بعد الحاح البنت واصرارها على أن يشتري لها والدها «الحاج جعفر» هاتفاً نقالاً متطوراً حاملاً ميزة «البلوتوث» أسوة ببقية زميلاتها وصديقاتها، رضخ الحاج جعفر لهذا الطلب، على رغم سوء حاله المادية وظروفه الصعبة.
وقبل عملية الشراء، قام الحاج جعفر «غير المتعلم والخارج من الصف السادس الابتدائي» بالتحري والسؤال عن سلبيات وايجابيات مثل هذه الهواتف الحاملة لخاصية «البلوتوث»، وكنت ممن وجه إليهم هذا السؤال، ونالهم هذا التحري، كوني قريبا من هذا الرجل بحكم زمالتي له في العمل، وكذلك كوني حاملاً لمثل هذا الهاتف النقال.
وبعد شرحي له السلبيات والايجابيات، وتقديمي له موجزاً عن خاصية «البلوتوث» قرر الحاج جعفر أن يشتري لابنته هذا الهاتف شريطة ان تكون له متابعة ومراقبة مستمرة لطريقة استخدام البنت لهذا الهاتف.
ولا يخفى على أحد أن شريحة كبيرة من شباننا انجرفت وراء سلوك خاطئ ومنحرف في استخدام مثل هذه الهواتف.
فلم يعد غريباً ان ترى مقاطع لأفلام إباحية في هاتف شاب لم تتجاوز سنه الخامسة عشرة من عمره، أو تسمع ضحكة خجولة لفتاة تستقبل مثل هذه المقطوعات في إحدى المجمعات المكتظة بالشباب، لكن الغرابة تكمن في الغياب الواضح لدور أولياء الأمور في مثل هذه المواقف، وترك الحبل على الغارب لهؤلاء الأبناء من دون حسيب أو رقيب أو حتى متابع.
فالفلاّح حينما يودع البذرة في رحم التراب، يدرك تماماً انها لن تثمر الا بعد ان يقدم اليها الرعاية بالماء والدواء صيانة وعلاجاً.
وكذلك النطفة حينما يودعها الأب في رحم الأم فانها لن تثمر ولداً سليماً ويافعاً إلا بعد رعاية الشروط والضوابط لهذا الطموح ولهذا الهدف المنشود، وما يؤسف له ان ترى أباً متعلماً وأماً متفتحة، يتمسكان بالاعتقاد بأن الابن أو البنت متى ما دخلا مرحلة البلوغ والشباب فهما في غنى عن نصائح وارشادات الوالدين، وهذه تعتبر أعظم هدية يقدم من خلالها الآباء فلذات اكبادهم لكل طامع ومتربص من أجل قيادتهم نحو الانحراف والانحلال الخلقي.
وحقيقة لسنا من دعاة تقييد الحريات والتضييق على سلوكات الأبناء لكننا من دعاة إبراز الدور التربوي للآباء المتمثل بجميع الجوانب وعلى رأسها التحذير والتوجيه والارشاد.
وختاماً، نقول انه على رغم التطور والغزو الحضاري الذي منيت به مجتمعاتنا الإسلامية، لايزال نور الإسلام الأصيل، والضياء المحمدي النبيل يشع في عقول أبنائه البررة، فيعكسونه فكراً ومفاهيم صافية هادية تتحدى الضلال وتشيع الرشد والايمان بين بني الإنسان.
ولنا في الحاج جعفر خير مثال:
محمد جعفر كمال
العدد 1127 - الخميس 06 أكتوبر 2005م الموافق 03 رمضان 1426هـ