واصلت الصحف العبرية وتلك الأميركية رصد تداعيات سياسة فرض الحصار على الشعب الفلسطيني تمهيدا لعزل حكومة «حماس» وإسقاطها. فأقرت أن المخطط الإسرائيلي ـ الأميركي أثبت فشله. والدليل أن اجتماع نيويورك للجنة الرباعية أقر استئناف المساعدات لأن «تجويع الفلسطينيين» لن يؤدي إلا إلى الإضرار بمصالح «إسرائيل». وهناك نصيحة بالبحث عن مقاربة جديدة تنقذ الفلسطينيين من الجوع وتبقي سيف الضغوط مسلطاً على «حماس» التي وصفها أحدهم بـ «الكابوس الهوليوودي». فيما نصح آخر رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت بعدم التطرق إلى «خطة الانطواء» خلال محادثاته مع الرئيس جورج بوش قبل الخوض في مخاوف مضيفه من المشروعات الأحادية وإقناعه بعدم وجود شريك فلسطيني.
واعتبرت «واشنطن بوست» أن الجهود الدولية لـ «تدجين» الحكومة الفلسطينية بقيادة «حماس» باءت بالفشل. فالحركة لم تغير أي من مواقفها على الرغم من الأزمة الإنسانية في الضفة والقطاع. في حين بدأت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي و«إسرائيل» البحث في آلية مناسبة لاستئناف إرسال المساعدات، فهذه الأطراف لم تجد أمامها أي خيار آخر. لأن انهيار السلطة لن يلحق ضرراً بـ «حماس» بقدر ما سيؤدي إلى الإضرار بمصالح بـ «إسرائيل» كما سيقضي على الآمال في تحقيق السلام في الشرق الأوسط. غير أنها لفتت إلى أن مسألة استئناف ضخ المساعدات إلى السلطة الفلسطينية هي مهمة صعبة، إذ يجدر بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يتوصلا إلى مقاربة تنقذ الفلسطينيين من الجوع والمرض ولا تفك العزلة عن «حماس» بل تبقي الضغوط عليها قائمة كي ترضخ للمطالب الدولية ولا تغلق الباب أمام تنفيذها.
من جهتها، دعت «هآرتس» تحت عنوان «ارفعوا أيديكم عن أموال الفلسطينيين» إلى إعادة أموال الضرائب إلى أصحابها الفلسطينيين فهذه الأموال ليست تبرعات بل هي أموال مستحقة لهم. وإذا ما وصلت إلى السلطة يمكن أن تسدّ بعض الحاجات الملحة مثل النقص في الأدوية والمعدات الطبية في مستشفيات غزة أوتسديد رواتب الموظفين. وأكدت أن تحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين يصب في مصلحة «إسرائيل» أيضاً، لأن استمرار معاناتهم وانتشار الفوضى لن يساعدا أحداً بل يهدد ذلك بارتفاع وتيرة الهجمات ضد «إسرائيل». ولكنها أنحت باللائمة في الوضع المتردي في غزة، على «حماس» لأنها لم تقرّ بالاتفاقات الموقعة. وبما انها وصلت إلى السلطة في انتخابات ديمقراطية وليس بانقلاب عسكري فمن واجبها أن تعترف بتلك الاتفاقات. ولكنها أكدت أن «إسرائيل» تتحمل أيضاً جزءاً من المسئولية، فالانسحاب الأحادي من القطاع من دون التعاون مع الحكومة السابقة بقيادة محمود عباس أضعف الأخير في مواجهة ما أسمته «مزاعم» «حماس» بأن عمليات المقاومة هي التي أجبرت «إسرائيل» على الانسحاب. وذكّرت بأن «إسرائيل» رفضت لأعوام المساعدة على تعزيز مؤسسات السلطة بل على العكس عملت على إضعافها، والدليل الأخير هو رفض إيهود أولمرت لقاء عباس على الرغم من اعتراف الجميع بأن هذا الرجل يعد شريكاً فلسطينياً يمكن التفاوض معه.
وكتب مارك هيلر في «جيروزاليم بوست» أن زيارة أولمرت إلى واشنطن هي التزام بتقليد قديم، وهي جزء من وظيفة أي رئيس حكومة إسرائيلي جديد. أما بالنسبة إلى هذه الزيارة تحديدا، فإن هدفها الحصول على تعهدات أميركية لتنفيذ خطة «الانطواء». ولكنه لفت إلى أسئلة بشأن الهدف المعلن ومضمون التنسيق المطلوب. فإذا كان أولمرت يرغب بدعم أميركي لرسم الحدود الدائمة لـ «إسرائيل» أحادياً فلن يحصل عليه، إذ أن واشنطن والمجتمع الدولي لن يعترفوا بالحدود التي تنتج عن القرارات الأحادية. أما إذا كان المقصود وضع مسألة التنسيق مع واشنطن في إطار سياسة «الأخذ والعطاء»، فتستطيع «تل أبيب» الحصول على دعم أميركي مقابل الالتزام ببعض الشروط التي تفرضها المتطلبات الأميركية خصوصا ما يتعلق بمناطق الانسحاب وطبيعتها. وما إذا كان ذلك سيشمل جيش الاحتلال والمدنيين كما حصل في غزة أم إخلاء المستوطنين حصراً. فعلى «إسرائيل» طمأنة الأميركيين حيال المضمون السياسي لخطة الإنطواء، وهل ستكون بديلا عن المفاوضات تحت ذريعة غياب الشريك الفلسطيني؟ وإذا كانت كذلك فعليها أن تقنع المجتمع الدولي بأن زمن الخطوات الأحادية قد حان. وهي مهمة شبه مستحيلة، يؤكد هيلر. فالمجتمع الدولي ما زال يدعو للعودة إلى طاولة المفاوضات. وهنا أعرب عن تأييده مبدأ استئناف المفاوضات حيث يكون الفلسطينيون ممثلين بالرئيس عباس. فبهذه الطريقة يمكن تعزيز موقع الأخير وتعميق عزلة «حماس» التي وصفها بـ «الكابوس الهوليوودي» الذي سيزول قريباً.
من هنا رأى أن محادثات أولمرت يجب أن تتركز قبل أي شيء على إمكانية استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين ومن ثم الخوض في غمار متطلبات خطته إذا أثبت عدم فعالية التفاوض. فعلى أولمرت أن يتطرق أولا إلى مخاوف مضيفه قبل الانتقال إلى مشروعه الخاص
العدد 1358 - الخميس 25 مايو 2006م الموافق 26 ربيع الثاني 1427هـ