يعتصم بضع عشرات من النشطين المصريين في خيام في قلب ميدان التحرير بوسط القاهرة في مشهد يختزل رائحة الثورة التي أطاحت بالرئيس المصري حسني مبارك بعد 30 عاما في الحكم. ورغم مرور عام كامل على الإطاحة بمبارك تبدو الثورة التي قادها نشطون شبان متعثرة مع ما يبدو للبعض من سعي من جانب المجلس العسكري الذي يدير شئون البلاد لاستغلال انقسامات المعارضة وخوف المصريين من الفوضى لتعزيز سلطته والحد من التغيير.
ويشعر كثير من المصريين بالإعجاب للحماس الثوري للشبان لكنهم يعارضون عداءهم للمجلس العسكري الذي تعهد بتسليم السلطة إلى مدنيين منتخبين بحلول منتصف العام. وفي لفتة تأييد للجدول الزمني الذي وضعه المجلس العسكري لتسليم السلطة أقبل الناخبون المصريون على أول انتخابات برلمانية حرة في مصر منذ عقود وانتخبوا مجلسا للشعب هيمن عليه الإسلاميون. والنصر الذي حققه الإسلاميون هو تغيير كبير في حد ذاته. وبعد عام من قيام الثورة مازال المصريون يتحدثون بحرية أكبر واحتجاجاتهم اليومية هي دليل على الحريات الجديدة وعلى أمل الشعب في أن يحدث التغيير. لكن النشطين يرون أن الثورة لم تكتمل مادام الجيش هو الذي يمسك بالسلطة وأنه لم يتغير سوى القليل ومن ثم يرفضون إنهاء احتجاجاتهم في الشوارع للمطالبة بإصلاحات أسرع وأوسع وأعمق. وظهرت حملات جديدة منها (عسكر كاذبون) يقوم خلالها ناشطون بعرض أفلام فيديو في الشوارع لمحتجين أصيبوا منذ انتهاء الانتفاضة التي استمرت 18 يوما قبل تنحي مبارك. وقالت أمل بكري من حملة (لا للمحاكمات العسكرية) وهي جماعة ضغط تشكلت بعد الثورة إنه كلما مر الوقت كلما ازداد الناس إيمانا بان النظام لم يتغير. وأضافت أن رأس النظام أزيل حتى يهدأ الناس ويظنوا أن التغيير حدث بينما هو لم يحدث. وأشارت إلى أن النظام باق متمثلا في الوزراء والحكومة وفي كل شيء. واختار المجلس العسكري كمال الجنزوري ليرأس الحكوم ة المصرية الحالية بعد أن كان يرأسها في التسعينات في عهد مبارك. أما المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير البلاد الآن فيشغل منصب وزير الدفاع منذ 20 عاما. وجاء في برقية مسربة للسفارة الأميركية إن الضباط يصفونه بأنه تابع لمبارك. ومازال قانون الطوارئ ساريا منذ عام 1981 . ويقول القادة العسكريون أنه ضروري لحفظ النظام لكن نشطين يقولون أنه يسمح لهم بضرب الحريات المدنية بعرض الحائط كما كا ن بحرية أكبر منذ الثورة ويمكنهم تنظيم احتجاجات رغم الحملات المتكررة ضدهم كما أسسوا عددا كبيرا من الأحزاب السياسية خلال الأشهر القليلة الماضية. وقالت الناشطة مزن حسن مديرة جمعية (نظرة) للدراسات النسوية أن هناك زيادة فيما وصفته بالمواطنة النشطة. وأضافت أن الثورة يمكن أن تسرق لكن هناك مجالات وقضايا تنفتح الآن بعد أن كان لا يمكن مناقشتها عام 2010 . وقالت إن هناك تجربة للأحزاب السياسية الآن. لكن البعض يشكك في مدى السلطة التي سيتمتع بها نواب مجلس الشعب الجدد في صياغة الدستور الجديد أو اختيار الحكومة. ووفقا للجدول الزمني الحالي ستكون هناك فترة مدتها شهران بعد نهاية الانتخابات البرلمانية لمجلسي الشعب والشورى في مارس/ آذار والانتخابات الرئاسية في يونيو/ حزيران لتعيين لجنة تضم 100 عضو لصياغة الدستور والموافقة على محتواه وطرحه للاستفتاء الشعبي. ويرى من طالبوا طوال سنوات بتمكين البرلمان وإعطائه سلطة ودعوا لسيادة القانون أن المجلس العسكري هو الذي يضع عملية الإصلاح على المسار الذي يريده. ويقول الجيش انه لن يرشح مرشحا رئاسيا لكن النشطين قلقون من أن يدعم مرشحه المفضل من خلال أجهزة الإعلام الرسمية وألا يقدر المرشحون الآخرون على المنافسة. وقال السياسي والنشط أيمن نور لرويترز إن المجلس العسكري يتخلى عن سيطرته على البرلمان بينما يسعى للاحتفاظ بهيمنته على الرئاسة. واستطرد إن المجلس ارتأى أن يعطي البرلمان لقوى سياسية أو للقوى الإسلامية بينما يظل من حقه أن يجيء برئيس ينتمي إلى الجيش. وأضاف