وبهدف الدفاع عن مصالح زبائنها (نظرياً)، نراها تقوم بالمضاربة والتسبب في ارتفاع أسعار الفائدة على الإقراض الحكومي لدرجة أن بعض البلدان، كأيرلندا والبرتغال واليونان، قد دفعت إلى حافة الإفلاس.
ونتيجة لهذا السلوك، أجبر مواطنو هذه الدول على تحمل إجراءات التقشف القاسية والتسويات التي تفرضها الحكومات الأوروبية لتهدئة الهجوم الوحشي «للأسواق»، أي المصارف الأوروبية نفسها.
وعلاوة على ذلك، تمكنت تلك المصارف من الحصول بسهولة على أموال من البنك المركزي الأوروبي بسعر فائدة لا يتجاوز 1 في المئة، وقامت بدورها بإقراض تلك الأموال لدول مثل إسبانيا وإيطاليا بسعر فائدة يصل إلى 6.5 في المئة.
كما لا يجب أن نغض النظر عن السلطة الهائلة والمخزية لوكالات التصنيف (فيتش، وموديز، وستاندرد آند بورز) والتي يحدد قياسها للجدارة الائتمانية لأي دولة، المعدل الذي يمكنها الاقتراض على أساسه في السوق. فكلما انخفض التصنيف، كلما ارتفعت الكلفة.
ولا يقتصر الأمر على كون هذه الوكالات مخطئة في كثير من الأحيان، فقد أخطأت وبشكل كبير في تقييمها للإخفاق في أداء الرهن العقاري الذي أدى للأزمة الحالية. فهي تلعب أيضاً دوراً ضاراً ومثيراً للاشمئزاز في أوضاع مهمة مثل الوضع الحالي.
ومن الواضح أن كل خطط التقشف وبرامج الخفض والتكيف في منطقة اليورو ستؤدي إلى تراجع في النمو؛ ما سينتج عنه قيام تلك الوكالات بخفض التصنيف الائتماني للدول، وبالتالي دفع تكاليف خدمة ديونها للارتفاع المتزايد، بما يفرض بدوره اقتطاعات أكبر من الموازنة ويقود لخفض النشاط الاقتصادي؛ ما يتسبب مرة أخرى في خفض التصنيف الائتماني، وهكذا دواليك.
من السهل أن نرى في هذه الحلقة المفرغة، والتي من الواضح أنها حرب اقتصادية، لماذا تدهور الوضع اليائس في اليونان بشكل متسارع وخاصة أن حكومتها فرضت اقتطاعات متزايدة على الموازنة وتدابير تقشفية متشددة. لم تسفر التضحيات التي قدمها المواطنون اليونانيون عن أي شيئ؛ بل تم خفض تصنيف الديون اليونانية الآن إلى «خردة».
بهذه الطريقة حصلت الأسواق على ما أرادت: وهو الوصول المباشر لسلطة الدولة دون الحاجة إلى الدخول في متاعب الانتخابات. فكل من رئيس الوزراء اليوناني الجديد، لوكاس باباديموس، ورئيس وزراء إيطاليا، ماريو مونتي، هم من المصرفيين. وبطريقة أو بأخرى، عمل كلاهما مع بنك غولدمان ساكس الأميركي، الذي يتخصص في وضع موظفيه في مناصب سلطوية عليا. وكلاهما من أعضاء اللجنة الثلاثية.
إغناسيو رامونيه
رئيس تحرير «لوموند ديبلوماتيك» الإسبانية.
وكالة إنتر بريس سيرفس
العدد 3402 - الجمعة 30 ديسمبر 2011م الموافق 05 صفر 1433هـ