لم أكن لأخفي يوماً - إذا ما استدعى الحديث - إعجابي بكتابات رئيس تحرير صحيفة «الحياة» السابق جهاد الخازن، فهو ذو أسلوب يستهويني ويمتع ذائقتي. فكتاباته تستطيع أن تُدخل داخلك الألم وأنت مبتسم، وهذا بالضبط ما يميزه بالنسبة لي ويجعلني من المتابعين لكتاباته على رغم اختلافي معه في بعض الأحيان. وقبل عدة أيام قرأت له مقالا يتناول فيه أحد الزعماء العرب فتصور لي وأنا أقرأ وأعيد القراءة أنه كان يمس من حيث المضمون ومن حيث لم يقصد أحد معدي صفحات الشعر الشعبي لدينا. فوددت أن أعيد صوغ ما قرأته بما يتناسب ومقام صاحبنا المعد.
فعلى رغم اختلاف الأمثلة بين صاحبنا وصاحب جهاد الخازن فإن الجوهر واحد والنتائج واحدة، وأبرزها الفشل. وبالاضافة إلى ذلك هما يشتركان في أشياء كثيرة، فكلاهما تسلّم منصبه داخلا من الأبواب غير الشرعية التي يمر عادة منها بأي وسيلة (عدا الكفاءة) من لا كفاءة له. وكلاهما لا يرى إلا نفسه وأناه وأن ذاته فوق النقد وأنه جاء رسولا من الله لينقذ القوم الذين ظهر عليهم، وغير ذلك من المتشابهات بينهما، وأهم تلك المتشابهات أن كليهما قد ارتكب كل الخطايا والأخطاء والسلبيات من دون أن تسجل في حقه ايجابية واحدة (ولو بالمصادفة). وصاحبنا المعد ربما فاق الرئيس العربي في جنون خطاياه وسيئاته وتبجيله لنفسه حتى جزمنا بأنه مصاب بداء يستحق عليه الشفقة قبل العلاج، وسلّمنا بأنه فعلا لم يقدّم أي شيء يصب في ميزان حسناته. وهذه من أسوأ النتائج المأخوذة عليه كإنسان ذي عقل. فحتى القرد لو أعطيناه «كيبورد» وجعلناه يدق عليه مدة تولي صاحبنا على الصفحة لقاده بلاشك قانون الاحتمالات إلى أن يكتب يوما كلمة أو جملة مفيدة، أو ربما يكتب بالمصادفة (مكر مفرٍ مقبل مدبر معا) ولخرجنا حينها معه بإيجابية أو حسنة وإن كانت غير مقصودة. ولكن صاحبنا حضرة المعد حتى قانون الاحتمالات والصدف والأخطاء الصحيحة لم توفّق في أن تجعله يخرج بإيجابية واحدة أو على الأقل نصف ايجابية! وهذا ما يستدعي منا نصحه بوقفة مع نفسه صريحة للتفكّر والتدبّر، فالعقل الذي أنعم الله به علينا ليس فقط لشحن الفراغ في رؤوسنا.
تلك كانت نصيحتنا لصاحبنا المعد قدّمناها بضاعة مزجاة بين يديه، فإن تقبّلها فالحمد لله وإن رفضها وشتمنا في أعمدته فلا غرابة ولن يكون حينها قد أتى بشيء جديد. فهذا ديدنه وما تربّت عليه صفحته منذ المهد. وأما نصيحتنا لكل معد صفحة اذا ما أراد أن يكون معدا ناجحا فهي أن يرى ماذا يفعل هذا المعد لكي لا يفعل هو مثله أو يرى ماذا يفعل ومن ثم يفعل العكس. وبالاستعانة بتجربة صاحبنا أضع بين يديكم ما يجب ألا تفعلوه في نقاط سريعة:
أولا: أن تكتب في الأعلى عمودا باسمك يحوي أجمل الألفاظ وأعذبها بأسلوب التسامح والمحبة والإخاء وفي الأسفل تكتب باسم مستعار تدعي فيه الصراحة بوقاحة، فلا تترك شاردة ولا واردة من الألفاظ السمجة إلا وتأتي بها في وصف أصدقائك واخوانك في الساحة. وإذا ما انفضح أمرك ألغيت ما تكتبه في الأسفل ونقلت بلا حياء تلك الألفاظ الى الأعلى في العمود الذي تذيّله باسمك.
ثانيا: ألا يسلم من سوء ألفاظك أحد في الساحة. سواء من تعنيهم القول أو ممن يقرأ لك فيتأذى من مفرداتك وأسلوبك، حتى يصل بهم الأمر لمقاطعتك فتصبح صفحتك بلا هوية ويندر فيها وجود الشاعر البحريني. وتقاطعك أيضا للسبب نفسه جمعية الشعر الشعبي فتكون صفحتك الوحيدة التي يمنع دخولها للجمعية فيما كل الصفحات موجودة.
ثالثا: أن تهين أصدقاءك وتفضح أسرارهم التي ائتمنوك عليها، وتسيء فيهم القول في اعمدتك لمجرد أنهم انتقدوك فتخسرهم كحلفاء وأصدقاء وتضيفهم لمقاطعيك وخصومك.
رابعا: أن تشخصن تقييمك فتتعثر بالتناقضات. كأن تصف الشاعر جعفر المرخي بأنه شاعر راقٍ ومظلوم في هذه الساحة وبعد يومين يكون مستشعرا لجأ لكتابة المقالة بعد فشله في كتابة الشعر!... والفاصل بين النقيضين هو انتقاده لطريقة أدائك للصفحة.
خامسا: أن تجعل من نفسك الرجل المتميز المظلوم. لتستجديَ التعاطف فيقع في فخ تمسكنك أمثالي من الذين لم يكتشفوا الحقيقة إلا حينما تكشف بنفسك عن وجهك الحقيقي. فنصبح على ما فعلنا نادمين ونأتي لنكفر بمثل هذه الكتابات.
وهناك ما يزيد ولا يتسع الورق له. ولكنكم بلاشك تعرفونه. واذا ما تساءل البعض عن هوية هذا المعد. فليراقب الأعمدة المقبلة لمعدي الصفحات وسيعرف من خلال مستوى الألفاظ وانحطاط الأسلوب، مع يقيني أنه ربما لا يُعرف، لأن صفحته وللأسف غير مقروءة. وللأسف فأنا لن اقرأ ما سيكتب لأنني ممن لا يطيقون فتح تلك الصفحة لاشمئزازي منها منذ أعدادها الأولى والصورة التي بدأت بها واستمرت عليها.
ولأنني لا أحب أن أتهم بالتبعية مع من أحب النقل عنهم ومنهم فسأعتذر ولن أقول كما قال جهاد الخازن في صاحبه وأنه لم يخرج ولا بحسنة واحدة وسأعدل عما كتبته وأكون أكثر انصافا وسأقول إن صاحبنا على رغم كثرة وفظاعة سيئاته فإنه خرج بحسنة لم يسبقه لها أحد. بل وسأقول إن حسنته هذه فعلت ما عجز عن فعله الكبار والصغار في هذه الساحة. وأنا متأكد أن الكثيرين سيتفقون معي في ذلك وإن اختلفنا في أن حسنته هذه هل هي مقصودة أم قادته لها قوانين الاحتمالات والصدف.
وحسنته هي انه استطاع بما فعله ويفعله أن يوحّد جميع الشعراء والكتاب في الساحة الشعبية... ولكن ضده
العدد 1240 - الجمعة 27 يناير 2006م الموافق 27 ذي الحجة 1426هـ