كان ملف التجنيس ولايزال، مادة نقاش مفتوحة في الأوساط الشعبية، وفي ضوء خطورة تجاوز قانون الجنسية، ومنحها بصورة عشوائية مضرة، فإن من الأهمية بمكان مناقشة انعكاسات تلك التجاوزات التي تحدث من وراء هذه «الأزمة» وما تلقيه من ثقل سياسي، اقتصادي، ثقافي واجتماعي على المجتمع. عبر الأسطر الآتية، سنتحدث مع عدد من الناشطين السياسيين، وأولى وقفاتنا مع عضو شورى الوفاق سيدحيدر الستري الذي جزم بوضوح بخطورة ما يحصل في المملكة من تجنيس وصفه بـ «غير الطبيعي» والذي أتى على أسس غير مدروسة لا تتناسب مع متطلبات المملكة وبديهيا لن تعود بالفائدة والمصلحة على البلد.
التجنيس تغيير لقناعات الإنسان
وفق محاور عدة أهمها محور ثقافي، اقتصادي وتربوي تمحورت رؤية الستري الذي رأى أنه من الضروري ألا تتم عملية التجنيس بهذا الشكل العشوائي السريع وغير المدروس وإنما تتطلب بناء متأنياً بعيد المدى ورؤية مستقبلية واصفا ما يحصل بالعملية القيصرية، ليفصل محاوره مبتدئاً بأهمها (المحور الثقافي)، إذ يرى أن التغير الفجائي الذي يتم بين ليلة وضحاها من شأنه أن يخلق صداما ثقافيا يهدد مشاعر الإنسان وقناعاته مؤثرا على عمق المواطن وبالتالي الوطن من خلال زج عادات وسلوكيات قد تكون أبعد ما تكون عن طبيعة مجتمعنا فتحذف حذفاً على سلوكياتنا وعاداتنا لتشكل مزيجا غير متناسق يخلق فجوة ثقافية مجتمعية. ولم تقل خطورة تلك التجاوزات على المستوى الاقتصادي عنها ثقافيا من وجهة نظر الستري الذي رأى أنه من المحتم أن تدرس المشروعات الاقتصادية لتعود بالفائدة المرجوة على البلد، والعامل البشري من أهم النقاط التي يجب الوقوف عندها فإن كان هذا العامل مختلا وغير مدروس فإنه يرمي بثقله على مستوى نجاح تلك المشروعات وبالتالي على التنمية والأهم من كل ذلك عدم شعور المواطن بارتباط تلك المشروعات به وبهمومه ومتطلباته وبعدها كل البعد عما يطمح له من حقوق. لأسباب عدة بعضها واضح جلي والآخر مجهول استنكر محدثنا أسلوب التجنيس في المملكة وآليته متوقعا أن يسهم في توريط الأجيال القادمة في قضايا معقدة ولاسيما في غياب وجود المبررات المقنعة التي من شأنها أن تثبت مدى جدوى التجنيس بهذا الشكل المربك.
تجنيس الكفاءات
وفي هذه المساحة يسطر الناشط والمحامي موسى البلوشي تداعيات التجنيس، إذ يرى أنه لا ضير من تجنيس الكفاءات والعقول لخدمة الوطن والمواطن، إذ لا يوجد شك في كون قضية التجنيس من أجل تنمية ونهضة المملكة حضاريا أمراً من شأنه أن يسهم في تطور ونمو البلاد اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، ولكن القلق يتمحور في كون المسألة وقتية سياسية غير واعية وعشوائية لا تجدي نفعا بل تسهم في إضافة أعباء خدماتية على البلد وهو ما يفترض أن تكون المملكة قد تجاوزته في ظل المشروع الإصلاحي. وفي مقابل ذلك يجب التصدي للتجنيس العشوائي للجهل والشريحة التي من الممكن أن تكون عالة على الوطن لذلك لابد من التعاطي مع القضية بشفافية اكبر وعدم زجها في قائمة الممنوعات من التداول لما لها من تأثير قوي على الوضع السياسي والاجتماعي وانعكاسات على التشكيلة السكانية والهوية الوطنية فضلا عن تداعياتها السياسية والاجتماعية التي من شأنها أن تخل بالنسيج الاجتماعي والوطني لشعب البحرين وتدخلنا في متاهات لا يمكن الخروج منها بدأت تبرز في الفترة الأخيرة كتفشي الجريمة والسلوكيات البعيدة عن الإسلام.
