من المستبعد أن تضارع الاحتجاجات في العراق الانتفاضات التي هزت أركان العالم العربي وأطاحت بنظامين ولكنها تمثل ضغطاً على الحكومة الجديدة لتعزيز الإصلاح خشية مطالب بتنحيها.
ونزل الآلاف إلى الشوارع في جميع أرجاء البلاد الجمعة في « يوم الغضب» على غرار الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي استشرت في المنطقة مثل الحرائق التي يصعب السيطرة عليها في الأسابيع الأخيرة.
وأطاحت ثورتان شعبيتان حشدهما شباب يستخدمون مواقع للتواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت برئيسي تونس ومصر وتهدد حكم زعماء قدامي في ليبيا واليمن و دول أخرى.
وعلى عكس نظرائهم في المنطقة يحتج المتظاهرون في العراق على تردي مستوى الخدمات الأساسية مثل قلة الحصص الغذائية والمياه النظيفة والكهرباء والوظائف ولا يسعون للإطاحة بالحكومة المنتخبة.
وقال محللون إن المحتجين سيضغطون على الحكومة الجديدة لرئيس الوزراء، نوري المالكي لتعزيز الإصلاح للحد من المعارضة المتنامية، ولكن لن يرغموا الحكومة التي تشكلت قبل أسبوعين على التنحي... على الأقل في الوقت الحالي.
وقال المحلل العراقي، هاشم الحبوبي إنه ينبغي للحكومة أن تدرك أن الاحتجاجات تدق جرس إنذار قوي. سيدفع الخوف من إصدار أحكام والفضائح والإقالة الساسة للعمل بجدية وتلبية مطالب الشعب.
وتساءل هل سيتكرر ماحدث في تونس ومصر في العراق واستبعد ذلك قائلاً إنه لا يوجد من يوحد العراقيين ولكنه أضاف أن الاحتجاجات تبدأ دائماً بمطالب معينة في انتظار استجابة.
وقال «ثمة خط رفيع يفصل بين المطالبة بإصلاحات والمطالبة بالإطاحة (بحكومة)».
ورغم احتياطيات النفط الضخمة لا يزال العراق يحاول تجاوز سنوات من الحرب والعقوبات والتخريب وإعادة بناء اقتصاده المتعثر والبنية التحتية المتداعية.
لكن العراقيين سئموا بطء التنمية من جانب الحكومة، إذ إن المياه الجارية النظيفة قليلة ولا توجد شبكة صرف صحي سليمة وتوفر الشبكة الوطنية الكهرباء لساعات قليلة فقط كل يوم بعد ثمانية أعوام من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة وأطاح بصدام حسين واعداً الشعب العراقي بمستقبل ينعم فيه بالحرية والرخاء.
ويقول محللون إن المتظاهرين لم يوحدوا مطالبهم بعد والتي قد يستغرق تحقيقها سنوات ولكن قد يطالبون بتنحية الحكومة في نهاية المطاف إذا لم تتخذ خطوات ملموسة لتهدئة الاحتقان المستعر.
وقالت جالا رياني من مؤسسة «اي.اتش.اس جلوبال أنسايت» للاستشارات «في هذه المرحلة تتركز الاحتجاجات على عجز الحكومة عن تقديم خدمات عامة أفضل».
وتابعت «من المحتمل أن تجد الحكومة صعوبة في الحفاظ على تماسكها إذا زادت حدة الاحتجاجات».
وأجبرت موجة من الاحتجاجات في الأسابيع الماضية المالكي على تهدئة الغضب بخفض راتبه شخصياً وفواتير الكهرباء وزيادة حصة السكر وتخصيص أموال لشراء مواد غذائية بدلاً من طائرات مقاتلة.
وطالب المحتجون في البصرة باستقالة المحافظ وأعضاء المجلس المحلي.
وقد رفعوا أحذيتهم في أيديهم وهي إشارة للاحتقار وحملوا مصابيح زيتية صغيرة تعبيراً عن نقص الكهرباء وهي شكوى رئيسية بين العراقيين.
ومن بين الشعارات التي رفعها أو رددها المحتجون مطالبة الشعب بإصلاح النظام ورفض الفساد.
وفي العاصمة بغداد تدفق آلاف من المحتجين على ميدان التحرير رافعين علم العراق أو متدثرين به واشتكوا من سوء حالة شبكة الصرف الصحي ونظام التعليم وعدم توافر الوظائف.
وقال زهير عبد الخالق (54 سنة) وهو سائق سيارة إجرة في بغداد «جئت هنا لأنني أريد تحسين مستوى معيشتي. لا يوجد كهرباء ولا ماء ولا أحصل على معاش تقاعد. لا أحصل على حصص غذائية أو حصة من النفط».
وطالب بعض المحتجين بتغيير في الحكومة وأن يفي البرلمان المنتخب بوعوده الانتخابية. وتولت حكومة المالكي مقاليد الأمور في أواخر ديسمبر/ كانون الأول بعد أشهر من المفاوضات المحتدمة بين الشيعة والسنة والأكراد عقب نتائح غير حاسمة للانتخابات التي جرت في مارس/ آذار.
وتقول رياني «في الوقت الحالي ربما تواصل الحكومة اتخاذ إجراءات مثل زيادة دعم الكهرباء والتصدي للفساد لتهدئة المواطنين الغاضبين. ولكن الكثير من الشكاوى... تحتاج أعواماً لعلاجها»
العدد 3096 - السبت 26 فبراير 2011م الموافق 23 ربيع الاول 1432هـ