إن العسكريين يريدون شخصا يستطيعون إملاء تعليماتهم عليه ويضمنون ولاءه لهم. ووسط شعور بخيبة الأمل مما اعتبر إصلاحات سطحية في الفترة الانتقالية التي يقودها المجلس العسكري انسحب مرشحون من سباق الرئاسة. وأعلن محمد البرادعي المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية انسحابه متبرما مما تحقق من تغيير محدود وفعل الشيء نفسه نور الذي كان الوحيد الذي شكل تحديا لمبارك من بين مرشحي الرئاسة في الانتخابات السابقة. ومنذ قيام الثورة فشل نور في نقض الحكم الصادر بإدانته في عصر مبارك بتهمة تزوير وثائق تسجيل حزبه وهو حكم يمنعه من خوض الانتخابات الرئاسية. ويشكو البعض من ان السلطة القضائية مليئة بقضاة عينوا في عهد مبارك ويرفضون التغيير. ومازالت القوانين التي صدرت في عهد مبارك سارية. وقال نور انه حذر في التحرير من مخاطر ترك المسئولية في أيدي الجيش وانه عبر بوضوح عن مخاوفه من أصحاب القبعات العسكرية والعمامات الدينية. وقال إن الثورة المضادة هي التي تدير مصر الآن. وحرص الإخوان المسلمون -وهم أقوى جماعة إسلامية- على عدم نزول أنصارهم الى الشوارع في احتجاجات حاشدة ليركزوا على المكاسب الانتخابية التي حققوها ويعززوا سلطتهم داخل البرلمان والعمل من خلال مؤسسات الدولة. ويقول المصريون الذين تعبوا من الاضطرابات السياسية التي أثرت على الاقتصاد والساعين إلى عودة الحياة الطبيعية انه حان الوقت لإنهاء الاحتجاجات وإعطاء البرلمان المنتخب فرصة. لكن النشطين الرافضين لموقف الإخوان المسلمين يريدون استعادة المبادرة ويحثون الحشود على النزول إلى الشوارع في ذكرى الثورة لتنظيم احتجاجات ضد المجلس العسكري. وهم يحاولون من خلال المسيرات والرسوم الجدارية وتسجيلات الفيديو لمصابي الثورة استعادة الحماسة التي اجتاحت العالم العربي عام 2011 خوفا من تسليم زملائهم بالأمر الواقع مما يسمح بعودة الحكم الشمولي إلى مصر. وقال أحمد فاروق (30 عاما) الذي صوت مثل نحو ثلثي المصريين لصالح الإسلاميين «أنا ضد الاحتجاج في 25 يناير. الحكم العسكري سيصبح بلا معنى بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية. أنت تستعجل شيئا لو انتظرت قليلا لحدث من تلقاء نفسه. المواطنون العاديون يريدون الهدوء وتحقيق الاستقرار.» وأعلن المجلس العسكري يوم 25 يناير عطلة للاحتفال بالثورة في محاولة كما يقول المنتقدون لان ينسب لنفسه أهداف الثورة وللحد من دعوات التغيير. ويبدو انه صعد من الملاحقة الأمنية التي كانت تحدث في عهد مبارك لجماعات المجتمع المدني. وفي ديسمبر / كانون الأول داهمت السلطات المصرية مقار نحو 17 جماعة غير حكومية في إطار تحقيق تقول انه متعلق بتمويل خارجي غير مشروع لأنشطة سياسية. ولم تتعرض جماعة (نظرة) للمداهمة لكنها تتعرض لحملة لتشويه السمعة. وقالت مزن حسن ساخرة وهي تضرب رأسها كمن يشعر بالعار «يقولون عني إني عميلة لاميركا. التأخير في تمويلنا ازداد بعد الثورة. كان صعبا على كل حال لكنه ازداد سوءا.» اما حركة (6 ابريل) وهي من أشد منتقدي المجلس العسكري فقد دمغت بأنها تتلقى الأموال من الخارج لتنفذ أجندة أجنبية وان كانت السلطات لم تذكر تلك الجهات الأجنبية بالاسم. ويقول أعضاء (6 ابريل) إنهم يتعرضون لهجمات متكررة من «مواطنين قلقين» يعتقدون أن أعضاء الحركة جواسيس. ويقول عدد كبير من النشطين أن الثورة الحقيقية لم تحدث في الحكومة لكن بين الشعب المصري الذي يملك الشجاعة الآن للمطالبة بحقوقه. وقالت أمل بكري «التغيير الحقيقي حدث في الشعب الذي تحرك.. اناس مثلي.. لم أشارك في مظاهرة في حياتي قبل 28 يناير الماضي... الآن هناك آلاف بل مئات الآلاف يرغبون في ان يكونوا جزءا من هذا التغيير.» ووافقتها في الرأي مزن حسن قائلة «الانتفاضة 18 يوما.. الاحتجاجات 18 يوما.. لكن إذا أردت أن تستخدم كلمة ثورة في مجتمع صعب مثل مصر فانت تتحدث عن عشر سنوات»
العدد 3427 - الثلثاء 24 يناير 2012م الموافق 30 صفر 1433هـ