مشكلة البطالة في مملكتنا الغالية مشكلة ليست بالكبيرة فقط، وإنما الخطيرة ايضا على تقدم ونمو واستقرار وأمن بلدنا الغالي وما كان علينا تجاهلها كل هذه السنين من دون تخطيط كأنها لم تكن، ولكي يستشعر المسئولون حجم هذه المشكلة فعليهم أن ينزلوا إلى الشارع وإلى مكاتب الخدمة المدنية ومكاتب وزارة العمل وإلى أقسام الشرطة ليروا إلى أين ذهب شبابنا شباب الغد لمملكتنا الحبيبة. إن المقابلات في التلفاز والتصريحات اليومية لن تحل مشكلة بطالة شبابنا ولن تصمت أفواه الجياع ولن تقنع آلاف الطوابير الباحثة عن لقمة بالحلال ليستشعر الجميع أن مطالب شبابنا بالحصول على وظيفة شريفة بالحلال وليعرفوا أن من يبحث عن الوظيفة هو من يريد ان يسلك الطريق الصحيح للكسب، فلا يغلقوا الباب في وجهه ليسلك الطرق الأخرى غير المشروعة في الكسب، ويعلموا اننا مثلا لن نستطيع ان نقطع يد سارق سرق بعد ان اعياه التعب في البحث عن عمل ولم يجد فأرغم على السرقة ليعيش فنحن الذين دفعناه إلى الجريمة. فمشكلة البطالة مازالت تشكل هما وهاجسا سواء لدى الحكومة أو مؤسسات القطاع الخاص، والبحرنة لم تعد نشوة أو بهرجة، إعلامية بقدر ما هي مطلب ملح ومهم يجب أن ندرك أبعاده لما فيه الصالح العام، وللأسف البطالة اليوم نعايشها كظاهرة مستفحلة هنا وهناك وفي كل اتجاه، وأنها لا تقف عند حد معين، لذلك يظل هم البطالة وكما أسلفت هاجسا وطنيا ومطلبا حيويا لدى الجميع، إلى أن يرى الغد القريب بإذن الله وقد بلغت البحرنة في شتى المجالات والمهن أرقاما قياسية لاسيما في مجالات عصرية بحاجة إلى شغلها بالكوادر الوطنية... والبحرنة أمام شبع البطالة لاشك اننا تجاورنا من أجلها كثيراً وتعاركنا وتجادلنا، إذ سيطرت موضوعات البطالة على معظم أطروحاتنا وندواتنا، وستظل كذلك متمثلة في الجهود والاهتمام الجاد الذي توليه الدولة، ثم بالتجاوب الحثيث والذي نطمع أن يتضاعف مع مرور الأيام وثبات الأوضاع. وأن يتجاوز حدود التوسط والعواطف والارتجال إلى ما هو أبعد واشمل. ويكفي أننا أشبعنا ذلك كلاماً وندوات وارتجالاً. نطمع ونترقب أن نرقى إلى بحث وتقصي ومعلومات تلامس الواقع فعلا، بعيداً عن تلك المؤتمرات الخطيرة التي تغتال البحرنة في عقر مهدها وتعجل بتعميم مخاطر البطالة، ما نلمسه على أرض الواقع من تطبيق غير عملي من قبل مكاتب وزارة العمل والخدمة المدنية أو اللجان التي عادة ما تكون ارتجالية في حال توسط أوارجاء... توظيف الشباب البحريني في مؤسسات صغيرة لا تتجاوز أعمارها بأي حال من الأحوال أصابع اليد الواحدة، وفي أحسن الأحوال مذبذبة، فتارة الموظفون فيها مئة وتارة عشرة وهكذا، فالمقاولات والصيانة والتشغيل، ذات أعمار قصيرة جداً، بين ستة أشهر وسنتين، ثم تتذبذب عافيتها، وإما أن صمودها وثباتها يتوقف على ما تحصل ليه من عقود، وهي تنظر للموظف لديها من خلال حسابات المنافع والكلف، والذي ينصب بالتالي في صالح العامل الوافد، فلماذا تصر وزارة العمل على توظيف البحرينيين في مهن معروف سلفا أنه لن ينجح فيها؟، وانما تكون اثرها المستقبلية أكثر خطورة، لذلك فالتوظيف في هذه المؤسسات، هو إقدام مع سبق الاصرار والترصد على قتل طموح الشباب، وعلى وأد البحرنة الحقيقية، ونحطم الشباب وخصوصاً أننا نمنيهم بالوظيفة ونجعلهم يحلمون، ثم نقتل ما في أنفسهم من أمل في مواصلة تحصيلهم، لأنهم يعملون في منشآت تدار فرديا وبقرارات مزاجية، تفتقد إلى أساسات المعايير الوظيفية الفاعلة، وكم أخطأنا حينما صفقنا لتلك التجربة ووصفناها بالانجاز من دون أن نستشعر حال أولئك الشباب ومعاناتهم، حينما يفاجأون ومن دون سابق إشعار بصاحب العمل وهو يشعرهم بخلو طرفهم، والمستقبل يسود في وجوههم، وحينها تضيع تلك الاحلام التي رسمناها لهم من خلال وظائف واهية، لكن هذه المرة أشد تنكيلا فقد أثث منزلا وكون أسرة واستدان لسيارة بالتقسيط ورسم خططا مستقبلية، وتدعه المؤسسة يجابه تلك الهموم في غياب وجود من يرصد النتائج أما بعض المؤسسات الكبيرة وما أكثرها، والتي يجب أن يشغل البحرينيون أكثر من 80 في المئة من منسوبيها، نظرا إلى أن مثل هذه الوظائف من تلك المخصصة للبحرينيين، فنجد للأسف أن مكاتب وزارة العمل تغض الطرف عنهم وتكاد تخلو سجلاتها من البحرينيين، وربما ذلك يعود إلى عدم تحديث آلية المتابعة من قبل وزارة العمل، ثم أننا مازلنا نعالجها من خلال دوافع عاطفية بحتة. وإذا درسناها للأسف فنحن ندرسها ونتحاور بشأنه من خلال زاوية واحدة، تخديرها بحلول هي في واقع الأمر (كالمستجير من الرمضاء بالنار) من دون أن ننظر الجانب الاخطر والأهم، وهو أن ندفع بتلك الأفواج من الشباب إلى ميدان العمل من دون تأهيل سواء نفسيا أو فنيا، وكأننا ندفعهم فعلا إلى الانتحار، وبجد أنفسها بعد كل مرحلة عدنا إلى الصفر من جديد وهكذا دواليك، بعد أن تكون التبعات السلبية قد تفاقمت. المطلوب من وزارة العمل ومكتب الخدمة المدنية والمختصين أن تكون مؤهلة لهذه المهمة الحساسية، ولديها خبرة تعليمية وتجارب مكتسبة في مجال إدارة الموارد البشرية، قادرة على التقصي والعمل على توافر الدراسات الميدانية التي من خلالها يمكن تقويم الادوار واستقصاء النتائج، ثم على دراية بسوق العمل. والعمل على توظيف الشباب في الوزارات والشركات والمؤسسات التي توفر على الأقل نسبة مقبولة من الأمن الوظيفي، وخصوصاً وزارات الدولة والمستشفيات والمصانع، والشركات المساهمة المفتوحة، وأن يكون دورها أكثر بعدا ومتابعة وتقصيا وخصوصاً متابعة توجيه الموظفين إلى المؤسسات، والخروج بنتائج واحصاءات قادرة على معالجة كل قصور يظهر في حينه، وأن تستعين تلك اللجان بالجامعات ومراكز الأبحاث المتخصصة في هذا المجال، وتوقف من نزيف البحرنة المبطنة. البحرنة الشكلية التي تبنى على العواطف، وحلول تنقصها التجربة والخبرة. ومشاركة المختصين من الأكاديميين وغيرهم ممن يثرون الموضوع بعصارات افكارهم وتجاربهم... لذلك نحمل ايضا ديوان الخدمة المدنية بعض العتب ليكون الأكثر فاعلية، فمسئولية الأجيال عظيمة وتتطلب تبعاتها تطورا مواكبا، بالعمل على التدرج المقنن، ذي الأبعاد الأكثر شمولية للاستقرار الوظيفي. وأن نغلب الواقع والمستقبل ومتطلباته على العواطف وسلبياتها القاتلة، وانه يحز في النفس أنه بعد هذه المسيرة الطويلة، يكون الحال على ما هو عليه بل أدهى وأمر، لقد عجبت أن يظل دور مكاتب التوظيف بوزارة العمل، يعتمد أولاً وأخيراً على الكم لا الكيف من خلال الكشوف. وأن تحقق النسبة من دون ان ينظر الى مردودها على حقيقة التوظيف، ماذا يعني أن يكون جل هم مكاتب التوظيف بوزارة العمل واللجان تحقيق النسبة دفتريا لا أكثر؟، وأعجب أيما عجب، حينما ينظر موظف بمكتب التوظيف بوزارة العمل إلى قائمة الكشف، ويعمد صاحب المنشأة بحلوله العجيبة، التي تكتفي بأن يشغل المالك النسبة المقررة، بشباب بحريني في مهن مستخدمين. هل هذا هو الحل؟ اليس ذلك اغتيالا صريحا لأهداف ومضامين البحرنة؟ أي أن الأهداف جاءت عكسية مما بتر المهمات الأساسية التي قامت عليها خطط محاربة البطالة. وهذا ما يجعلنا ندعو إلى اعادة النظر في هيكلة مهمات اللجان والمؤسسات المعنية بوزارة العمل والخدمة المدنية التي ليس لها دور بارز في موضوع البطالة، يواكب الأهداف الأساسية، حتى لا يسبب تضخما يكون أكثر سلبية وأشد تعقيدا عندها لن ينفع الندم، وهنا أتمنى من الجهات المعنية بالبحرنة ومحاربة البطالة توخي الجدية وذلك من خلال إيجاد قاعدة بيانات متكاملة خدمة لهذا الهدف الأسمى وبالله التوفيق.
نبيل خلف
العدد 1203 - الأربعاء 21 ديسمبر 2005م الموافق 20 ذي القعدة 1426هـ