تدرجت المشاركات في تصميم «الديكور العاشورائي»، إن جاز التعبير - خلال السنوات الخمس الماضية في العاصمة (المنامة) وفي القرى (بدرجة أكبر) من المجسمات والزوايا المعتادة كالخيم والتشابيه (جمع الشبيه) التي تلتقط مواقف مصورة في المخيلة ومشاهد تلقي الضوء على المواقف في كربلاء، إلى تصاميم أكبر يبدع فيها مهندسو الديكور المحترفون والهواة.
وتطورت أساليب تقديم فن جديد لم يكن مألوفاً من قبل... فعمل الشباب من الجنسين على تصميم أعمال ومجسمات جديدة لم تقتصر على مجرد المحاكاة المناسباتية لذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي (ع)، بل صارت تحمل منظومة من الرسائل والأدوات التوعوية لتنتقل من نقل صور المشاهد البطولية إلى المبادئ والقيم التي تمحورت عليها النهضة الحسينية إلى اللون الجمالي البديع باستخدام الامكانات التقنية.
ثنائية الصوت والضوء
خلال موسم عاشوراء الحالي، برزت ظاهرة الديكور العاشورائي بشكل واضح في المنامة... قلب عاشوراء البحرين النابض، وفي مداخل القرى ومسارات المواكب العزائية المركزية، فيستطيع الجمهور التجول في جو كربلائي مميز في حين يقفون أمام مجسم خشبي لمرقد الامام الحسين (ع) روعي في تصميمه الدقة المتناهية التي تنقل الجزئيات والكليات معاً حتى في الأعمدة والأبواب والنوافد والقباب.
أعمال لجنة المرتضى
ولنبدأ من العاصمة «المنامة» فعند المدخل الجنوبي لشارع باب البحرين، ومن الإشارة الضوئية بالقرب من كنيسة القلب المقدس وبجوار مأتم (بوعقلين)، اعتادت لجنة المرضى للثقافة والإعلام على تخصيص زاوية مساحتها تقريباً (88) أمتار تقريباً ليصمم الأعضاء المبدعون مجسمات تختصر لوحة عاشورائية غاية في الاتقان.
هذا العام، كانت الفكرة غير تقليدية، فقد تم تصميم قارورة زجاجية كبيرة الحجم وفي داخلها مجسم حصان ونساء وأمامها مجرى نهر أحمر اللون تم تصميمه مطابقاً لكلمة «كربلاء» وحوله جثث شهداء وزوايا رمزية تمثل يوم عاشوراء الحسين (ع).
ويبدو الاتقان واضحاً هذا العام في تلك الزاوية... ففي العام الماضي، أبهرت المبدعة فاطمة المولاني زوار العاصمة، بمجسم قارب الحجم الحقيقي لفرس الإمام الحسين (ع) وحوله النسوة ملتفين استقبلنه عائداً بعد استشهاد سبط الرسول(ص)، ولم يكتف الناس بالتقاط صور فوتوغرافية وفيديو من أجهزة الهواتف النقالة، بل تم تصوير مشاهد متلفزة لذلك العمل الفني الجميل
واقعة الطف في القرى
بالاضافة إلى مجسمات مرقد الإمام الحسين (ع) والمسجد الأقصى وتصاميم بيت الله والمسجد النبوي الشريف، دأب شباب متطوعون في كثير من القرى على تخصيص مساحات معينة كمضائف للمعزين والحضور.
كانت تلك المضائف وخلال الماضي من السنوات مجرد طاولات تقدم الأطعمة والاشربة، فتحولت اليوم إلى معارض تحوطها الديكورات العاشورائية التي تمثل مختلف المشاهد من يوم العاشر.
في قرية البلاد القديم تولى المشرف على مضيف (أم البنين) كريم علي كرم إعداد المكان قبل حلول شهر محرم الحرام بنحو اسبوعين إذ أنشأ مضيفاً عبارة عن غرفة خشبية وعلى جانبيها مركز اعلامي ومجلس صغير زود بكمبيوتر وشاشة عرض ونظام صوتي لبث القصائد العزائية الحسينية وفي الجانب الآخر، تم تصميم مشاهد من كربلاء... فهنا النهر ينساب منه الماء وهنا خيمة النساء وهناك جثة شهيد، وتعبق في المكان رائحة «الريحان» النضر الذي يتوزع على المساحة، فيما تم ابتكار نمط خاص من الإضاءة وبألوان مختلفة تضفي على المشهد مزاجاً خاصاً تنقل الزائر إلى منطقة حيوية حية مضى عليها أكثر من 1360 عاماً تقريباً.
النهر والرماح والدماء
وعلى بعد خطوات في مضيف أم البنين، تولت لجنة مسجد السيدمصطفى تجهيز مجسم للنهر والرماح والدماء تستبدل كل ليلة بحسب الحادثة ففي ليلة القاسم (ع)، تزهو الزاوية بشموع العرس المتخيل وتعج المساحة بالزهور، وفي ليلة العباس (ع) تفوح الدماء الزكية من مشهد بطولي قدم فيه ساقي العطاشى درساً في الذود عن شرع الله والتضحية لأجل آل الرسول (ص).
الجولة تطول في قرى الدراز والديه وسترة ودار كليب والماحوز، وكذلك في مدينة المحرق وقراها، لترتفع رايات الحسين وبيارق العز والفن العاشورائي الذي يستقطب المئات من المسلمين وغير المسلمين.
لكن المشهد المتكرر والماثل في المخيلة والذوق والوجدان الإسلامي، هو ذلك الذي يعبر عن انتصار الدماء على السيوف، والأطفال على الطغاة والنساء على الجبابرة.
ولا يتقاضى أصحاب تلك الأنامل الكريمة مالاً أو مكافآت على عملهم لأنهم ينظرون إلى عظم الثواب للمشاركة في هذه الذكرى العظيمة، بل ان الأهالي يبادرون إلى التبرع بما تجود به أيديهم الكريمة ليصبح للجميع... يد معطاءة لاحياء يوم معطاء للدين وللبشرية ولكل عشاق الحق والحرية والتقدم وانتصار الحق على الباطل.
العدد 1252 - الأربعاء 08 فبراير 2006م الموافق 09 محرم 1427هـ