ودعت حشود غفيرة الشيخ محمد علي العكري إلى مثواه الأخير، بعد أن توفي فجر أمس (الجمعة)، حيث ووري جثمانه الثرى في مقبرة الإمام بجدحفص. وتقاطر الآلاف من مختلف مناطق البحرين للمشاركة في مراسم التشييع، مستذكرين مناقب الفقيد وأثره في نفوس الجميع، وعطائه اللامحدود. وانطلق الموكب الجنائزي الذي شارك فيه المئات من النسوة والأطفال من منزل الفقيد مروراً بمأتم الديه الكبير. وأدى الشيخ محمد صالح الربيعي صلاة الجنازة، ومن ثم رُفع الجثمان على الأكف مجدداً وسط بكاء وحزن شديدين خيما على جموع المعزين بفقده، لتتم مواراته الثرى.

حشود غفيرة شاركت في مراسم وداع الشيخ العكري بالديه

الآلاف تشيّع «أبا ذر البحرين» إلى مثواه الأخير

الديه - محمد الجدحفصي

غيبّ الموت فجر أمس (الجمعة) الشيخ محمد علي العكري (69 عاماً)، ووري جثمانه الثرى في تشييع مهيب في مقبرة الإمام بجدحفص.

وكان الآلاف تقاطروا من مختلف المناطق للمشاركة في مراسيم التشييع، مستذكرين مناقب الفقيد وأثره في نفوس الجميع، لما تمتع به المغفور له في عطائه للجميع.

وردد المشاركون في مراسيم العزاء التهليل والتكبير، وسط حزن شديد على رحيل الشيخ العكري، الذي كان يسميه الكثيرون «أبا ذر البحرين»، محاكاة لما كان يتمتع به الفقيد من صفات مشابهة في صلابته الإيمانية.

وانطلق الموكب الجنائزي الذي شارك فيه المئات من النسوة والأطفال من منزل الفقيد مروراً بمأتم الديه الكبير، وأدى الشيخ محمد صالح الربيعي صلاة الجنازة، ومن ثم رُفع الجثمان على الأكف مجددا وسط بكاء وحزن شديدين خيما على جموع المعزين بفقده، لتتم مواراته الثرى بمقبرة الإمام في جدحفص.

وانتقل الفقيد إلى جوار ربه بعد عمر حافل بالعطاء، وسنوات قضى جلها في خدمة المجتمع والعمل التبليغي، واشتهر بجرأته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى جانب سخائه وتصدقه على الفقراء في الخفاء والسر، كما أكد ذلك بعض المقربين منه لـ «الوسط».

واشتهر الفقيد كذلك بالتوجيه التبليغي، حيث أسس في منتصف السبعينات الجمعية الحسينية التعاونية التي كان يديرها في قرية الديه، واستهدف من تأسيسها إطلاق مشروع خيري اجتماعي يعتمد على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجمع التبرعات لمساعدة غير القادرين ماليا على الزواج.

وعرف عن الفقيد صراحة خطابه التوجيهي الديني والسياسي، وكان حريصا على إيصال صوته مباشرة إلى المسئولين، إلى جانب ارتقائه المنبر كخطيب حسيني، إذ قرأ في مختلف مناطق البحرين.

كما أن الفقيد قاد تحركا سياسياً العام 1979، من خلال ندوة جماهيرية كبرى في قرية الديه، مع الشيخ علي العصفور، وطرح من خلالها عدة مطالب سياسية واجتماعية، ودخل على إثرها بتنسيق مع العلماء للمطالبة بتصحيح الأوضاع العامة وإيجاد حل لمشكلة البطالة والغلاء، وعلى إثر تحركه آنذاك اعتقل في العام 1980 وطبق عليه قانون أمن الدولة، وبقي في المعتقل لأكثر من 50 شهراً.

وعن رحيل العكري تحدث الشيخ عيسى قاسم لـ «الوسط» قائلاً: «لاحول ولا قوة إلا بالله العظيم، الشيخ رحمه الله رجل عرفته الساحة، رجل أمر بالمعروف ناهياً عن المنكر، مستميتاً في ذلك، شديد الغيرة في دين الله، له إرادة صلبة وقوية ويتمتع بدرجة عالية من الجرأة والإقدام، ويخوض معاركه الإيمانية بكل ثقة واطمئنان، لخلفية ثابتة كانت عنده، هدفها قيمة الإسلام والدور الدعوي ودور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لذلك يعد افتقاد الساحة له افتقاد رجل صنّاع ورجل كبير ورجل تغيير في الحدود التي كان يستطيع بها».

وتحدث السيد عبدالله الغريفي عن رحيل العكري أيضاً، قائلاً: «فقدنا شخصاً كان يشكّل تاريخاً من العمل والجهاد والعطاء والمواقف الصلبة في سبيل إيصال كلمة الحق والدفاع ومواجهة الفساد ومواجهة المنكر، وكان قوياً في ذات الله، كان صلباً في ذات الله فيما يعتقد أنه حق، وأنه في دفاع عن الإسلام وعن قيم الدين، كان لا يجامل ولا يساوم، كان جريئاً، كان صلب المواقف، كان شديد الوطأة على المنكر وعلى الفساد، وكان مخلصاً للمبادئ التي آمن بأنها تمثل الحق ومبادئ الدين والإسلام في محاربة الفساد، القضية التي آمن بها وكان متحركا دائماً، كان لا يسمح لنفسه أن يستريح إلا قليلاً، كان يخدم الناس، كان له دور اجتماعي وله حضور إسلامي وحضور اجتماعي، حشره الله مع النبيين والصديقين».

من جانبه تحدث رئيس جمعية الشفافية البحرينية عبدالنبي العكري عن رحيل الشيخ قائلاً «في هذا اليوم الحزين الآلاف المؤلفة من شعب البحرين حضرت لتودع هذا العالم الجليل، من المحرق إلى سترة ومن جدحفص إلى الزلاق، هذا لأن هذا الإنسان كان ضمير هذا الشعب، كان صوت الحق، وخصوصاً أنه كان الوحيد في العام 1979، وقتما انتصرت الثورة الإسلامية في إيران، الذي دعا لمظاهرة سلمية آنذاك، ومن بعدها كان صوت الحق الصوت المرتفع الذي لا يتردد عن قول كلمة الحق، حتى وإن قمع وتمت مصادرة حرياته، بل إنه في وقت من الأوقات كان هو وحفيد وولده في وقت واحد في السجن، ولم يتأثر ولم يتغير، لهذا فإنه ليس غريباً أن تحضر الآلاف هذا اليوم لتوديعه».

فيما قال رئيس المجلس العلمائي السيد مجيد المشعل: «برحيل العالم الفاضل المجاهد الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الشيخ محمد علي العكري نرفع التعازي لعلماء الأمة والبلد ولأهله وأسرته، وفي الحقيقة كان هذا الشيخ الجليل مثالاً حيّاً للرسالة المحمدية والجهاد والنهي عن المنكر وتحمل المسئولية الدينية ونشر الخير والصلاح للأمة، ومواجهة جهات الخلل، كان لساناً ناطقا وكان يعتبر أبا ذر الغفاري قدوة له في جهاده ومساعيه، وكان له تأثيره البالغ في مجتمعه طوال سنوات حياته».

كما أصدر مجلس خطباء المنبر الحسيني بقرية الديه بيان نعي جاء فيه: «نتقدم بأحر التعازي والمواساة إلى عائلة الفقيد وذوي الخطيب الحسيني والعالم الجليل الشيخ محمد علي العكري (رحمه الله)، كما نعزي العلماء والخطباء كافة والمؤمنين. إن الشيخ رحمه الله كان داعية من الدعاة الذين خدموا الشريعة والدين، كما أن له سعي حثيث في خدمة الناس والمؤمنين والمشاركة في آلامهم وقضاياهم، ولهذا فإننا كأعضاء مجلس المنبر الحسيني بالديه لفقدك يا شيخ لمحزونون ولرحليك لباكون».

الشيخ محمد علي العكري... قصة كفاح رجل لم يعرف الكلل

الوسط - محرر الشئون المحلية

ووري الثرى أمس (الجمعة) في «مقبرة الإمام» بجدحفص، جثمان الشيخ محمد علي العكري، وسط حضور ضخم من المعزين الذين شاركوا في مراسم توديعه الأخير في موكب جنائزي مهيب تقدمه عدد كبير من العلماء والشخصيات السياسية. وكان الشيخ العكري توفي فجر أمس في منزله بمنطقة الديه.

وبدأ الشيخ محمد علي العكري (الذي ولد العام 1941) عمله التبليغي في ستينيات القرن الماضي وكان يعمل آنذاك في وزارة الصحة حتى مطلع السبعينات، ويجيد اللغة الإنجليزية وكان يباشر عمله التبليغي (بالإضافة إلى عمله في المستشفى). ولكنه استقال من عمله في وزارة الصحة ليتفرغ الى عمله التبليغي بصورة كاملة.

و كان الشيخ العكري يتصف بالذكاء والحماس والاندفاع في سبيل الحق، وقد درس العلوم الدينية بنفسه حتى أجازه المرجع الراحل الشيخ محمد أمين زين الدين في منتصف السبعينيات من القرن الماضي لممارسة التبليغ الديني. وعرف الشيخ العكري بصراحته وانتقاده اللاذع للمظاهر التي كان يراها غير إسلامية، وكان يمارس عملية «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» بأسلوب ملح لا يعرف التعب أو التراجع. وكان يخرج في الأسواق ويتحدث مع الشباب وينصح الفتيات والنساء ويهاجم سياسات الحكومة ويطالب بحقوق العمال وإطلاق سراح السجناء السياسيين. رشح نفسه لانتخابات المجلس الوطني العام 1974، وعلى غم انه لم يفز في الانتخابات، الا انه كان يتواجد اسبوعياً في اجتماعات المجلس الوطني ضمن الحضور العام، وكان يحمل كتاب «العمل وحقوق العامل في الاسلام» لمؤلفه الشيخ باقر شريف القرشي ، وذلك عندما اشتدت الاضرابات العمالية في البحرين (1974 - 1975)، وكان يطالب أعضاء المجلس الوطني بالوقوف جميعهم مع المطالب العمالية. وكان الشيخ في كل هذا يتحرك بمفرده إلا أنه حاول إنشاء عمل جماعي في منتصف السبعينيات حيث قام بدعوة عدد من البارزين في النشاطات الإسلامية من مختلف قرى البحرين في المأتم الذي يشرف عليه في قرية الديه، وعرض عليهم فكرة إنشاء جمعية تعاونية باسم «الجمعية التعاونية الحسينية» تتخذ من المأتم مقراً لها، غير أن الفكرة لم تتطور إلى عمل جماعي لاحقاً.

وكان الشيخ العكري يدير محلاً في سوق المنامة لبيع أشرطة المحاضرات الدينية، التي كان يسجل الكثير منها بصوته، وكان يتواصل مع « المكتبة العامة للثقافة الإسلامية» في المنامة، و «جمعية التوعية الاسلامية» بالدراز، من أجل إغناء المحل بالتسجيلات الاسلامية.

واستمر الشيخ العكري في أعماله المختلفة، وهي لم تتوقف عند المساحة الاجتماعية والتبليغية، وانما تعدت ذلك الى الساحة السياسية والشأن العام ، وكان من أبرزها ما حدث أثناء تجهيز جنازة المرحوم الشيخ باقر العصفور في مقبرة الشاخورة بتاريخ 23 يناير/ كانون الثاني 1979. فنظراً لقوة شخصية الشيخ باقر العصفور الاجتماعية كان الحضور في المقبرة كبيراً جداً وحضره بعض كبار المسئولين في الدولة. واغتنم الشيخ العكري الفرصة وجاء بمكبر صوت ورفع صوته بين الجماهير الحاشدة مهاجماً الحكومة وسياساتها ومطالباً باصلاحات ملموسة ومباشرة.

وفي مطلع يوليو/ تموز 1979 قام الشيخ محمد علي العصفور، بالتعاون مع الشيخ محمد علي العكري، بعقد ندوات ليلية حاشدة – كانت الأولى من نوعها في تلك الفترة – وذلك في قرية الديه، وتحدثا فيها بصراحة عن الوضع السياسي في البلاد. وفي نهاية الندوات التي اعتبرت مؤتمراً شعبياً فريداً من نوعه في تلك الفترة، كتبت عريضة بتاريخ 7 يوليو 1979 تضمنت عدداً من المطالب من بينها إطلاق سراح السجناء السياسيين (كان آنذاك المعتقلون من التيار اليساري)، وتطبيق النظام الإسلامي في الحكم، وتوظيف العاطلين.

نتيجة لذلك التحرك، أوقفت وزارة الإعلام آنذاك برنامج «رقص الديسكو» الذي كان يعرض مساء كل اثنين على شاشة تلفزيون البحرين، ولكن المطالب السياسية ظلت من دون استجابة.

بعد ذلك، شهد شهر رمضان المبارك من ذلك العام (أغسطس/ آب 1979) خروج أول مظاهرة للاحتفال بيوم القدس العالمي الذي أعلن عنه الإمام الخميني في ذلك الشهر بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وخرجت المظاهرات في العاصمة والمحرق وأقيمت الاحتفالات في مختلف المناطق الأخرى. وفي نهاية شهر رمضان (1979) تم اعتقال الشيخ العكري وذلك في المطار بعد عودته من قم المقدسة (كانت الطائرة قادمة من الكويت)، كما اعتقل مع الشيخ العكري كلٌّ من الشيخ علي العصفور والشيخ جاسم قمبر والحاج عيسى الشريفي.

وفي يومي 23 و24 من أغسطس / آب 1979 المصادفين لآخر شهر رمضان والأيام الأولى لعيد الفطر خرجت مظاهرات ضخمة طالبت بالإفراج عن من تم اعتقالهم، كما وقع علماء البحرين على عريضة احتجاج، وعلى أثر هذه التحركات تم الإفراج عن كل من الشيخ علي العصفور والشيخ جاسم قمبر، ولكن تم تطبيق «قانون أمن الدولة» على كلٍّ من الشيخ محمد علي العكري والحاج عيسى الشريفي، وبقيا في السجن أكثر من أربع سنوات متواصلة. وخرج العكري من السجن، ولكنه سرعان ما عاد إلى رفع سماعته المعهودة ليخطب في الناس عندما يحتشدون في أية مناسبة يتمكن من حضورها، ما أدى إلى مزيد من المتاعب السياسية... لكنه لم يكل ولم يمل، حتى أقعده المرض.