في يوم من الأيام قابلت "أمل" "ألم" في دربها. .. كان مجروحا، دماه تسيل وقد استنزفه التعب واستهلكته الحياة بمجملها... في حين كانت أمل مشرقة الوجه... ما إن رأته حتى أقبلت عليه مستفسرة عن حاله وسبب جروحه وإعيائه وهيأته هذه... أجابها في إعياء: أنا... آه... أنا ألم!
عندما سمعت اسمه تمتمت... ثم أخذت نفسا عميقا وتنهدت... وقفت... ذهبت... وبعد برهة عادت إليه ومعها بعض الضمادات والماء والطعام وفراش... فرشت الأرض... رتبت له مكانا كي يرتاح... ضمدت جروحه... طببت علله... وضعت الطعام أمامه...
في حين كان يسألها عما تفعله؟ ولماذا هي كريمة معه؟ وكيف تقدم الطعام له؟ وتطبب جروحه من دون إذنه؟!
ينما كانت هي صامتة... تتابع عملها من دون أن تعير بالا لما يسأل عنه.
انتهت... لملمت حاجياتها... وودعته منصرفة!
استوقفها... سألها عن سبب ما فعلته؟ ولماذا ساعدته؟ ومن تكون هي؟
نظرت أمل لألم مبتسمة، وقالت له: أنا أمل!
عندها تنهد وقال:
لله درك... الحمد لله أنك لست ألما مثلي... إذ لا قدرة لك على التحمل!
نظرت له أمل غاضبة وثائرة... وقالت له وعينها مغرورقة بالدموع تكابرها: الأمل يحتوي الألم... لكنني أتساءل لماذا لا يحتوي أو يستوعب الألم أملا في حياته؟!
أنا أيضا أتألم... فما كل ما آمل فيه يتحقق أمامي... أو حتى في غيابي ...كم وكم من الآمال لم تتحقق!
أنا أيضا تعبة... ففي ذهابي ومساعدتي لك وتضميدي لجروحك فقط جهد كبير! أنا أيضا مجروحة... ولربما جروحي نزيفها لا يتوقف، وأوجاعي تفت في العظم أكثر من جروحك السطحية ودماك المتجلطة... لكنني أحتوي كل ألم وجرح وتعب... أحتويه بأمل في أن يسكن الجرح... ويلتئم ...أحتويه بأمل في أن تهدأ الروح وتطمئن... أحتويه بأمل في أن يقوى العظم ويلتحم مكان النزيف...
أنا أمل يحوي الألم بكل أبعاده... وما إشراقة وجهي إلا أمل في أن تتجدد الحياة.
صمت وهو يسمع صوتها... للمرة الأولى يسمع في صوتها نبرة أخرى غير تلك التي سمع عنها الكثير والكثير... للمرة الأولى ينتبه إلى أن الأمل يحتوي الألم... لكن الألم لا يحتوي أي أمل في داخله؟! فالألم لا يحوي غير الآلام والتعب والأوجاع... التي لا يأمل في أن تتغير أبدا. نظر إليها... حاول الوقوف... لكن جروحه وآلامه أقعدته مباشرة... في حين هرعت أمل له ومدت يدها... لم يمسكها!
أمرها بالابتعاد عنه؟! عاود المحاولة مستندا إلى جذع وحجر قرب مكانه... وقف للحظة وقال لها: سأحاول أن أحتوي أملا... كيما أقف.
وسرعان ما هوى على الأرض من شدة الإعياء والتعب... ابتسمت أمل وهي تقول له:
لو أمسكت يدي الممدودة لك لوقفت... لكن الألم عنيد ولا يحتوي أملا!
ضحكت... ومضت تتابع طريقها.
زهرة عبدالله أحمد
العدد 1092 - الخميس 01 سبتمبر 2005م الموافق 27 رجب 1426هـ