لعل ملف الخطة الوطنية لمواجهة الطوارئ والكوارث والأزمات هو أحد الملفات التي «قد» لا تشغل بال الكثيرين، وربما كان بعيداً عن تناول ومعرفة عامة الناس... لكنه لن يكون بعيداً قطعاً عن السلطات التشريعية والتنفيذية في مجلسي الشورى والنواب، فلذلك نفتح هذا الباب المغلق لنتناول هذا السؤال مع عدد من أعضاء المجلسين: «لماذا غيب هذا الملف؟ ولماذا أهملت الخطة الوطنية لمواجهة الحوادث والطوارئ والكوارث؟، وأين هي تحركات السلطتين التشريعية والتنفيذية لاقتراح قانون ولتشكيل لجان؟
المشاركون في استطلاعنا هذا يؤكدون أنه لضمان الأمن والسلامة، يتحتم وجود قانون أو خطة وطنية وجهة تقوم بتنفيذ ومراقبة اشتراطات هذا القانون، ومع توافر قانون للأمن والسلامة وتنفيذه من لجان مدربة ومختصة للتعامل مع الطوارئ والكوارث والأزمات، فإنه مهما يمر على البلاد من مخاطر، فإن هناك صمام أمان.
في موضوعنا هذا، نناقش مع عدد من أعضاء المجلس الوطني ومهتمين لموضوع غياب ملف الخطة الوطنية لمواجهة الطوارئ والكوارث والأزمات.
ونبدأ بالحديث مع عضو مجلس الشورى عبدالجليل الطريف الذي يؤكد أنه للإجابة على السؤال عن غياب ملف مهم مثل ملف الخطة الوطنية لمواجهة الطوارئ والكوارث والأزمات، لابد لنا أن نعرف أن أي دولة وفي خضم هذا الكم الهائل من الوسائل التي تستعمل وتستخدم الآن سواء على مستوى النقل أو المواصلات أو في أي مرفق من مرافق الحياة، فإنها معرضة لأي نوع من أنواع الكوارث سواء الطبيعية أو حتى التي ربما يكون للإنسان دور فيها أو لتقصيره دخل فيها، وليس هناك دولة بمنأى عنها، لذلك تأتي أهمية الاستعداد للكوارث إذ لابد أن تكون المؤسسات ذات العلاقة حاضرة دائما وعلى أهبة الاستعداد، ولا يكفي وضع خطة على الورق، وإنما لابد من مراجعة هذه الخطط وأن تكون قابلة للتنفيذ باستمرار.
ويتساءل الطريف عن غياب الخطة الوطنية التي مضى عليها أكثر من 16 عاما، لماذا لم يتم تطويرها، وأين جاهزيتها عندما يحدث طارئ؟ إذ لابد لمثل هذه الخطة أن تكون جاهزة وحاضرة لمعالجة أي طارئ قد تتعرض له دولتنا، فيما يتأوه باستغرابه عدم تطبيق قوانين وأنظمة الأمن والسلامة حتى بمحضر أهل الاختصاص، فإن قوانين وأنظمة السلامة والتأكيد والالتزام بها يأتي على رأس أولويات هذه الخطة فإن السلامة من الأمور الجوهرية ولا يمكن تجاهلها.
السلامة لها الأولوية
من باب تأكيد المسئولية والتصدي للإهمال، يؤكد الطريف أننا معنيون دائما أن نعطي للرعاية والسلامة دورها وأولويتها وأن لا نهملها لأن الحوادث قابلة الوقوع في أي وقت.
«إن الأضرار ستكون أقل بكثير في حال توافر خطة مسبقة لمواجهة الأزمات والكوارث، لذلك أعتقد بضرورة التنبه إذ يكفي ما وقع في بلد مثل البحرين ولكن علينا أن نستفيد استفادة قصوى ونحس، وأن نضع الأمن والسلامة في الاعتبار وأن لا نتقاذف اللوم على هذه الجهة أو تلك وتصبح الخسائر فادحة ولا نتمكن من تعويضها وخصوصاً أن هذه الحوادث لها علاقة بالإنسان»... الطريف قال العبارة السابقة ليوضح أن الإجراءات المؤخرة التي قام بها مجلس الشورى لمواجهة الكوارث والطوارئ والأزمات قام المجلس بتشكيل لجنة مؤقتة، تكلف بدراسة كل القوانين المتعلقة بموضوع الأمن والسلامة والقوانين ذات الصلة لاقتراح قانون لمواجهة الكوارث والطوارئ والأزمات.
القوانين والاشتراطات ليست رادعة
ترى إحدى المهندسات البحرينيات أن غياب الرقابة على أصحاب المشروعات ذات العلاقة باشتراطات السلامة أمر يدعو للاستغراب، فإنهم حسب المهندسة صبا العصفور وهي عضوة في جمعية البحرين النسائية - وعلى رغم غياب الرقابة ووجود الاشتراطات لا يقوم أرباب هذه المشروعات بالتقيد بها ذلك لأن هذه القوانين والاشتراطات ليست رادعة، ولا جهة تذكر تراقب هذه المشروعات ذات العلاقة.
إذاً، نحن نحتاج لتحرك من القطاع الحكومي والقطاع الخاص كما تقول صبا، على أن يشمل مشاركة الكل في إيجاد خطة شاملة ودقيقة لمواجهة الكوارث والطوارئ والأزمات وأن يجرى تدقيق على توافر اشتراطات السلامة في جميع المشروعات، وهذه الظاهرة وللأسف موجودة في الكثير من الدول وليست مقتصرة على البحرين.
وتعبر العصفور أن مسألة إيجاد لجان لتطبيق هذا القانون يحتاج لطاقم تنفيذي كبير ولجان عدة، وتكاتف من كل الجهات لتحريك هذه الخطة التي هي موجودة ولا نعلم لماذا لم يعمل بها.
ولا تتفق رؤية عضو مجلس النواب أحمد بهزاد مع ما طرح الطريف إذ يقول إن حقيقة ما شاهدناه أثناء عملية إنقاذ ضحايا البانوش لم تكن بهذه الدقة في المحافظة على إنقاذ الكثيرين لو لا وجود خطة مدروسة وفريق عمل مؤهل تعامل مع الحدث بكل حرفية وتفان في عمله، لذلك لا اتفق مع من ينادي بعدم وجود خطة وطنية لمواجهة الكوارث.
وينوه بهزاد إلى أنه وبحسب علمي فإن وزارة الداخلية وفي سبيل تطوير لجنة الطوارئ والكوارث والأزمات، استعانت بجهة مختصة تعنى بتدريب وتطوير فريق العمل المختص للطوارئ والكوارث حسب خطط وبرامج مدروسة تجعل الدولة في تأهب مستمر لمواجهة مثل هذه الظروف وقد فعلت لجنة الطوارئ والكوارث عملها في الخطة السريعة التي وضعتها للتعامل مع هذا الحادث.
عمليات الإنقاذ...كيف سارت؟
ويقول بهزاد ومن اطلع على سير عمليات الإنقاذ في كارثة البانوش يلحظ أنها كانت تسير حسب خطة واضحة أعدت للتعامل مع الكارثة تمثلت في وجود مسرح للحادث وموقع للقيادة وموقع يساعد على إدارة العملية وموقع آخر لتجميع الضحايا وينقسم إلى نوعين الأول موقع المصابين والثاني موقع للجثث. ويرى أحمد بهزاد أن موضوع الخطة الوطنية لمواجهة الكوارث وإدارة الأزمات كانت ولاتزال من مسئولية وزارة الداخلية وجهات حكومية أخرى مثل وزارة الصحة، إدارة الدفاع المدني والإدارة العامة للمرور، والحرس الوطني، ومن خلال وزارة الداخلية يتم التنسيق مع تلك الجهات.
ويوضح بهزاد أن لجنة الكوارث وإدارة الأزمات كانت تعمل وتخطط منذ مدة طويلة لمثل هذه الخطة، ليتم تحديثها باستمرار، وقد دأبت على العمل على إدارة الأزمات منذ تأسيسها وقبل كارثة سقوط الطائرة في المحرق في العام 2000.
لجان دائمة للتقليل من آثار الكوارث
من جانبه، يؤكد عضو مجلس النواب فريد غازي أنه من الضرورة على الدول إيجاد لجان دائمة للطوارئ إذ ومع نمو وتشعب وكثرة المهمات والخدمات التي تقدمها كل دولة في المجتمع الدولي، وأمام المتغيرات السياسية وما تسببه من حروب في المنطقة وأمام التغيرات المناخية وما تتسببه، كل ذلك يستدعي وجود لجان دائمة للطوارئ القصد منها تقليل آثار الكوارث وحماية المصابين وإجلاء الضحايا بأسرع وقت ممكن سواء في البحر أو البر أو الجو، ويمكن التعامل مع أجواء منطقة الخليج والتي لم تخلو منها الحوادث، وإن كانت أعمالاً حربية أو كانت حوادث عامة قضاء وقدراً، فإن كل هذه الاحتمالات قائمة، وعلى رغم الدرجات العالية التي تتخذ في اجراءات السلامة في منطقة الخليج أو في مملكة البحرين على وجه الخصوص تنتج من وقت لآخر كوارث لابد من التعامل معها بسرعة إذ إن العنصر الزمني والوقائي يقلل من الضحايا.
رفع كفاءة لجان الطوارئ
وعندما سئل فريد غازي عن سبب غياب ملف الخطة الوطنية لمواجهة الكوارث والحوادث والأزمات لم يعلم أسباب غيابه، ولا الأسباب وراء عدم تشكل مثل هذه اللجان، ولكن كنا نشهد بين فترة وأخرى تجارب الدفاع المدني وتجارب لمجمع السلمانية الطبي في تدريب لمواجهة كوارث قد تواجه المملكة، وأصبحنا منذ مدة لم نشهد هذه التجارب، ولرفع الكفاءة للتعامل مع هذه الأزمات لذلك نحن نتساءل ونطالب ببيان عدد هذه التجارب التجريبية التي ترفع كفاءة مواجهة الأزمات والطوارئ، وهذه العملية لا بد أن تكون هناك لجان تعمل على التنسيق بين الأجهزة الأمنية المختلفة لمواجهة مثل هذه الكوارث، وأيضاً لابد من أن نرفع كفاءات الإنقاذ البحري وتخصيص الطائرات العمودية التي تقوم بالمهمات ليلاً ونهاراً مع تجهيزها بأحدث التقنيات.
ومن جانب آخر لم تبعد نقاط التساؤل من النائب الأول في مجلس النواب عبد الهادي مرهون إذ يقول للأسف الشديد إن هذه الأسئلة الصعبة لا تظهر إلا وقت الأزمات وما هو واضح إلا أنه وفعلاً نفتقد إلى خطة وطنية للكوارث والأزمات، إذ كان ينبغي أن تكون موجودة مسبقا من قبل التسعينات، اعتمادا على الموارد الوطنية والإمكانات الموجودة في المملكة.
ويؤكد مرهون: «لقد سمعنا عن دراسات تعد وعن لجان تنسيق لكنها لا تغني عن وجود خطة لمواجهة الكوارث تعمل على استخدام جميع الإمكانات والموارد المتوافرة في البلاد».
ويعبر مرهون عن فقداننا إلى ما يعرف بإدارة الأزمة وهي التي تختص بطريقة إدارة الأزمة، حتى يعرف كل مسئوليته وموقعه، وفي كل الأحوال علينا أن نتعلم جيدا مما يحصل من أزمات وكوارث حولنا لنرتفع بمستوى مواجهتها.
فيما يوجه مرهون السؤال عن غياب ملف الخطة الوطنية لمواجهة الكوارث والحوادث والأزمات إلى الجهات الحكومية، إذ «لا أعتقد أنه لدى النواب أي علم بغياب هذا الملف المهم وعن السبب الحقيقي وراء اختفائه»
العدد 1306 - الإثنين 03 أبريل 2006م الموافق 04 ربيع الاول 1427هـ