مصلحة الوطن أولاً
ويأخذنا رئيس جمعية الميثاق أحمد جمعة إلى بعد آخر بوجهة نظره التي تتمحور حول مبدأ واحد هو المصلحة الوطنية أولا وأخيراً، مؤكدا عدم وجود الحاجة إلى تجنيس أي فرد حتى وإن كان ضمن القانون وكان مستوفياً للشروط إن لم توجد المصلحة الوطنية لذلك، فضلا عن تأكيده على وجهات نظر من سبقه في كون العملية مثارا للجدل والاحتقان ومن شأنها أن تسهم في حراك سياسي يرمي بثقله على أمن واستقرار البلاد بعد أن تنفست الصعداء أخيرا.
الموضوع... مثار فتنة
بين أخذ ورد في هذا الاستطلاع استوجب الأمر منا الوقوف عند وجهة نظر مختلفة تبناها رئيس جمعية التجمع الدستوري خالد الشمري الذي رأى أن الموضوع مثير للشجون وليس من الصائب طرحه في الفترة الحالية لما له من تداعيات على الوضع الراهن وما تمر به البلاد من موسم انتخابي حافل، فضلا عن كونه غير خادم لمسيرة التحولات الإصلاحية في المملكة وخصوصا أن البلاد تشهد دخول شريحة وإن جاز القول غالبية من جموع الشعب البحريني في الانتخابات من بينها الجمعيات المقاطعة سابقا وإثارة مثل هذا الموضوع في هذه الفترة بالذات أمر من شأنه أن يكون مثارا للفتنة وفتح ملفات أكل الدهر عليها وشرب، إذ اشبع الموضوع ونال ما استحقه وأكثر بكثير من الحديث بين جموع الناس وفي قبة البرلمان وصفحات الصحف فضلا عن أن وزارة الداخلية متمثلة في إدارة الهجرة والجوازات قد أصدرت ردا صريحا حياله لذلك لا تجب المزايدة عليه.
أجندة غير صائبة
موضوع التجنيس يتبع أجندة سياسية ويخدم أغراضاً انتخابية من وجهة نظر الشمري الذي عبر عن توجه جمعية التجمع الدستوري في الوقوف جنباً إلى جنب مع قضية المجنسين باعتبار أنهم باتوا يشكلون شريحة من المجتمع لا يمكن الاستهانة بها لها من الحقوق ما عليها من الواجبات.
رئيس جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي خالد هجرس رأى أن التجنيس من الملفات الساخنة ذات الأبعاد السياسية في البحرين، وقد شكل مجلس النواب لجنة تحقيق في دور الانعقاد الأول، ولكن اللجنة لم تستطع القيام بالدور المطلوب في فتح الملفات المتعلقة بالفترة الماضية منذ العام 1995 والتي تم فيها التجنيس على نطاق واسع بسبب عدد من المعوقات، وخصوصا أن عملية التجنيس أخذت بعداً ذا طابع طائفي، كما أن السلطة التنفيذية لم تأخذ المسئولية المنوطة بهذه اللجنة على محمل الجد. وبنبرة حادة أكد هجرس عدم تحيز الجمعية لأحد دون آخر، منوها بمن عاش في هذا الوطن ولم يعرف غير البحرين وطنا له أو من قدم لهذا البلد خدمات جليلة تتعلق بنهضته وتطوره، بيد أنه ضد أن يتم التجنيس وفق حسابات خاصة لا تراعي إمكان وأبعاد استيعاب المجنسين والنسيج الاجتماعي والثقافي للمجتمع وتبعاته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ومحاولات التغيير بصورة قسرية للواقع الديمغرافي للمملكة.
تلك المعادلة يشرحها في هذه المساحة فيقول: «حين نجنس الناس علينا أن نكون قادرين على توفير فرص العيش العادل والرفاهية مثل فرص العمل والسكن والخدمات الصحية وغيرها، المملكة تعاني حاليا من مشكلة البطالة والتجنيس العشوائي يزيد منها ويفاقم من أعبائها، كما يضغط على مشكلة الإسكان ويراكم طلبات المراجعين ويزيد عددها، ومعروف أن معظم المجنسين حصلوا على فرص عمل في وزارتي الداخلية والدفاع والحرس الوطني، الأمر الذي يطرح قضية التمييز ويزيد من الفرقة، إذ لا يحظى جميع المواطنين بصورة متكافئة بالحصول على هذا الشرف ويحرمون منه».
انعكاسات المشكلة
ومازال الحديث له ليوضح أن نسبة الكثافة السكانية في البحرين نحو 1200 فرد في الكيلومتر المربع الواحد وهي واحدة من أعلى النسب في العالم في هذا المجال وان زيادة التجنيس تزيد من هذه الكثافة وخصوصا إذا علمنا أن معظم من تم تجنيسهم لديهم عائلات، وبطبيعة الحال تجنيس عوائل بأكملها سيراكم الضغوط الموجودة أصلا على قضايا البطالة والإسكان والخدمات ويضيف أعباء على التنمية الاقتصادية. من سيضمن فرص العمل لكل هذا العدد الموجود والمتوقع تأهله لسوق العمل؟ من سيضمن زيادة الفرص الاستثمارية وخلق الوظائف للبحرينيين في ظل منافسة العمالة الأجنبية الفائضة؟
ولم تقتصر تبعات المشكلة على ما سبق بل توقع هجرس أن ترى البحرين صورة قاتمة ستظهر للسطح في المستقبل القريب من حيث زيادة أعداد الباحثين عن عمل ما يضعف من فرص التنمية الاقتصادية ويؤدي إلى استنزاف الموارد الوطنية، الأمر الذي قد يؤدي إلى المزيد من فرص الاضطرابات السياسية والاجتماعية ولاسيما أنه من المعلوم حتى لدى المنظمات الدولية أن غالبية من تم تجنيسهم أصبحوا موظفين في وزارتي الداخلية والدفاع والحرس الوطني، وأنهم ليسوا من أصحاب المؤهلات العلمية والخبرات التي تجعل منهم منتجين وبالتالي ساهموا في زيادة العبء كونهم استفادوا من المزايا والخدمات ولم يضيفوا شيئا ذا قيمة علمية أو فكرية للوطن.
إن التجنيس بهذه الصورة يؤثر حتى على الهوية المجتمعية فالمجنسون أتوا من بيئات اجتماعية وسياسية واقتصادية مختلفة ولديهم قيم وطباع غير التي عرفها المجتمع البحريني المسالم والمتآخي بطبيعته وفق ما أشار هجرس، مؤيدا كلامه بما تناولته وسائل الإعلام بشأن ما حدث في بعض مناطق البحرين التي يقطن فيها المجنسون من توتر بلغ حد الصدام.
رؤية الفعاليات السياسية تتلخص في أنه من المهم ألا نجعل من منح الجنسية البحرينية ضمن الحسابات الخاصة لمعالجة مشكلات داخلية دونما دراسة الآثار السلبية والتداعيات المترتبة عليها، داعيا أن يكون التجنيس ضمن القانون الذي أعطى الحق في الحصول على الجنسية لمن عاش في البحرين 15 عاماً للعرب و25 عاماً للأجانب
العدد 1320 - الإثنين 17 أبريل 2006م الموافق 18 ربيع الاول 1427هـ