناء فترة اختطافه وايداعه في شقة سرية اعدت مسبقا في المدينة الارجنتينية سان فرناندو قبيل نقله الى "إسرائيل".

والقصة تبدأ منذ ان شرعت السلطات الاسرائيلية في وضع قائمة باسماء الضباط ومنتسبي أجهزة الـ "اس اس" الذين ارتكبوا جرائم ضد اليهود في أوروبا، ومن بين هذه الاسماء كان اسم القائد العسكري ادولف انجمان الذي حكم القطاع العسكري البولندي. ولأن بيتر مالكين ذا الاصول البولندية كان اكثر المتحمسين لتنفيذ هذه العملية لاعتبارات كثيرة منها ان النازيين تحت قيادة انجمان قاموا بتصفية اقاربه واخته ابان الحرب العالمية الثانية، فقد سر باختياره للبحث عن انجمان واختطافه اينما يكون ونقله الى "إسرائيل" لمحاكمته.

وقد عمدت "الموساد" الى تجنيد الكثيرين من الضباط واخفتهم تحت واجهات مهنية مختلفة، ونشرتهم في عموم بلدان العالم من اجل التقاط أخبار واماكن هؤلاء النازيين المطلوبين للسلطات في "إسرائيل". وكان مالكين احدهم فقد اختارت له ان يكون رساما، لذلك عليه ان يتعلم فن الرسم، ويمارسه في حياته العامة، الى حين حلول الحاجة لخدماته الاستخباراتية الخاصة. وخلال ذلك ادخلته في دورات مكثفة بعضها ذات طبيعة قتالية كرياضة العمليات الاشتباكية، وبعضها ذات طبيعة تسلحية كتعرف أنواع الأسلحة واستخدامها في حين تكون الدورات الأخرى ذات طبيعة مهنية تتعلق بمهنة الاختفاء القادمة، وهي الرسم.

وقد ابدع مالكين فيها جميعها، ومنذ ذلك الحين اصبح رساما مدربا على اداء جميع هذه الواجبات ثم بدأ يبحث عن ضحيته القادمة، مستفيدا من كل معلومة ترده منه.

وكان ادولف انجمان قد هرب من ألمانيا بعد دخول قوات الاحتلال، وظل يتنقل بين الدول الأوروبية المختلفة ثم حط الرحال أخيرا في الارجنتين متنكرا باسم ومهنة مختلفة، وعاش في بيت متواضع في مدينة سان فرناندو الارجنتينية طوال عقدين من الزمن تقريبا، مستفيدا من لغته الاسبانية التي اجادها بشكل لا يبعث على الشك فيه.

وأخيرا وصلت معلومات تقول ان انجمان موجود في الارجنتين وفي مدينة سان فرناندو، فتحرك بيتر مالكين مع أحد مساعديه وهو ضابط مخابرات ايضا وتوجها الى ذلك المكان. وقبل ان يباشرا التخطيط لاختطافه قاما باستئجار شقة بعيدة عن الانظار في المدينة ذاتها. وبدأ مالكين يكثف من اتصالاته بالمركز الاستخباراتي في "إسرائيل"، وقد وضع خطة اختطافه بالتنسيق مع هذا المركز. واعد لهذا الغرض سيارة "ميكروبوس" كان يضعها عادة بجنب بيت ادولف انجمان ويراقب خروجه ودخوله الى ان حان موعد تنفيذ العملية، فتابعه الى مسافة خارج نطاق موقع البيت، وفي مكان آمن، انقض عليه فطرحه ارضا وشهر عليه مسدسه، وقال له: "أية حركة وتموت" فاستسلم انجمان وهو منبطح على الأرض ثم نقل الى السيارة المجاورة وزرق بابرة تخدير ولم يفتح عينيه إلا في شقة لا يعرف اين موقعها.

كان انجمان يعيش في بيته مع زوجته وابنه ولما لم يعد الى البيت قامت زوجته باخبار السلطات الارجنتينية عن موضوعه وبدأت وسائل الاعلام المختلفة تنقب عن ماضيه وحاضره، وتوجهت الاتهامات صوب "الموساد" الاسرائيلي ولكن "إسرائيل" لم تعلق على الموضوع ابدا ولم يخلد ببال الجهات الامنية الارجنتينية ان المختطف مازال موجودا على أراضيها واعتقدت انه نقل الى بلد آخر، أو ربما الى "إسرائيل" ذاتها. وبعد عشرة أيام خفت الحملة الاعلامية وغاب اثر الحديث عن انجمان، وفي ذلك الوقت تطلبت خطة "الموساد" نقله في الحال الى "إسرائيل" فارسلت "إسرائيل" وفدا دبلوماسيا رفيع المستوى لزيارة بعض دول أميركا اللاتينية على ان تشمل الزيارة الارجنتين ايضا. وفات السلطات الارجنتينية ان قدوم هذا الوفد الى الارجنتين يهدف الى تمويه الهدف الذي جاء من أجله. فقام بيتر مالكين بتزوير جواز سفر دبلوماسي يحمل اسما آخر لانجمان ولكن بصورته الحقيقية وزجه في صفوف الوفد اثناء مغادرة المطار الدولي في الارجنتين. كان الوفد عبارة عن مجموعة من ضباط المخابرات الاسرائيلية "الموساد" الذين تنكروا بهويات وجوازات دبلوماسية وقد احاطوا بالضحية حينما مروا عبر تأشيرة المطار بحيث لم يستطع ان يتحرك أو يصيح لانهم حذروه من ذلك قائلين: "اذا ابديت أية محاولة لافشال الخطة فستقتل حالا".

نقل انجمان الى "إسرائيل" وبدأ التحقيق معه واستمر ذلك نحو ستة أشهر تقريبا، حتى أعلن موعد المحاكمة التي اصدرت حكمها عليه بالموت.

يا ترى من يكون بيتر مالكين هذا، الذي قام بتنفيذ عملية اختطاف انجمان؟ ولد مالكين في فلسطين العام ،1929 وفي سنوات عمره الاربع الأولى انتقل مع عائلته الى بولندا وعاش في مدينة "كراكوف"، وبعد العام 1936 عادت العائلة الى فلسطين مجددا. وفي عمر الثانية عشرة التحق بعصابات "الهجانا" التي ارتكبت مذابح ضد الفلسطينيين، ومن ثم انتقل الى سلك المخابرات واختص بالأسلحة والمتفجرات منذ العام .1978

وكان بيتر مالكين قد قام بعدة عمليات استخبارية حققت الاهداف المحددة لها، مثل كشف الجاسوس السوفياتي بيير الذي وصل الى أعلى المواقع وقاد عملية أخرى ضد علماء "الصواريخ" الالمان الذين تعاونوا مع مصر خلال عقد السبعينات، اضافة الى عمليات أخرى كثيرة ضد السوفيات والعرب لم يكشف عنها النقاب الى الآن

العدد 987 - الخميس 19 مايو 2005م الموافق 10 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً