العدد 1050 - الخميس 21 يوليو 2005م الموافق 14 جمادى الآخرة 1426هـ

كابوس... اسمه الموازنة السنوية!

فجأة ومن دون سابق انذار، فالأمر ليس بيدي، تذكرت سوالف جدتي وأيام زمان، حينما كانت تقص علينا حكاية سندريلا، القصة العربية طبعا، أي بمعنى حكايات زوجة الأب مع بنات الزوج وحكايات أيام زمان.

حينها قلت في نفسي: جدتي لم تخبرني عن قصة قديمة جدا لربما تستحق تسمية الأسطورة أن يطلق عليها مصطلح "الموازنة السنوية". طبعا ليست ملامة على ذلك فهي ليست متعلمة، فكما تعرفون امهات وجدات الزمن السابق كن بسيطات إلى اقصى حد، ولم يحالفهن الحظ في معرفة هذه القصة.

هذه القصة تتكرر كل عام، في كل مكان، في الزمان نفسه وعادة في النصف الثاني من كل سنة. القصة التقليدية كالآتي: تقوم كل مؤسسة حكومية وخاصة بتقييم لعملياتها الحالية، المستقبلية، ثم تحدد النفقات التي ستحتاج اليها "لمدة سنة أو سنة ونصف" المقبلة لتستطيع تكملة مسيرتها كشركة، وفيما بعد تقوم كل فترة قد تكون شهرية أو ربع سنوية بمقارنة الموازنة المقرة مع المصروفات الفعلية، وهذا ما نسميه بالـ Variance Analysis. هذه الطريقة تحلل ما حدث في الماضي اي Backward، إذ يكون التركيز على الفرق بين الموازنة السنوية والمصروفات الفعلية عن الفترة السابقة. قد تطرح أسئلة مثل لماذا لم يصرف أو صرف أكثر من المبلغ الذي تم رصده في الموازنة.

الطريقة تقارن بين مصروفات أنفقت حديثا ومبالغ رصدت في الموازنة منذ سنة أو أكثر ! اي أصبحت أرقاما بالية أكل عليها الدهر وشرب ! هذه العملية المملة تتكرر كل شهر أو ربع سنة وتعمل على تقييم الماضي، بينما تغفل النظر الى المستقبل والتحضير لما قد يحدث من تغيير والاستعداد له. هذه للأسف هي الطريقة الحالية السائدة.

من وجهة نظري الشخصية ان تلك الطريقة غير صالحة وفقا لتغيرات العصر ومتطلباته وقد تكون طريقة الـ olling Forecast أكثر فاعلية، إذ تجبرنا هذه الطريقة على المراجعة والتخطيط للمستقبل، بصورة متواصلة "الربع سنوية هي الطريقة المستخدمة في سائر أنحاء العالم" اي انها Future Oriented . فعند دراسة الوضع ورصد المبالغ للفترة المقبلة كل ثلاثة شهور، هذا يجبر كل شخص وكل إدارة على التخطيط وليس ذلك فحسب بل تسمح لكل ادارة تقييم الأداء الوظيفي فيما لو ربطنا الهدف بالأداء كاستخدام الـManagement By Objectives "MBO". أيضا تمكننا من اعادة توجيه المصادر بصورة مستمرة، سواء كانت اقتصادية، بشرية أو غيرها.

قد لا يشجع البعض هذه الطريقة بحجة ان في هذا هدرا للموارد البشرية إذ تتطلب التخطيط المستمر والمتابعة عن كثب، ما يعني تخصيص وقت أكثر لمراجعة ورصد الموازنة والمصروفات. أما الرد: هذا هو المطلوب، لابد من اعطاء كل شيء حقه وأن نكون على أهبة الاستعداد لمواجهة أي تغيير وان تطلب ذلك موارد بشرية أكثر. لقد من الله علينا بالكثير من العاطلين قد تكون هذه احدى الطرق لامتصاص البطالة المستفحلة. لربما آن الأوان لجميع الشركات، حكومية أو خاصة، لمواجهة وتغيير هياكلها واستيعاب الكثير من الموارد البشرية العاطلة، وبالتالي تخفيف العبء عن الحكومة والملك "حفظه الله". مشكلة البطالة هي مشكلة كل فرد وليست مشكلة الحكومة فقط. بينما قد يقول آخرون إن العملية ستتعقد على اعتبار انها لابد ان تكون مراجعة ومقرة من طرف البرلمان وهذا يعني الكثير من الاجراءات والتنسيق مع البرلمانيين. أما الرد فهو: ان على البرلمانيين أن يكونوا أكثر استعدادا، مرونة، وديناميكية ما يعني ان اللجنة المالية التابعة للبرلمان لابد ان تكون ذات خبرة ووعي كافيين لممارسة دورها وان تنظر على ان دورها مكمل للحكومة وليس ضدها، ما يعني تحري الدقة في اختيار النواب في المرات المقبلة، وعلى الشعب ان يكون اكثر وعيا في اختيار من يرشح، بعد التجربة التي مر بها ! من غرائب العصر أنا في النصف الثاني من العام 2005 ومازلنا نتحدث عن اقرار موازنتها!

وقد يتطلب ذلك مراجعة دوريه من قبل أعضاء مجالس الادارة. وماذا في ذلك، هذا جزء من عملهم كأعضاء، وعليهم أن يكونوا اكثر فاعلية في أداء دورهم وان يمارسوا صلاحياتهم فعلا عوضا عن حضور الاجتماعات الروتينية والشكلية التي لاتضر ولا تنفع! وخلاصة الكلام هذه الطريقة تصب في المصلحة العامة إذ تجبر على التخطيط والاستعداد بصورة دائمة كما تقر طريقة تقييم اوتوماتيكية للعمليات والاشخاص، ولن نتحدث عن الانظمة التي تخدم هذه الطريقة فهي كثيرة ولا يسع المجال لذكرها. كما انها توجه موارد المملكة الاقتصادية وتحدد الاولويات بصورة دائمة وفاعلة. جاء الوقت لنتغير ونخطط للمستقبل لنستطيع أن نوجه مواردنا الشحيحة عوضا عن المحاسبة عن ماذا رصدنا لهذا الشيء وكم صرفنا. لابد ان نربط هذه العملية بالمستقبل. العالم تغير وجاء دورنا لنتغير وإن لم نواكب ما يحدث في هذا العالم فسنظل "إلى الوراء سر"!

أميرة بوحميد

العدد 1050 - الخميس 21 يوليو 2005م الموافق 14 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً