العدد 3049 - الإثنين 10 يناير 2011م الموافق 05 صفر 1432هـ

هل تحتاج باكستان لآسانج خاص بها؟

هوما يوسف - صحافية وباحثة من كراتشي، وهي حالياً عالمة باكستانية بمركز وودرو ويلسون الدولي في واشنطن  

10 يناير 2011

عقدت منظمتان غير ربحيتين بعد أسبوع من نشر ويكيليكس الوثائق السرية حلقة دراسية في كراتشي عنوانها «حرية الإعلام: الوصول إلى المعلومات واستخدام حرية الإعلام لاستقطاب الرأي».

نادى المشاركون في الحوار بتطبيق أفضل لقوانين حرية الإعلام الباكستانية لتعزيز الشفافية والمساءلة الحكومية. ورغم أن توقيت الحلقة الدراسية كان على الأرجح مصادفة، إلا أنه احتوى على النقاش الذي يتوجب إجراؤه في أعقاب فضيحة «كيبل غيت».

هيمن الجدل الملتهب حول الأمن الوطني والتجسس والخيانة على ردود الفعل حيال ويكيليكس. مع ذلك يتوجب على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي اعتبار هذا لحظة يمكن التعلّم منها.

يتحدث ويكيليكس عن دور الصحافة في السياسة العامة بنفس قدر ما يتحدث عن علاقات الولايات المتحدة الخارجية ودبلوماسيتها. وكما أشار الكثيرون، لو تم الكشف عن هذه المراسلات السريّة ونشرها من قبل الصحافة لما رفع أحد صوته بتهم الخيانة. فالصحافة، تحقيقاً لدورها الرقابي، مطلوب منها نشر ما ترتئي الحكومة إخفاءه عن الجمهور. لذا فإن الهجمات ضد ويكيليكس اعتبرت هجمات على ممارسة الصحافة نفسها، وبالتالي حرية الصحافة.

لهذا السبب أرسل تسعة عشر أستاذاً من كلية الصحافة بجامعة كولومبيا رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما يطلبون منه عدم مقاضاة ويكيليكس.

وبينما يهدأ الوضع حول البرقيات التي تم تسريبها، يُعرب المسئولون الحكوميون عن استعدادهم للاعتراف بأنه قد تكون هناك نتائج إيجابية لفضيحة ويكيليكس. فلدى الجمهور الأميركي الآن فهم أفضل لتعقيدات العلاقات الدولية، وإثباتات قاطعة بمدى نشاط دبلوماسييه ومعرفتهم.

كما تملك الحكومة الأميركية الآن القوة الدافعة لتحسين أمنها الإلكتروني وبروتوكولات الوصول إلى المعلومات، وبالتالي مواكبة خطوات التقدم التكنولوجي في عصر الإنترنت هذا. وقد يجعل ذلك المعلومات السرية أكثر أمناً في المستقبل.

وعلى نفس هذا النسق، يتوجب على الحكومة الأميركية والمجتمع الدولي النظر إلى رد مدروس على إفصاحات الحكومات المتورطة في هذه التسريبات على أنها فرصة لتكرار التزام دولي بحرية الصحافة.

أدى الإعلان الشهر الماضي، أن واشنطن سوف تستضيف يوم حرية الصحافة العالمي العام 2011، والذي جاء في الوقت الذي تجري فيه وزارة العدل الأميركية عصفاً ذهنياً حول أساليب مقاضاة جوليان أسانج، مؤسس ويكيليكس، أدى بالعديد من المدوّنين الأميركيين لأن يتهموا حكومتهم بالنفاق.

قامت الحكومات تاريخياً باستخدام خطاب يتعلق بالأمن القومي والمصالح الوطنية لمراقبة الصحافة وإبقاء الجمهور على جهل بمجريات الأمور. يجب عدم السماح لفضيحة كيبل غيت أن تصبح مثالاً آخر على هذا التوجه المزعج.

بدلاً من ذلك، وفي صالح الشفافية والمساءلة، يتوجب على الحكومة والمؤسسات الإعلامية أن تؤكد على حقائق معينة ضاعت في خضمّ الفوضى المحيطة بفضح الوثائق. فويكيليكس من حيث المبدأ لم يقم بتسريب البرقيات، وإنما قام ببساطة بنشر معلومات متسربة، وهذه ممارسة روتينية للصحافيين، وبالتالي يجب عدم تجريمه.

إضافة إلى ذلك، فإن ويكيليكس تشارك بالبرقيات المتسربة مع منشورات إخبارية تتمتع بالاحترام مثل النيويورك تايمز والغارديان ودير شبيغل. وقد شرح سكوت شين، مراسل الأمن القومي في النيويورك تايمز، متحدثاً في مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية في واشنطن العاصمة، أن هذه الصحف قامت بتمشيط أكثر من 250,000 برقية بدقة متناهية واستشارت وزارة الخارجية الأميركية حول أيها سيتم نشره، وقامت بممارسة رقابة ذاتية على الأسماء والتفاصيل التي يمكن أن تعرض حياة الناس للخطر أو تدمّر اتفاقيات دبلوماسية، بل وقامت بتنقيح وإعادة صياغة تلك البرقيات التي يمكنها تهديد الأمن القومي فعلياً. لذا فإن الإفصاح عنها عمل يشهد بالمسئولية والمهنية والأخلاقيات التي تتمتع بها الصحافة، التي تهدف إلى الموازنة بين أولويات الأمن القومي وأساسياته، وحقوق المواطنين في معرفة ما تفعله حكومتهم.

هذه الناحية لويكيليكس هي بالذات ما يتوجب على الحكومات الأجنبية، مثل حكومة الباكستان أن تعيه وتهتم به. ففي الإفصاح يكمن درس مهم حول القيمة الحقيقية الجوهرية للصحافة في ضمان الشفافية والمساءلة وسياسة الحكومة المتماسكة.

ومن المفارقات المثيرة للسخرية أنه في الوقت الذي يرثي البعض موت السرية في أعقاب قضية ويكيليكس، انتشرت الأخبار في الباكستان عن وجود «صندوق سري» قيمته سبعة ملايين دولار تحتفظ به وزارة الإعلام والبث الإذاعي. ورغم أن الوزارة رفضت الإفصاح عن مجالات استخدام هذا الصندوق، إلا أن سياسيي المعارضة يدّعون أن الأموال تستخدم للتحكم بالرأي العام من خلال دفع أموال للصحافيين، وحسب كلمات رياز بيرزادة عضو الرابطة الإسلامية الباكستانية في الجمعية العمومية، «شراء ضمائر» الشعب الذين يستطيعون خلق مشاكل للحكومة.

من الواضح أن هناك ضرورة لأن تبرز شخصية مثل آسانج من وسط الجمهور الباكستاني لتشجيع حق المواطن في الحصول على المعلومات وتشجيع حرية الصحافة المحلية.

والحقيقة هي أن حرية المعلومات تعمل على تحسين الحاكمية لأنها تجعل البيروقراطيات وصانعي السياسة أكثر شفافية وتبقي المسئولين الحكوميين قيد المساءلة حول نشاطاتهم.

يتوجب على حكومة الولايات المتحدة، إن لم يكن لأي سبب سوى وضع سابقة وتعزيز دعمها من أجل حاكمية أفضل في الديمقراطيات التي بدأت تظهر، وخاصة باكستان، يتوجب عليها ألا تقاضي ويكيليكس.

العدد 3049 - الإثنين 10 يناير 2011م الموافق 05 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً